Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التقشف بات ضروريا في حياة اللبناني 

 لا بد من التخلي عن الكماليات في ظل الأزمة الاقتصادية

اعتصام داخل أحد المصارف اللبنانية (غيتي)

كم من خبير اقتصادي، أطل في الآونة الأخيرة مشدداً على أن نمط الحياة الذي اعتاد عليه اللبناني بات من الماضي، نظراً للأوضاع المتردية التي لا تسمح له بالاستمرار بالبذخ والإنفاق بمعدلات عالية؟

فالتقشف بات ضرورياً، ولا بد من التخلي عن الكماليات وعن كل ما لا يشكل حاجة أساسية مع تراجع القدرة الشرائية والأزمة المالية التي ألقت بعبئها على الكل من دون استثناء وتزايد معدلات البطالة والفقر، كما يؤكد الخبراء أن "الآتي أعظم" ما يدعو إلى التأقلم مع الوضع.

قد تكون النظريات سهلة. لكن ماذا عن التطبيق على أرض الواقع. فالتغيير قد لا يكون سهلاً على اللبناني الذي اعتاد حياة الترف والذي ينفق بشكل يفوق قدراته المادية ومدخوله. فمدخول اللبناني ليس معياراً في كثير من الاحيان، خصوصاً إذا كان ينتمي إلى الطبقة المتوسطة كما يؤكد الاستشاري والباحث في التنمية المستدامة كميل حاماتي.

ويشير إلى أحد الأمثلة الشعبية التي قد تنطبق على اللبناني "اللبناني يستدين حتى يتزيّن"، في تلميح إلى مدى تعلّق اللبناني بالمظاهر ورغبته في الاستمتاع بالحياة، وإن اضطر إلى الاستدانة. فإلى أي مدى سيكون سهلاً عليه بعامة ليتماشى مع هذا الوضع؟

يوضح حاماتي أن مسحاً أجري عام 2014 يظهر أن الأولوية لنسبة 65 في المئة من اللبنانيين هي للإنفاق على خدمات الترف كالسفر والسهر. كما تبين أن نسبة من اللبنانيين تنفق على الأجهزة الإلكترونية، فيما ينفق بشكل أساسي بعضهم على التسوق، فيخصص للترف أكثر من نسبة 30 في المئة من المدخول الشهري.

من يطلب منه التغيير؟

لا تعني الأزمة اليوم فئة من دون أخرى، خصوصاً مع سياسة المصارف التي طالت الطبقة الغنية بالدرجة نفسها وأثرت فيها أكثر مع حجزها على الأموال. لذلك يطلب اليوم من الكل التغيير في نمط الحياة فلا استثناءات.

لكن يبدو واضحاً أن ثمة من يتأثر بالأزمة أكثر من غيره. وقد تكون الطبقة الفقيرة الأكثر تأثراً هنا، وأيضاً الطبقة المتوسطة التي أصبحت تميل أكثر باتجاه الفقر.

وتقلصت الطبقة الوسطى في السنوات الأخيرة حول العالم في أكثر من 70 دولة، وهذا ينطبق على لبنان بسبب نمط الحياة المتبع الذي لا يتناسب مع القدرة الشرائية الفعلية ومع المدخول. وأبرز مثال على ذلك، كمية هدر الطعام في الدعوات التي تقام، وتجدر الإشارة هنا إلى أن 30 في المئة من الشعب اللبناني تعيش تحت خط الفقر بمعدل أقل من 3.15 دولار يومياً. وهؤلاء سيكونون أكثر تأثراً بالأزمة.

في المقابل يعتمد لبنان بشكل أساسي على قطاع الخدمات الذي يعاني بكثرة في الفترة الأخيرة ما هدد مؤسسات كثيرة من أصحاب مؤسسات وموظفين خسروا مصدر رزقهم فزادت معدلات البطالة.

قد يكون التغيير صعباً على اللبناني لكنه ليس مستحيلاً. يشير حاماتي إلى أن المسألة قد ترتبط أكثر بالذهنية التي يجب أن تواكب هذا التغيير. وثمة خطوات عدة يمكن التغيير فيها في اتخاذ قرارات حكيمة في الإنفاق أبرزها: التبضع من السوبرماركت الذي يمكن التركيز فيه على المنتجات الأقل كلفة، السهر وتناول الطعام خارجاً بمعدل أقل، الحد من الاعتماد على الخدمات الخارجية، التعاون والتواصل بين مختلف الفئات الاجتماعية والانفتاح على بعضها بعضاً من أجل الحفاظ على حسن سير العجلة الاجتماعية.

خطة اقتصادية

قد تكون هذه التفاصيل كلّها غير كافية وإن كانت تحدث فارقاً. فبحسب حاماتي الحاجة طارئة إلى خطة اقتصادية لإنقاذ البلاد، إضافة إلى حاجة الشعب إلى توعية اجتماعية مجتمعية ومدنية لإدراك الخطر، فالحد من الاستهلاك يؤثر لا في المدى القريب فحسب، بل في المدى البعيد ولأجيال مقبلة.

فالاستهلاك بهذه المعدلات غير المنطقية خلق طمعاً زائداً لدى الطبقة الغنية لزيادة الطلب، كما يؤثر في الموارد المتوافرة، فاستخدام أكثر من حاجاتنا مسألة غير مقبولة ولها أثر سلبي بعيد المدى في المستوى العالمي ولا بد من إدراك ذلك.

ويرى حاماتي أن هذه الأزمة الاقتصادية "قد تكون بمثابة صفعة للشعب اللبناني ليعي حجم الكارثة على مستوى عالمي ويدرك الحاجة إلى التغيير في حياته وفي معدل الإنفاق والاستهلاك".

مواطنون اختاروا التغيير

لم يعد من السهل على المواطن تجاهل الواقع والأزمة أياً كان وضعه المادي. إلا أن أعباء الأزمة ليست متوازية لدى مختلف الفئات الاجتماعية كما يبدو واضحاً. فتختلف بحسب مدخول الفرد ووضعه الاجتماعي والمادي. وبالتالي يختلف التغيير في معدلاته بين طبقة وأخرى.

فالتغيير الذي أحدثه السيد ميشال حاوي في نمط حياته يرتبط بوضعه الاجتماعي. فهو يحمد الله لأنه لم يتضرر بشكل مباشر إلى اليوم جراء الأزمة كما حصل مع آخرين خسروا عملهم أو أصبحوا يتقاضون نصف أجر.

لكن في المقابل لا ينكر أن للأزمة أعباء لا يمكن تجاهلها وكان لا بد من التفكير بالمستقبل لتفادي تدهور الوضع أكثر.  

ويقول "ثمة تفاصيل لم نفكر بها يوماً. كنا نتبضع من دون تفكير بأسعار المنتجات. أما الآن فندقق أكثر بأسعار المنتجات كالناس جميعاً، لاختيار الأنسب لنا مع الارتفاع الكبير في الأسعار".

وكعائلات لبنانية كثيرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، اعتادت عائلة حاوي السفر مرة في السنة للاستجمام لكنه يؤكد اليوم أن هذه الرفاهية قد لا تعود ممكنة نظراً للأوضاع المتردية. واعتادت العائلة التوجه شهرياً إلى أحد المنتجعات السياحية في لبنان، لكن هذا لن يعود ممكناً بحسب قوله لاعتبار هذه النشاطات من الكماليات.

أزمة المصارف

وتؤكد السيدة إليسار بعلبكي أن أزمة المصارف والسياسات المعتمدة كان لها الأثر المباشر في حياة العائلة لعدم إمكان التخطيط للمستقبل. إضافةً إلى تراجع مدخول العائلة والخوف من إمكان خسارة الوظيفة نظراً للوضع العام الذي يخيّم عليه غموض وعلامات استفهام عدة.

وتشرح "مع تراجع مدخولنا الشهري كان لا بد من التغيير في نمط حياتنا، فأصبحنا نخرج من المنزل بمعدل أقل. كما أن طريقة التبضع في السوبرماركت تغيّرت فعلى الرغم من أن اللائحة بقيت ذاتها بت أقارن بين الماركات المختلفة للمنتجات لأختار الأوفر، مع التفكير بالتخلي عن الخادمة لصعوبة التحويلات المالية وارتفاع سعر صرف الدولار".

من جهة أخرى لا تنكر بعلبكي أن الخوف لا يقتصر على هذا التغيير في نمط الحياة الذي يطاول الكماليات، بل إن الخوف الأكبر يتعلق بعدم إمكان تأمين الأساسيات في الحياة في المستقبل وهذا ما يشكل هاجساً.

يبدو واضحاً أن الأزمة تؤثر في اللبنانيين بدرجات مختلفة بحسب الفئات ويطلب من الكل التأقلم مع الوقت. ويتم التغيير في نمط الحياة لجهة التخلي عن الكماليات. لكن إذا عملت الطبقة المتوسطة على التغيير في حياتها، كيف يمكن الفقير أن يتأقلم مع هذا الوضع المتأزم ؟

المزيد من تحقيقات ومطولات