Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستنجح دعوة بوتين وأردوغان إلى وقف إطلاق النار في ليبيا؟

لن تستمر الهدنة طويلاً... فقد تكررت دعوات مماثلة بسوريا مرات عديدة وسرعان ما اُنتهكت

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان (أ.ف.ب)

زارَ الرئيس الروسي إسطنبول لحضور حفل افتتاح خط الأنابيب (السيل التركي) الذي سينقل غاز موسكو إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

لكنْ، الجميعُ يعلمُ أن القضية الليبية كانت على رأس قائمة البنود في جدول المباحثات التي جرت بين الرئيسين أو الوفود من الجانبين.

وقبل مجيئه إلى إسطنبول زار بوتين دمشق، والتقى فيها بشار الأسد، وزار الجامع الأموي، وبذلك سبق أردوغان الذي كان قد وعد جماهيره قبل سنوات بزيارة هذا الجامع بعد إطاحة بشار الأسد في وقتٍ قريبٍ.

ولربما كانت تلك الزيارة تحملُ في طياتها رسالة تحذيرية إلى أردوغان بشكلٍ غير مباشر، مفادها إن لم تأخذ الدرس والعبرة من القضية السورية فإنك ستأخذ الجواب نفسه في ليبيا مرة أخرى، وكما كان متوقَّعاً، دعا الزعيمان الأطرافَ إلى وقف إطلاق النار في ليبيا.

وبالفعل، أعلنت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا على الفور أنها "ستُلبي هذه الدعوة"، وكان ذلك أمراً متوقعاً من تلك الحكومة التي تتحكّم تركيا في قراراتها.

ومن جانبه قال رئيس حزب المعارضة الأم كمال قِلِيجْدار أوغلو لأردوغان، إن كان لا بد لتركيا من إرسال قواتها إلى ليبيا "فتكن مَهمتها الوساطة بين الأطراف والعمل على إحلال السلام بالمنطقة، والتسوية بين الأطراف"، وليكن دور تركيا "الوساطةَ لا الانحياز" إلى طرف والخوضَ في الحرب.

لكنْ، الرئيس أردوغان سخرَ من الرجل، وردّ عليه، قائلاً "يوجد انقلابيٌّ في مواجهة حكومة شرعية، فكيف ستكون الوساطة بين حكومة شرعية وبين انقلابي؟".

ولم يمضِ على هذا التصريح اللاذع أسبوعٌ حتى رأينا أردوغان شمَّرَ عن ساعديه للاضطلاع بدور الوسيط.

ولْنَدَعِ القارئَ العزير يفسِّر هذا التحوّل السريع، إمَّا بحب أردوغان لبوتين وإمَّا رعب يتحكَّم فيه كيفما يشاء؟!

وأمَّا بالنسبة إلى قائد الجيش الوطني الليبي الجنرال خليفة حفتر، فإنه هو أيضاً صرَّح أخيراً بأنه "سيستجيب إلى دعوات وقف إطلاق النار"، لكننا نستطيع أن نقول إنه "لن يقبل وساطة أردوغان"، الذي أقحم نفسه وجيشه في الحرب، وأصبح طرفاً فيها.

ولا يتمالك الإنسانُ أن يوجِّه إلى أردوغان باسم شعوب المنطقة وحكوماتها الأسئلة التالية: بما أنك تريد أن تتقمّص دور حمامة السلام، فلماذا كنت تدق طبول الحرب في هذه المنطقة حتى وقت قريب؟ ولماذا كنتَ تُحاول أن تجلب إليها الدواعش القتلة من هنا وهناك؟ ولماذا كنت ترسل إليها الأسلحة والذخيرة؟ ولماذا كنت تتخذ ذلك الموقف المتشدد ضد حفتر؟ وهل تتوقع بعد كل هذه التصرفات التي تجرح مصداقيتك أن يثق بك الآخرون أو يستجيبوا إلى دعوتك لوقف إطلاق النار، ناهيك بحفتر الذي اتخذتَ ضده موقفاً صارماً زائداً على اللزوم؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى لو فرضنا أن الأطراف سيستجيبون إلى هذه الدعوة، فلن تستمر الهدنة طويلاً، فقد تكررت دعوات مماثلة في سوريا مرات عديدة، لكن سرعان ما جرى انتهاك قرار الهدنة في كل مرة.

والفارق البارز في ليبيا، أن هناك كثيراً من الأطراف يَعدّون أردوغان من الأسباب المهمة في تعمّق الأزمة الليبية، فعندما صرّح أردوغان بأن 35 عنصراً من الجيش التركي تحركوا إلى ليبيا أصبح ذلك إعلاناً رسمياً لمشاركة تركيا في هذه الحرب بالفعل.

وتوجد ادعاءات بأنه جرى نقل ما لا يقل عن 300 مقاتل سوري بطرق مختلفة إلى طرابلس (ويوجد من يوصل هذا العدد إلى ألف مقاتل).

ولعل الوضع السياسي الداخلي يفرض على أردوغان أن يخوض مغامرات من هذا القبيل، إذ تشير استطلاعات الرأي العام إلى تدني شعبيته بدرجة كبيرة، والمَخرجُ الوحيد من هذه الورطة هو "افتعال أزمة خارجية"، تؤدي إلى رصّ الصفوف الداخلية.

وبالفعل، بدأت الجرائدُ المُوالية أردوغان سرد منافع الخوض في الحرب الليبية، وتقول إن تركيا ستسيطر من خلال جيوشها التي أرسلتها إلى المنطقة على الوضع هناك في وقتٍ قريبٍ، وكلنا يعلم أنه ليس ذلك إلا لعبةً سياسيةً ليس الهدفُ منها إلا إراحة أردوغان وإنقاذه من نكسة سياسية متوقَّعة، ويبدو أن الأيام حُبلى بمزيدٍ من التذبذبات السياسية التي تنتظر حكومة العدالة والتنمية.

وبما أنها لم تستخلص الدرس الكافي من تجربتها الفاشلة حيال القضية السورية والشأن المصري، فلا نستغرب أن تقامر بالخوض في الشأن الليبي المحفوف بالمخاطر والمجاهيل.

بل نستطيع القول، إنها أصبحت بالفعل طرفاً في ليبيا، متجاهلة أن التدخل في الشأن الداخلي لدولٍ أخرى ربما يجلب معه ثمناً باهظاً لا يتحمّله اقتصاد أمثال تركيا من الدول النامية وقدراتها الحربية.

وهل ينتظر أردوغان وفريقه منا أن نتوقع منهم نجاحاً في ليبيا بعد فشلهم حيال القضية السورية والشأن المصري، ولا ننسى أنهم حاولوا جاهدين أن يبسطوا نفوذهم في سوريا ومصر من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من خيبة ظنّهم في هاتين الدولتين نراهم يتمسّكون في ليبيا أيضاً بالسيناريو نفسه، لكنهم يلقون صعوبات بالغة فيها أيضاً.

الحرب في ليبيا على قدم وساق، وقوات حفتر أقرب الطرفين، وأقواهما وأقربهما إلى النجاح... فلماذا تنتظر حكومة أردوغان منها أن تجنح إلى الهدنة؟ وإذا فرضنا أنها ستستجيب إلى نداءات وقف إطلاق النار فإنها ستحاور روسيا أو غيرها، لا تركيا التي يحكمها حزب أردوغان، كما أنها ستفرض شروطاً لا تروق بنودها لأردوغان.

وقد تحمّل الإسلاميون السياسيون أوزاراً كبيرة في سوريا ومصر، وسيضيفون إلى أوزارهم تلك أوزاراً أخرى في ليبيا أيضاً. وكلي أملٌ أن تنعم ليبيا بالأمن والسلام مرة أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء