Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صانع القباقيب الوحيد في فلسطين... يتحدى صعوبات المهنة

هذا النوع من الأحذية يعود من جديد وإنما للزينة فقط

لم يتخيّل الحاج وليد خضير (70 عاماً) من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، أن مجد القبقاب (حذاء تقليدي يصنع من الخشب والجلد) سيعود من جديد، فبعدما كاد ينسى آخر طلبية للقباقيب قبل سنوات طويلة، عاد أخيراً ليعمل بها بشكل يومي وحسب الطلب.

مسلسلا "أوتيل صح النوم" و"حمام الهنا" للفنان السوري دريد لحام، اللّذان عُرضا في ستينيات القرن الماضي، شكلا في حياة خضير فترة ذهبية، فآنذاك اشتهر قبقاب غوار الطوشة، فعمل خضير ووالده وإخوته بشكل كبير على صناعة القباقيب، حتى لُقّب والده وقتها "بالقباقيبي"، حين كان الفلسطينيون يطلبونه بكثرة حبّاً وتقليداً لأبطال المسلسلَيْن.


القباقيبي الوحيد

ويقول وليد خضير صانع القباقيب الوحيد في فلسطين "أعمل منذ 60 سنة في صناعة القبقاب، وهي جزء أصيل من حياتي. فأنا بدأتُ بتعلم صناعتها مذ كنتُ في العاشرة من العمر. ومنذ طفولتي، أعتبر صوت القبقاب مزيكا (موسيقى). ورثتُ الحرفة من والدي الذي هُجّر من مدينة اللد عام 1948 وافتتح محلاً له في مدينة نابلس، وهو ما زال قائماً بكل ما فيه حتى اليوم منذ عام 1950، لكن مع انتشار الأحذية الحديثة وتنوّع موديلاتها وأشكالها وألوانها، آثر الفلسطينيون كما غيرهم التخلي عن "القباقيب" كحذاء تقليدي للقدمين كانت تشتهر بصناعته دمشق منذ القدم. وأخذت القباقيب شهرة لدى عددٍ كبيرٍ من الفلسطينيين من خلال قبقاب غوار الطوشة.

 


​​​​​​​اليوم نحن نتحدث عن حرفة تقليدية شعبية لا يوجد أحد غيري في فلسطين يمتهنها. لذلك، ستنقرض حتماً في السنوات القليلة المقبلة، فلم يعد أحد يطلبها ولم يعد للقباقيب زبائن، خصوصاً أن ليس هناك شباب يعملون بها، فهي مهنة معدمة وبلا مستقبل، وغير مُربحة، ومنتجاتها تُسوّق بشكل محدود. فنابلس المدينة الفلسطينية الوحيدة والتي تُلقَّب بدمشق الصغرى، حيث ربما تجد في مساجدها وحماماتها الشعبية القباقيب، لأنها أصبحت تقليداً متوارثاً لدى أهل المدينة وكبار السن خصوصاً".

قباقيب للزينة

ويكمل خضير "منذ سنوات عدّة، أنشأ أحفادي صفحة لي على مواقع التواصل الاجتماعي وشعرتُ من بعدها بأن الطلب على القباقيب قد عاد بشكل أفضل ممّا كان عليه، لكن لأغراض الزينة، خصوصاً لدى السياح العرب والأجانب الذين يشترونها مني كمنظر فقط. كما أنني أصنع القباقيب لبعض الأشخاص الذين يعانون حساسية من الأحذية الحديثة المصنّعة غالباً من البلاستيك، فيشترون القباقيب المصنعة من الخشب والصحية جداً للقدمين بناء على نصيحة طبية، فهي لا تتأثر بالحرارة أو الرطوبة ولا تسبب تشققات جلدية في القدمين، وأكثر زبائن القباقيب هن من النساء، السيدات وربات البيوت وطالبات الجامعة، اللواتي يعتبرن القبقاب مريحاً في المنزل."

قباقيب بالألوان

وتبدأ صناعة القبقاب بحسب خضير، "بتقطيع خشب الصنوبر بشكل مائل، ثم برسم طبعة القدم حسب المقاس المطلوب، وبعدها، تبدأ مرحلة إزالة الزوائد الخارجة على الجانبين، وهذه العملية تُسمّى التفكيك، فننتقل إلى عملية اللف التي تزيل الزوائد الأمامية والخلفية من جهتَيْ الأصابع وكعب القدم. تُجهّز القطعة الخشبية بعد ذلك للتقديد، وهي تشكيل كعب القبقاب، ومن ثم يأتي دور التنعيم، أي حف القبقاب قبل طلائه. وأخيراً يُركَّب الجلد على القبقاب ليصبح جاهزاً". وبما أن صيت القبقاب ذاع في بعض المناطق الفلسطينية كزينة في غالبية الأحيان، فقد أصبح صانعه الوحيد يلبي رغبة الزبائن بتلوينه، وتزيين قطع الجلد أو الخشب، بحسب الرغبة.

حارس بابور الكاز

وعلى بعد أمتار قليلة من محل أبو خالد القباقيبي في البلدة القديمة في مدينة نابلس، يحرس الحاج محي الدين حشحوش أخر معقل لصيانة البوابير (أداة قديمة للإضاءة والتسخين تعمل بالكيروسين). فمحله الصغير المتزاحم بقطع الحديد والخردوات والبوابير القديمة يعمل منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى بات معلماً من معالم البلدة القديمة المعروفة باحتضانها لعددٍ كبيرٍ من الحرف التقليدية والشعبية.

ويقول الحشحوش "ورثتُ المهنة عن والدي وتركتُ دراستي لأجل هذه الحرفة وعراقتها وأهميتها في ذلك الحين، حين كانت الناس تستخدم البابور بكثرة لتسخين الماء للاستحمام أو للطهي، وكان الفانوس في حينها كبابور مصغر، لكن يُستخدم للإضاءة بسبب غياب الكهرباء التي لم تكن ملكاً للجميع آنذاك. ولم يكن هناك منزل فلسطيني يخلو من البابور، وبعد انتشار الكهرباء والغاز والأفران بأنواعها وأشكالها، قلّ العمل كثيراً في صيانة البوابير، فاضطُررت لصيانة أدوات مختلفة ومتعددة. واليوم، لا يوجد في مدينة نابلس سوى اثنين لإصلاح البوابير التي أصبحت تُستخدم في هذه الأيام كتحفة فنية أو أنتيك، توضع في المطاعم والمعارض.

المزيد من تحقيقات ومطولات