Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السيل التركي" سيعمق النفوذ الروسي في الفناء الخلفي لأوروبا

المشروع نموذج لانقلاب موسكو جيوسياسيا وتنامي نفوذ أنقرة من بوابة الغاز

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتابع بثا مباشرا لحفل تحميل ناقلة الغاز الطبيعي المسال كورال أنثيليا في ميناء فيسوتسك (أ.ف.ب.)

على الرغم من وقوع مشروع "السيل التركي" الاستراتيجي لنقل الغاز الروسي مرارا ضحية الاختلافات السياسية والحروب التجارية، فإنه اليوم أصبح واقعياً يُشكل نموذجاً للانقلاب الجيوسياسي لروسيا، ومؤشراً على تنامي النفوذ التركي من بوابة الغاز، فالمشروع يلبي الطموح التركي في التحول إلى مركز رئيس للغاز في المنطقة. ومن المرجح أن تستخدم روسيا المشروع لتعميق نفوذها في الفناء الخلفي لأوروبا.

المشروع الذي رصد له 11 مليار يورو، ويقال إن تكلفته تجاوزت هذا الرقم بكثير، دُشن رسميا الأربعاء الماضي، ويتألف من خطين تحت المياه بطاقة إنتاجية تقدر سنوياً بنحو مليار متر مكعب لكل منهما. خُصص أحد الخطين لنقل الغاز لتلبية احتياجات تركيا، أحد أكبر مستهلكي الغاز الروسي، والثاني يمتد إلى أوروبا عبر تركيا. وسيتيح المشروع نقل الغاز الروسي تحت البحر الأسود إلى تركيا وسيزود العديد من الدول في جنوب شرق أوروبا بالغاز بمجرد تشغيله بالكامل.

وعلى الرغم من الجهود الأوروبية لتنويع مصادر الطاقة، لا تزال تركيا والعدد الأكبر من الدول الأوروبية تعتمد اعتمادا كبيرا على الغاز الروسي. ففي عام 2018، بلغت شحنات الغاز من روسيا إلى أوروبا وتركيا أعلى مستوى لها على الإطلاق لتصل إلى 201.8 مليار متر مكعب، وقد يصبح هذا الاعتماد أكبر مع هذا الخط الجديد، وهو أمر بالتأكيد يثلج صدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ديفيد بيرنز، رئيس مجلس إدارة مجلس الأعمال الإنجليزي في الإمارات، انتقد في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إخفاق أوروبا في تأمين الطاقة، وقال إن "جهودها المبذولة في هذا المجال غير كافية، فقد سلكت المسار السهل وارتأت أنه لا حاجة لتطوير مصادرها الداخلية من الغاز، في ظل المخزون الوفير القادم من روسيا، وأعتقد أن هذا خطأ كبير، على أوروبا أن تكون مستقلة في توفير مصادر الطاقة، وعليها تطوير خيارات أخرى، بما فيها الخضراء، عوضا عن الاعتماد بالكامل على موسكو كمصدر لتأمين النفط والغاز" .

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى بيرنز أن روسيا تستعين بتركيا للنفاذ للساحل الشرقي، وتبحث عن خطوط بديلة لتزويد أوروبا بالغاز بعيدا عن أوكرانيا لأسباب سياسية. ويضيف "(مشروع السيل التركي)، سيعطي نفوذا أكبر لروسيا لفتح وإغلاق حنفية الغاز عبر الأراضي الأوكرانية كلما أرادت ذلك ولأسباب سياسية. ولكن بشكل عام الغاز الروسي سيصل دول جنوب شرق أوروبا".

ويرى رئيس مجلس إدارة مجلس الأعمال الإنجليزي في الإمارات أن "إحدى أكبر المشكلات التي تواجهها روسيا حاليا تكمن في تأمين التكنولوجيا والموارد لاستخراج النفط والغاز من باطن الأرض بسبب طبقات الجليد وقسوة المناخ"، مشيرا إلى أن "روسيا تعمل اليوم على تطوير موارد جديدة ستقودها للتفوق لتصبح المزوّد الأول للنفط والغاز في العالم، وإذا ما تحقق ذلك فهي أخبار سيئة لنا في أوروبا لأن ذلك يعني أننا سنعتمد بالكامل على روسيا كمصدر أساسي لتأمين احتياجاتنا من الطاقة، وهو أمر غير جيد، فقد أثبتت موسكو في الماضي أنه لا يمكن الاعتماد عليها".

المشروع سيساعد عملاق النفط الروسي "غاز بروم" على زيادة حصتها في السوق التركية، والتي تعد حاليا من بين أكبر ثلاثة مشترين للغاز. وسيتخطى أوكرانيا، التي دخلت مع روسيا في صراع حاد منذ عام 2014، وتفاقم هذا الصراع بعد أن ضمت روسيا جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها.

البعض قال إن "السيل التركي" جاء لمعاقبة أوكرانيا، ولكن بعد توقيع موسكو عقد عبور الغاز لمدة خمس سنوات مع "كييف" الشهر الماضي، لا يمكن اعتبار هذا المشروع "عقابا"، ولكنه ربما يمثل فرصة نظرا لتزايد مكانة الغاز المستورد في أوروبا.

وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، قال في حفل التدشين إن  "المشروع سيزيد بشكل كبير من الاستقرار العالمي للطاقة، كما أظهرت روسيا أنها مورّد موثوق به، بموارد غاز هائلة".

تزود شركة "غاز بروم"، التي تملك غالبية الغاز في روسيا، نحو 40% من إجمالي واردات الغاز الأوروبية من خلال ثلاثة خطوط أنابيب رئيسة: نورد ستريم 1، وخط أنابيب آخر يمر عبر أوكرانيا، وخط ثالث عبر روسيا البيضاء.

ألمانيا أكبر العملاء الأوروبيين

تستهلك ألمانيا نحو ثلث إجمالي الغاز الأوروبي المستورد من روسيا عبر "نورد ستريم". وتعيش برلين اليوم مرحلة انتقالية في مجال الطاقة، بعيدا عن الطاقة النووية والفحم، وقد اختارت الغاز الروسي كبديل جيد لوضع هذا التحول في طريقه.

وتعتمد أوروبا إلى حد كبير على استيراد الغاز من بلدان أخرى، مثل النرويج أو روسيا أو قطر أو الجزائر أو الولايات المتحدة، ويأتي ثلثا استهلاكها من الغاز من الخارج، ومن المتوقع أن يزداد استهلاك الغاز في أوروبا العام الحالي في ظل الاتجاه الأكثر أهمية والمتمثل في انخفاض إنتاج الغاز داخل أوروبا، والذي يشكل ثلث الاستهلاك الأوروبي.

سيرجي كابيتونوف، محلل الغاز الطبيعي في مركز "SKOLKOVO" للطاقة، قال لـ"يورو نيوز" إنه "سيكون من الانتحار بالنسبة إلى روسيا أن توقف إمدادات الغاز إلى أوروبا، كونها تعتمد بالتساوي على عائدات الغاز المباع إلى أوروبا". ويشير كابيتونوف إلى أن مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا تمثل نحو "15% من إجمالي عائدات الصادرات الروسية. "
علاوة على ذلك، تغيّرت أسواق الغاز في أوروبا في العقد الماضي. اليوم تم تجهيز أوروبا لاستبدال الغاز الروسي بالكامل بالغاز الطبيعي المسال (LNG) من الأسواق العالمية، على حد قول "كابيتونوف".

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز