Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عيادة بوتين" تُعالج جنوداً روس أُصيبوا في حروب سّرية

الكرملين ينفي نفياً قاطعاً إرسال مقاتلين مرتزقة إلى سوريا وأوكرانيا ويُصرّ على اعتبارهم متطوّعين

عيادة "سوغاز" تُقدّم خدمات طبية لمقاتلي "فاغنر" منذ العام 2016 على الأقل (رويترز)

ثمة عيادة في سان بطرسبرغ يُديرها ويمتلكها جزئياً أشخاص لهم صلة بالرّئيس فلاديمير بوتين، وهذه العيادة هي التي قدّمت العلاج الطّبي لمرتزقة روس تعرّضوا لإصابات في الخارج، حسبما يؤكّده ثلاثة أشخاص على معرفة بمتعاقدين عسكريين يتلقّون العلاج في العيادة وأحد موظّفي هذه العيادة ورواية صحافي شاهد عيان وسجلات الشركة.

ويكشف العلاج الطّبي الذي لم يُبلّغ عنه سابقاً ويخصّ المتعاقدين العسكريين الخاصين الذين أُصيبوا أثناء خوضهم معارك قتالية في مواقع خارج روسيا، بما فيها ليبيا وسوريا، أنّ المقاتلين حصلوا على دعمٍ غير مباشر من النّخبة في البلاد على الرّغم من إنكار الكرملين حقيقة وجود هؤلاء في الخارج وقتالهم لحسابه.

ففي نهاية المطاف، القانون الرّوسي واضح وصريح لناحية إلزامه المنظمات الطّبية على اختلافها بإبلاغ الشّرطة عن الإصابات القتالية التي تردها حتى تتحقّق منها، ومنعه أيّ مواطن روسي من المشاركة في نزاعات مسلّحة كمرتزقة.

واستناداً إلى قاعدة البيانات "سبارك" (SPARK) التي تستقي معلوماتها من سجلات المؤسسات، العيادة إيّاها مملوكة لشركة تأمين كبرى تُدعى "أي أو سوغاز" (AO Sogaz) وتضمّ بين كبار موظفيها ومالكيها أقرباء للرئيس بوتين ومعارف آخرين له. وفي ما يخصّ مديرها العام فلاديسلاف بارانوف، فهو يرتبط بعلاقة عمل مع ماريا، الابنة البكر للسيد بوتين. ومع هذا كلّه، لا تتوفّر لدى "رويترز" حتى الآن أي أدلّة على تورّط ابنة الرئيس  في علاج متعاقدين عسكريين.

وفي اتصالٍ هاتفي مع الوكالة، قال السيد بارانوف: "إنسوا أمر عياداتنا، هذه نصيحتي لكم". وردّاً على أسئلة مكتوبة، قال: "لا أريد أن أتواصل معكم".

ومن جهته، أفاد المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "ليس لدينا أيّ معلومات في هذا الخصوص". أما ابنة السيد بوتين والمسؤولون المعنيّون في وزارة الدّفاع و"سوغاز"، فلم يردّوا على طلبات التّعليق.

وكانت "رويترز" ووسائل إعلامية أخرى قد ذكرت في تقارير سابقة لها أنّ متعاقدين عسكريين خاصين من الرّوس حاربوا في السرّ دعماً للقوات الروسية في سوريا وأوكرانيا، وأنّ مجموعة عكسرية خاصة تُدعى "فاغنر غروب" (Wagner Group) وتتألّف بشكلٍ أساسي من عسكريين سابقين، هي التي تُجنّد المتعاقدين. وحسب اثنين من هؤلاء، فإنّ الغرض من إرسال المقاتلين إلى ليبيا هو دعم القائد خليفة حفتر في حربه على الحكومة المُعترف بها دولياً في طرابلس الغرب.

لكنّ الدّولة الروسية نفت وتنفي استخدامها للمرتزقة وتعتبر أنّ الأفراد الذين يُحاربون في أوكرانيا وسوريا متطوعون. وهذا أمر فصّله بوتين طولاً وعرضاً حين قال إنّ المتعاقدين العسكرييين الخاصين الموجودين في سوريا يُقدّمون خدمات أمنية ولا علاقة لهم بالدولة الروسية أو جيشها. فلكل مواطن روسي الحقّ بالعمل في أيّ دولةٍ يُريد طالما أنه لا ينتهك القانون الروسي بالإنخراط في المعارك، على حدّ تعبيره.

ولما سُئل بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن وجود مرتزقة روس في ليبيا، أجاب: "هل تُصدّقون كلّ ما يرد في التّقارير الإعلامية الغربية؟ هل تُصدّقون كلّ شيء؟"

وأضاف أنّ روسيا كانت ولا تزال على اتّصال بالمشير خليفة حفتر وفايز السراج، رئيس وزراء ليبيا المعترف به دولياً.

وعلى هامش المؤتمر، لم يتسنَ لـ"رويترز" الاتصال بمؤسس "فاغنر غروب" ديمتري أوتكين للحصول على تعليق.

إصابة قائد

في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) وفيما كان ألكسندر غوزنيتسوف يجلس في فناء العيادة الخلفي ليُدخّن سيجارة، ذكر لـ"رويترز" أنه كان في ليبيا وأنّ الروس هناك "يُحاربون الإرهاب الدولي حمايةً لمصالح موسكو".

كانت الضّمادات واللفائف تُغطّي جسمه وكانت ذراعه مُثبتة بجهازٍ معدني من النّوع الذي يُستخدم لعلاج إصابات حادة في العظام. لم يرد السّيد غوزنيتسوف الحديث عن إصاباته، لكن علمَت "رويترز" من متعاقدٍ عكسري خاص وأحد المقاتلين السابقين لدى "فاغنر غروب" من الذين تلقّوا العلاج في العيادة أنّ السيد غوزنيتسوف قائد إحدى الوحدات الهجومية التابعة لـ" فاغنر غروب" وأنّه قد تعرّض للإصابة أثناء محاربته في ليبيا.

وبالفعل، أكّد السيد غوزنيتسوف لـ"رويترز" أنه كان قائداً عكسرياً خاصاً، لكنّه لم يُحدد الجهة التي كان ينتمي إليها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ العيادة التي فتحت أبوابها للمرضى عام 2010 هي واحدة من سلسلة المرافق الطبيّة الخاصة التي أنشـأتها "سوغاز" في مختلف أنحاء روسيا، كما يرد على موقعها الإلكتروني الرسمي.

هذا في الظاهر، لكن في الباطن: عيادة "سوغاز" تُقدّم خدمات طبية لمقاتلي "فاغنر" منذ العام 2016 على الأقل. ومصادر هذه المعلومات: متعاقد سابق أُصيب في سوريا خلال السنوات الأخيرة وتلقى العلاج في العيادة مع خمسة أو ستة من المرتزقة الآخرين، ووالدة مقاتل سابق آخر دخل عيادة "سوغاز" لتلقّي العلاج بعد تعرّضه لإصابة خطيرة في سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الحالتين، كانت الخدمات الطبية مجانية للمقاتلين. فلا المتعاقد ولا والدة زميله يعرفان الجهة التي أخذت على عاتقها دفع المصاريف. وجلّ ما تعرفه السيدة التي اطلعت على ملفات ابنها أنّ كلفة إحدى الخدمات الطبية التي حصل عليها وصلت إلى حدّ 10 آلاف دولار أميركي (أيّ ما يُعادل 7 آلاف و600 جنيه إسترليني). والحقيقة أنّ "رويترز" لم تطّلع على محتوى هذه الملفات وبالتالي فهي غير قادرة على تأكيد ما جاء على لسان الوالدة.

وعند سؤال القائد المصاب السيد غوزنيتسوف عن الجهة التي تدفع ثمن علاجه، ردّ بالمثل: لا أعرف.

والمعلوم لدى "رويترز" من قاعدة بيانات حكومية رسمية عن عقود الدولة، أنّ "سوغاز" تُوفّر لأفراد الجيش الروسي وأعضاء الحرس الوطني في روسيا تأميناً على الصّحة والحياة.

روابط مع بوتين

تؤكّد سجلات المؤسسة في قاعدة بيانات "سبارك" ما يرد على موقع المؤسسة الإلكتروني بأنّ ابنة بوتين الكبرى هي شريك مؤسس وعضو في مجلس إدارة شركة طبيّة أخرى يشغل فيها مدير عام العيادة السيد بارنوف المنصب نفسه. ونعني بهذه الشركة: "أي أو نوميكو" (AO Nomeko) التي تعتبر وحدة "سوغاز" المسؤولة عن إدارة العيادة واحدة من "شركائها". وتُورد ذلك على موقعها الإلكتروني من دون أن تقدّم تفاصيل محدّدة.

وعلمت "رويترز" من مصادر خاصة أنّ ابنة بوتين مارست في مرحلة سابقة من حياتها مهنة الطّب الأحيائي وتخصّصت في نظام الغدد الصمّاء مستخدمةً اسمها بعد الزّواج أيّ "فاسين". أما اليوم، فهي تستخدم اسم فورونتسوفا، كما يظهر جلياً في المقالات البحثية المنشورة لها على الموقع الإلكتروني لـ"معهد الأبحاث الطبية" حيث تعمل.

حتى الآن، لم تؤكد ماريا في العلن أنّها ابنة بوتين والرئيس الرّوسي من جهته لا يُخبر إلا القليل عن حياته العائلية.

ولمّا حاولت وكالة "رويترز" الاتصال بوحدة الشرطة المسؤولة عن أمن سان بطرسبرغ للتدقيق في ما إذا كانت العيادة قد رفعت في وقتٍ سابق تقارير تُثبت إقدامها على علاج مقاتلين أصيبوا خارج البلاد، لم تلقَ أيّ نوع من التّجاوب.

ومن ماريا، ننتقل إلى نائب الرئيس التنفيذي لـ"سوغاز" ميخائيل بوتين الذي هو ابن أحد أنسباء الرئيس بوتين حسب وسيلة إعلامية محلية والكرملين.

وفي ما يتعلّق بميخائيل شيلوموف، فهو ابن نسيب آخر لبوتين ويمتلك 12.5 في المئة من "سوغاز" عن طريق شركة أخرى تدعى "أكسبت" (Accept)، وفق ما تُبيّنه سجلات الشركة الرسمية.

أما يوري كوفالشوك الذي يعتبره السيد بوتين صديقاً فيملك مع زوجته حصة غير مباشرة في "سوغاز". كيف؟ من خلال امتلاك نصف الشركة التي تُسيطر على 32.3 في المئة من "سوغاز" عبر شركة أخرى تدعى "أو أو أكفيلا" (OO Akvila).

وأخيراً، أليكسي ميلر. عمل السيد ميلر في مكتب رئيس بلدية سان بطرسبرغ في تسعينيات القرن الماضي إلى جانب السّيد بوتين قبل أن يُصبح رئيساً للدولة. وها هو اليوم الرئيس التنفيذي لـ"غازبروم" (Gazprom) ورئيس مجلس إدارة "سوغاز"، حسب سجلات الشركة وموقعها الإلكتروني.

لم يردّ كلّ من ميخائيل بوتين والسيد شيلموف والثنائي كوفالشوك والسيد ميلر على طلبات التعليق بشأن تورّط العيادة المحتمل في علاج متعاقدين عكسريين خاصين أُصيبوا في معارك خارج الأراضي الروسية.

ومن جانبها، تمنّعت "غازبروم" في الإجابة عن أيّ من الأسئلة التي أُعدّت للسيدين ميلر وميخائيل بوتين. أما ـ"أكفيلا" والشركة التي يمتلك آل كوفالشوك من خلالها حصةً غير مباشرة في "سوغاز"، فقد تعذّر الاتصال بهما.

( رويترز) 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات