Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر تدخل سكان العشوائيات في قلب الحياة... المنقولون لـ"حي الأسمرات" يحققون حلم المسكن الآمن بعد سنوات الشقاء

مدير صندوق تطوير العشوائيات: نترقب إعلان مصر خالية من العشوائيات نهاية 2019

المباني الجديدة في حي الأسمرات. (رويترز)

غاية المنى وكل الأمل كان شقة سكنية صغيرة، ذات سقف لا تهدمه زخات الأمطار، وأساس لا تفتك به تحركات القشرة الأرضية غير المدروسة، وفي منطقة ذات خدمات تتيح للصغار مدرسة وللمرضى مستشفى وللجميع معيشة آمنة قدر الإمكان.

مصر تنتصر على العشوائيات

لم يكن في الإمكان حتى زمن قصير مضى أن يحلم سكان المناطق العشوائية في مصر، بأن يجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في مكان يحترم آدميتهم.

ووصف "الآدمية" هذا، استخدمه سكان المناطق العشوائية في عدد من المدن المصرية إلى أماكن سكنهم الجديدة، وهو وصف دال وجامع. فبين رضوى (30 عامًا) التي بكت وهي تقسم إنها أخيرًا تشعر إنها "بني آدم"، وصغيرها يحيي الذي قال ببراءة شديدة ما إن رأى شقته الجديدة "تشبه شقق المسلسلات"، وأبو رضوى (60 عامًا) الذي بذل جهدًا فائقًا ليتذكر آخر مرة أمضى فيها ليلته تحت سقف قابل للانهيار في لحظة، لم تخرج مفردات سكان العشوائيات سابقًا، ملاك حي الأسمرات حاليًا، عن معاني الأمان والنجاة والعيش في قلب الحياة بديلاً عن هامشها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظاهرة العشوائيات

يشير الواقع إلى أن آفة مصر الحديثة وإحدى عللها العتيدة ليست وليدة الأمس، ويعتقد البعض أن ظاهرة العشوائيات بدأت في سبعينيات القرن الماضي، لكنها في حقيقة الأمر وتبعاً لدراسات مستفيضة أنجزتها "هابيتات" (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية) في عام 2011 ظاهرة قديمة حدثت على مدار التاريخ. مجموعات بشرية محدودة قادمة من قرى ومدن، تتناثر هنا وهناك بحكم الاحتياجات المعيشية، تقيم في أكواخاً عشوائية، تتمدد الأكواخ، وتتسع العشوائيات، فتارة تجور على التجمع السكاني القانوني المتاخم لها، وأخرى تقترب منه إلى درجة الالتصاق. تهدد قواعده المعيشية حينًا وتفرض عليه قواعدها أحيانًا.

وتبدو عبارة "وضع اليد" هي كلمة السر. وتعني حرفيًا قيام شخص أو أشخاص بوضع أياديهم على قطعة أرض لا يمتلكونها، يقيمون فيها، ويبنون عليها، ويعتبرونها ملكًا لهم بمرور السنوات.

عزبة الصعايدة

يمكن القول أن منطقة "عزبة الصعايدة" في حي إمبابة المصري الشعبي العريق كانت نقطة الانطلاق الأولى لمنظومة "وضع اليد" غير القانونية، وذلك في عام 1924. واسم المنطقة ليس فقط على مسمى، إذ إن سكانها الأوائل نزحوا من صعيد مصر، وتحديدًا قنا، بحثًا عن حياة أفضل في العاصمة، لكنه كان نقطة انطلاق لكثير من سكان "العزب" القادمين من الريف في قلب الأحياء السكنية الراقية والمتوسطة.

وتشير دراسة نشرت في دورية "أحوال مصرية" في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في عام 2011 إلى أن قصة طريفة لهذه العزبة. "فقد بدأت هذه المنطقة من خلال هجرة شخص يدعى عبدالمنعم عسران من سكان قنا، فشيد وعدد من أهله مجموعة من العشش في منطقة الزمالك. وقررت السلطات الرسمية حينذاك نقله ومن معه إلى منطقة إمبابة وتعويضه بقطعة أرض كبيرة هناك. وبعد انتقاله وعشيرته إلى إمبابة أرسل في استدعاء الكثير من أقاربه، ومعارفه الباحثين عن عمل في القاهرة ليؤجر لهم العشش التى أنشأها. ثم بدأ في تشغيل الوافدين لحسابه، فزادت أعداد الذين غادروا القرى، ونما عدد السكان بصورة مضطردة حيث بلغ عدد السكان عام 1947 من 1731 نسمة حتى وصل تعداد هذه المنطقة إلى 77 ألف نسمة في عام 1996".

تسعينيات القرن الماضي هي العصر الذهبي للعشوائيات في مصر. فقد تُركت حتى تمددت واستفحلت وتوغلت وأطبقت على أنفاس القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن الكبرى. لكن التمدد والتوغل لم يقتصرا على الجوانب الجغرافية فقط، أو النواحي المعيشية دونًا عن غيرها، بل اصاب منظومة الحياة الاجتماعية.

مخاطر العشوائيات

سلطان العشوائيات تجلى في توليفة معتبرة من اللامعقول: بناء غير مرخص تطور من أكواخ من الصفيح إلى عمارات تناطح السحاب، بنية تحتية غير مطابقة لأية مواصفات، زوايا ومساجد بعيدة عن أعين الدولة، والنتيجة خروج أجيال متعاقبة من الصغار مصابين بلوثة التطرف، وبعضهم قنابل موقوتة، تتأرجح بين عوالم الجريمة بكافة أشكالها تستنزف طاقة الدولة للقضاء عليها.

تيار الإسلام السياسي استغل الظاهرة، واستقطب سكان العشوائيات، لكن جهود الدولة متواصلة لنقل سكان العشوائيات من صخور الجبال المتهاوية، وأسقف البيوت المتساقطة، وبيئات الحياة المتدهورة إلى أماكن أكثر أمنًا وأمانًا وإنسانية، رغم المحاولات التي تحاول النيل من جهود الدولة بشائعات من قبيل الإخلاء القسري، والشعارات التي لا تسمن ولا تغنى من جوع.

مؤسسات حقوقية مشبوهة

وكم من تقرير ودراسة وبيان صدر تحت عناوين "لا للإخلاء القسري لسكان العشوائيات" "لا للتهجير القسري للسكان من المناطق التي اعتادوا عليها" وغيرهما. منظمة العفو الدولية أصدرت تقريرًا شديد اللهجة حاد التوجه في عام 2011 تحت عنوان "لسنا مهملات: عمليات الإخلاء القسري في المناطق العشوائية في مصر". وكانت الحكومة المصرية في أواخر عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك قد اتخذت خطوات عدة لنقل عدد من سكان "الدويقة" العشوائية، وذلك بعد حادث مؤسف نجم عن انهيار صخري أودى بحياة نحو 119 مواطنًا من سكان المنطقة، تقرير منظمة العفو الدولي وصف جهود الحكومة المصرية آنذاك بـ"عمليات الإخلاء القسري التي تركت العديد من العائلات بلا مأوى.

البقايا العنكبوتية لـ"حزب الحرية والعدالة"، الذراع الحزبية لتنظيم الإخوان المسلمين المحظور قانونًا، والمدرج على قائمة الإرهاب، مازالت تدق على أوتار "التهجير القسري" لسكان العشوائيات، بينما الواقع يشير إلى أفراح مقامة، وزغاريد مازالت تدوي في آفاق "الأسمرات" و"مساكن عثمان" و"المحروسة" و"غيط العنب" وغيرها من الأماكن التي ترقت من مشروعات إلى أماكن سكنية تنضح بالحياة.

فالحياة التي يصفها المغرضون بـ"التهجير القسري" وتصنفها مؤسسات حقوقية مشبوهة باعتبارها "إجلاءً قسريا"، يقول عنها أهلها بعدما وفرت لهم حياة آمنة مستقرة، إنها "من أفضل ما جرى في مصر على مدار مئة عام".

 السيد حسين سليمان (48 عامًا) عامل لحام وأحد المصريين المستفيدين من الانتقال من "مربع ماسبيرو" إلى شقة سكنية في حي الأسمرات يقول: "كنت في البداية متخوفًا من عملية النقل. الثقة بيننا وبين الحكومة كانت معدومة على مدى سنوات طويلة زمن ما قبل ثورة يناير. لكن الحقيقة إن حياتي تغيرت تمامًا بعد الانتقال مع أسرتي إلى شقة مجهزة بالاثاث. شعرنا أننا على قيد الحياة وليس فقط نأكل ونشرب وننام. صحيح أنني أواجه بعض المشكلات في مجال العمل الذي لم يصبح أسفل البيت الذي كنت أسكن فيه، لكن ليس في إمكان الإنسان أن يحظى بكل شيء في الحياة".

مصر خالية من العشوائيات

حياة العشوائيات لها شق آخر، ألا وهو التخطيط والمتابعة. مدير صندوق تطوير العشوائيات المهندس خالد صديق يقول أنه بحسب الخطة الموضوعة، فإنه يتوقع الانتهاء من نقل جميع السكان من المناطق العشوائية غير الآمنة مع نهاية العام الحالي. وأضاف أنه من المقرر أن تُعلن مصر خالية من العشوائيات غير الآمنة مع نهاية العام الحالي. 

المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء والمتحدث باسم وزارة الإسكان السيد هاني يونس يقول: تكلفة نقل سكان العشوائيات تبلغ نحو 20 مليار جنيه مصري، لا سيما أن جانبًا كبيرًا من العمارات السكنية الجديدة مجهزة بالكامل من الداخل بما في ذلك الأجهزة الكهربائية. ويصف ملف العشوائيات بأنه "تحد كبير داخليًا وخارجيًا". فمن جهة عانى سكان العشوائيات من مستوى معيشي وظروف حياتية صعبة للغاية، وآن أوان تمكينهم معيشيًا. ومن جهة أخرى، فإن جهات مغرضة عدة دأبت على الدق على ملف العشوائيات لأغراض سياسية مفضوحة.

يشار إلى أن العشوائيات غير الآمنة هي تلك التي تعرض سكانها لخطر داهم مستمر، مثل المبنية أسفل أسلاك ضغط عالي، أو تحت صخور قابلة للانهيار، أو في مخر سيل، وغيرها.

وأوضح يونس أن الدولة تركز على العشوائيات الخطرة وغير الآمنة لأن العشوائيات الأخرى لا تشكل خطورة على سكانها. "مشكلات العشوائيات الأخرى تكمن في شكلها الذي يحتاج تجميلاً، وكذلك في مستوى وعدد الخدمات المقدمة والنظافة وغيرها. وجميعها يجري التعامل معه تباعًا".

إن غلق العشوائيات على سكانها، كما كان يحدث في عهود سياسية ماضية حتى لا تشوه المشهد العام، لم يعد في الإمكان. فالتظاهر بأنها ليست موجودة لم يعد ممكنًا. والسكوت على تمددها مع استمرار تدفق القادمين من الريف إلى المدن بحثًا عن حياة أفضل لم يعد منطقيًا. وتسييس ملف العشوائيات بات مفضوحًا، وتحميله شحنات حقوقية لا تخرج عن إطار "التهجير القسري" لم يعد الغالبية تصدقه، لسبب واحد، ألا وهو شهادة المنقولين من العشوائيات إلى الأحياء السكنية.

المزيد من تحقيقات ومطولات