Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سعود السنعوسي يقيد بطله ويترك النهاية بيضاء

رواية "ناقة صالحة" رحلة إلى بادية الكويت وتقاليدها

الروائي الكويتي سعود السنعوسي (الدار العربية)

يفاجئ الكاتب الكويتيّ الشابّ سعود السنعوسي قراءه بروايته الخامسة "ناقة صالحة" (الدار العربيّة للعلوم ناشرون، 2019) بحجمها اولاً ثم بموضوعها وحبكتها. فمن بعد روايات كبيرة الحجم نسبيّاً ورائجة بين قرّاء الرواية العربيّة وبخاصّة مع نيل السنعوسي جائزة البوكر العربيّة عن روايته الثانية "ساق البامبو" العام 2013، يقدّم الروائيّ الكويتيّ نصّاً تدور أحداثه في الصحراء وتتأرجح بداية السرد ونهايته بين زمنين اثنين تفصل بينهما أربعون سنة: 1901 و1941.

ينتقل السنعوسي بقارئه هذه المرّة إلى بادية الكويت العام 1901، ويترك السرد بين أيدي شخصيّاته، ليروح الفضاء الروائيّ يتشكّل مع تقدّم السرد ومع تتالي الرواة. ومن أكثر الأمور لفتاً للانتباه بنية فصول هذه الرواية من الناحية الزمانيّة والمكانيّة، فهناك خمسة فصول مترابطة وفصل سادس وحيد فارغ يتبعها. وتقوم الرواية أوّلاً على فصلين اثنين يؤطّران السرد ويقعان كلاهما في الكويت العام 1941 ، أحدهما موجود في أوّل الرواية وثانيهما في آخرها وكأنّهما هلالان ينفتح أوّلهما لإخبار القصّة التي تدور في البادية العام 1901، ثمّ يأتي الثاني ليغلق السرد ويعود إلى العام 1941. ويتناول السرد في هذين الفصلين الأوّل والخامس، شخصيّة الشيخ محمّد الذي يفتتح السرد ويختتمه. ويمكن أن يتكهّن القارئ أنّ الشيخ محمّد نفسه إنّما هو "دخيل" البطل العاشق الذي يدور السرد حوله في الفصول الثلاثة التي تقع بين الفصلين المؤطّرين والذي يتسلّم بنفسه مهمّة السرد في موضعين اثنين من الرواية. وبين هذين الفصلين المتعلّقين بالشيخ محمّد، تقع الرواية بفصولها الثلاثة التي يتولّى السرد فيها على التوالي دخيل ثمّ حبيبته وابنة خاله الممنوعة عليه "صالحة" من ثمّ دخيل للمرّة الثانية والأخيرة. وتقوم أحداث قصّة العشق هذه في فصولها الثلاثة في بادية الكويت في العام 1901، أيّ أربعين عاماً قبل الفصلين المخصّصين للشيخ محمّد والمؤطّرين للسرد.

وأخيراً يجيء فصل سادس خارجاً عن الفصول الخمسة الأولى المتماسكة ليكون عنوانه "فالح" وهو اسم شخصيّة من شخصيّات الرواية هي شخصيّة ابن عمّ صالحة، أي شقيق زوجها "صالح" الذي تُجبر على الزواج منه على الرغم من حبّها لابن خالها دخيل. ويبقى الفصل الخاصّ بفالح والذي كان يجب أن ترويه هذه الشخصيّة فارغاً وبلا مضمون، فيأتي هذا الأمر ليؤكّد أنّ فالحاً هو الذي يملك مفتاح قصّة العشق التي انتهت بشكل تراجيديّ بين دخيل وصالحة. فما كان دور فالح في سير الأمور؟ ولماذا رفض السنعوسي منحه دفّة السرد؟ وما رمزيّة انتهاء الرواية بفصل فارغ يُحرم فيه الراوي فالح من فضح خبايا الحبكة من وجهة نظره؟

حب مستحيل

يمكن قارئ رواية السنعوسي أن يستنتج أنّها قائمة بأكملها على عبارة واحدة يتلفّظ بها دخيل عندما تسأله صالحة ابنة خاله إن كانا سيلتقيان يوماً، فيجيبها "العِلم عند الله" (ص 45). فتقوم قصّة الحبّ المستحيلة بين الاثنين على ثلاثة فصول تعمل بهذه العبارة وهذا المبدأ. فالفصل الأوّل عنوانه "قبل العِلم، إمارة الكويت، 1901" وهو بداية قصّة الحبّ واضمحلال أيّ أمل بنجاحها بحكم أنّ الفتاة تتزوّج ابن عمّها دائماً وليس ابن خالها؛ والفصل الثاني عنوانه "العِلم، بادية الكويت، 1901" وهو أطول فصول الرواية وهو الذي تحدث فيه أحداث السرد وتتبلور؛ والفصل الثالث عنوانه "بعد العِلم، الكويت، 1901" وهو فصل من صفحتين فقط يصفع القارئ بالنهاية المفجعة التي يختارها السنعوسي لشخصيّاته. وكأنّ هذه الفصول هي فعليّاً "قبل عِلم الله" أي قبل أن نعلم ماذا حضّر لنا الله، ثمّ "عِلم الله" أي مسار الأمور، وأخيراً "بعد عِلم الله" أي بعد وقوع المكتوب واكتشافنا النهاية التي كان الله قد حضّرها لنا منذ البداية.

وعلى مدار الفصول الخمسة للسرد، عدا عن شخصيّة دخيل وابنة خاله صالحة وابن عمّها صالح الذي تتزوّجه وفق أعراف الصحراء والعشائر، تظهر شخصيّة "فالح" شقيق صالح وابن العمّ الذي يبقى في الظلّ هو الذي يفضّل عليه والدُهُ شقيقَه ويتركه منبوذاً هامشيّاً. ومع تطوّر الأحداث، يلاحظ القارئ أنّ دور فالح ليس هامشيّاً بالقدر المتوقّع فقد يكون هو السبب وراء المآزق التي تحصل والأحداث المأساويّة التي تقع. ويترك السنعوسي قارئه على نهمه للحقيقة فعندما يحين دور فالح ليسرد الأحداث من وجهة نظره يتوقّف السرد وتنتهي الرواية وترد صفحة بيضاء في أسفلها فعل "تمّت" فقط، وكأنّ الكاتب تعمّد ألاّ يفضح خيوط السرد وأراد أن يترك القارئ على حيرته. ومن يدري؟ فقد تكون رغبة السنعوسي تكمن في أن يمنح شخصيّة فالح فرصة إخبار قصّته في رواية ثانية تكون الجزء الثاني المكمّل لقصّة الحبّ السريعة والمقتضبة التي عالجها في أقلّ من مئة وخمسين صفحة.

عالم صحراوي جذّاب

طالما سحرت الصحراء الشعراء والحالمين، وطالما استدرجتهم إلى التطرّق إلى أسرارها وخفاياها وعلومها التي لا عدّ لها ولا حصر. ويبدو أنّ السنعوسي هو الآخر وقع في هذا الفخّ فانتقل بسرده وشخصيّاته إلى بادية الكويت متناولاً أهلها وعاداتها وصراعاتها وأصول العيش فيها، في لعبة قفز إلى الوراء يتمّ التلاعب بالسرد فيها بين عامين تفصل بينهما أربعون سنة. وكما أنّ الصحراء ملهمة، هي كذلك فتّاكة تغربل الكائنات ولا يفوز بالبقاء فيها سوى الأقوى، فحتّى شخصيّات السنعوسي تخسر معركتها مع الصحراء، والناقة نفسها "ناقة صالحة" تخسر حُوارها ولا تتمكّن من حماية صاحبتها "صالحة" التي تشبهها في أكثر من منحى. فلماذا هذا العنوان؟ ولماذا هذه النهاية المأساويّة؟ ولماذا هذا الاقتضاب في السرد؟

قد يأخذ القارئ على السنعوسي مآخذ عدّة في روايته هذه. فعلى الرغم من أنّ اللغة صحيحة رشيقة إلاّ أنّها موغلة في البساطة وخالية من التراكيب الجماليّة المتوهّجة والمتقنة؛ وعلى الرغم من فرادة الحبكة كان يمكن استثمار النصّ بدهاء وبحنكة سرديّة أكبر؛ وعلى الرغم من التشويق الذي ظهر في بعض مواضع السرد، ظهر العمل بسيطاً مسطّحاً وضعيفاً أحياناً. فهل يُسامَحُ الفائز ببوكر وهل يرأف به قارئه نظراً لنجاح رواياته السابقة؟

"ناقة صالحة" رواية مقتضبة هادئة، حاولت نقل قارئها إلى الصحراء وأحداثها، أراد بها السنعوسي إبقاء قارئه على نهمه وأراد لروايته هذه أن تنتهي بغموض وصمت كصمت الصحراء تماماً، لتبقى التكهّنات كلّها ممكنة وتكون الإجابة الوحيدة هي الجملة التي تلفّظ بها دخيل في بداية السرد "العِلم عند الله".

المزيد من ثقافة