Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعود "جيش المهدي" العراقي إلى الحضن الإيراني؟

زعيمه مقتدى الصدر مارس حال تأرجح في العلاقة مع طهران

شكل "جيش المهدي" في 2003 بأمر من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (غيتي)

يعود "جيش المهدي" إلى الواجهة مرة أخرى، بعد إعطاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمراً له بـ"الاستعداد والجاهزية لحماية العراق"، كأول رد فعل على القصف الأميركي الذي أدى إلى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

ويرتبط اسم "جيش المهدي" بذاكرة عراقية تعود إلى الأيام الأولى لغزو العراق من قبل القوات الأميركية، وبداية تشكيل "المقاومة" مروراً بالحرب الطائفية، والتي يتهم فيها بالقيام بعمليات تهجير وتصفية طائفية.

وكان لشعار "كلا كلا أمريكا... كلا كلا إسرائيل" الذي أطلقه المرجع الديني الراحل محمد صادق الصدر والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأثر الأكبر في تشكيل متبنيات التيار الصدري العقائدية، ووفق هذا الشعار، استمر مقتدى الصدر في تمثيل التيار الصدري وتشكيل مقاومته للقوات الأميركية.

تشكيل جيش المهدي

تم تشكيل "جيش المهدي" في يوليو (تموز) 2003، بأمر من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لمواجهة القوات الأميركية وبقية القوات المتحالفة معها بعد الغزو الأميركي للبلاد، وكان تنظيمه في البداية لا يعتمد الحراك المسلح، إلا أنه اتخذ من قتل القوات الأميركية لمتظاهرين من أنصار التيار الصدري احتجوا على إغلاق صحيفة "الحوزة الناطقة"، التي تتبنى أفكار مقاومة الاحتلال الأميركي ومحاولات لاعتقال الصدر، ذريعة لبدء المواجهة المسلحة مع القوات الأميركية.

لكن تحولات عدة طرأت على جيش المهدي، فمن مقاومة الاحتلال إلى اتهامات بالوقوف وراء عمليات قتل جماعي واختطاف وتهجير، بخاصة ضد أفراد من الطائفة السنية، بعد حادثة تفجير الإمامين العسكريين عام 2006، لكن مقتدى الصدر سرعان ما تبرأ من العناصر المتورطة في تلك العمليات.

وكان جيش المهدي يحظى في البداية، كسائر التيارات التي تتبنى خيار المقاومة ضد القوات الأميركية في العراق، بترحيب إيراني.

مرحلة "التجميد"

في نهاية أغسطس (آب) 2007، أعلن مقتدى الصدر تجميد جيش المهدي مرتين، قبل أن يعود لينشط عام 2008، قبيل عمليات عسكرية أطلقت ضده في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تحت اسم "صولة الفرسان"، لكنه عاد لتجميده بشكل تام عام 2009 والإعلان عن طرد كل العناصر المتورطة في عمليات التطهير الطائفي، ليبدأ التيار الصدري حراكه السياسي.

انشقاقات وخصومة مع التيارات الإيرانية

لم تمض فترة طويلة حتى بدأت الانشقاقات في التيار الصدري، كان أبرزها انشقاق حركة عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي عام 2011، والذي كان يقود فرقاً مسلحة رئيسة داخل "جيش المهدي"، ويتهم التيار الصدري نوري المالكي بتحفيز تلك الانشقاقات، والتي يرى مراقبون أنها جرت بدفع إيراني.

بدأ التيار الصدري باتخاذ مواقف سياسية تبتعد عن الإرادة الإيرانية في العراق، منذ ولاية نوري المالكي الثانية وتحديداً بعد عام 2011، حيث كان الصدر داعماً لموقف القوى التي حاولت سحب الثقة عنه في يونيو (حزيران) 2012، واصفاً المشروع بأنه "مشروع وطني إلهي"، لكنه في الوقت ذاته، صوت للولاية الثانية لنوري المالكي بضغط إيراني.

وفي عام 2014، استخدم الصدر مصطلح "الميليشيات الوقحة" لتوصيف الفصائل المسلحة التي تطلق على نفسها "فصائل المقاومة الإسلامية"، رداً على انتهاكاتها ضد المدنيين، داعياً القوى الرسمية للدولة بحصر السلاح بيدها، في إشارة إلى إبعاد السلاح عن الفصائل المرتبطة بإيران.

وعمد الصدر عند تشكيله لـ"سرايا السلام" في فترة الحرب على تنظيم "داعش" بإسنادها مهام حماية الأضرحة الدينية، والابتعاد عن بقية الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي.

لكن الصدر الذي بدا أنه يتحرك في إطار خارج سياق النفوذ الإيراني، ظل متمسكاً بعدائه لأميركا، وخيارات "المقاومة الإسلامية"، وداعياً لخروج القوات الأميركية من البلاد، فيما يرى مراقبون أن الصدر لا يبتعد كثيراً عن خيارات إيران في المنطقة إلا في ما يتعلق ببعض التفاصيل الصغيرة في الداخل العراقي.

تحالف مرة أخرى

وتستمر المتغيرات السياسية بالتأثير في الموقف السياسي للتيار الصدري، ما أدى إلى تحولات عدة في خياراته ومواقفه في فترات قصيرة، حيث شكل التيار الصدري تحالف "الإصلاح" الذي يضم أغلب القوى المناهضة للنفوذ الإيراني في البلاد مع نهاية الانتخابات البرلمانية الماضية عام 2018، مقابل تحالف "البناء" الذي يضم معظم التيارات السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة موالية لإيران، لكن هذا التحالف لم يصمد كثيراً، حتى عقد الصدر توافقاً للتسوية مع هادي العامري المدعوم من قبل إيران، من خلال تحالف كتلتي "سائرون" و"الفتح" لتشكيل حكومة عبد المهدي.

لكن انطلاق الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دفعت الصدر مرة أخرى للخروج من هذا التحالف والتخلي عن عبد المهدي وإعلان انضمامه للاحتجاجات الشعبية.

ركوب الموجة

مراقبون يرون أن موقف الصدر الداعي لـ"مقاومة دولية" لا يعدو كونه إلا توافق في وجهات النظر بما يتعلق بالوجود الأميركي في العراق والمنطقة، فيما يشير آخرون إلى أن التيار الصدري، يعد أحد التيارات الرئيسية القريبة من إيران لكنه الأكثر تمرداً عليها، مبيناً أنه في المواقف الضرورية لا يخرج الصدر عن الإرادة الإيرانية.

إلى ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية خالد عبد الإله، إن "كلام مقتدى الصدر يركز على هيبة الدولة وقرارها السيادي، وأن يكون الرد على المستوى التشريعي والقانوني العراقي".

ويوضح لـ"اندبندنت عربية" أنه "قد يكون هناك تقارب في وجهات النظر بين الصدر وإيران، لكنه لطالما تحدث عن الموقف الوطني وتغليب المصلحة العراقية".

ويشير إلى أنه "لا متغيرات في موقف الصدر، حيث أن موقفه ثابت بما يتعلق بخروج القوات الأميركية ورفع سلاح المقاومة، وعدم قبوله بقواعد عسكرية أجنبية"، مبيناً أن "هذا التوافق مع الموقف الإيراني لا يغير من مطالبة الصدر بمواقف وطنية سيادية للعراق بعيداً عن تأثير دول الجوار الإقليمي".

الصدر داخل خيارات إيران

ويقول صحافي رفض الكشف عن اسمه إن "مقتدى الصدر لا يرغب بمغادرة منطقة الضوء الإعلامي والسياسي والديني، وتصريحاته الأخيرة تندرج ضمن هذا الإطار، على الرغم من تبنيه لمشروع المقاومة الذي يعد امتداداً لمشروع والده، والذي تمكن من خلاله شد الجماهير وبناء تيار واسع".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "الصدر لا يتحرك ضمن فلسفة عقائدية سياسية ثابتة، لكنه يتحرك ضمن مزاج ركوب الموجة والتماهي مع حركة الشارع العراقي، وهذا الذي يجعله يتنقل من المقاومة إلى السياسة ثم الإصلاح وتبني خيارات المحتجين ثم المقاومة مرة أخرى".

ويبين أن "المنطقة العقائدية التي يتحرك فيها مقتدى الصدر لا تنتمي إلى المرشد الإيراني الأعلى علي الخامنئي أو مدرسة الخميني، وينتمي إلى مدرسة والده محمد الصدر التي تؤمن بولاية الفقيه ضمن جغرافيا الوطن وليس خارج حدوده".

ويلفت إلى أنه "سياسياً يتحرك الصدر ضمن الإطار الإيراني، لكنه يختلف عن بقية قيادات الفصائل بكونه قادراً على التمرد عليها"، مردفاً "لكنه في المواقف الحاسمة والأزمات الطائفية يعود للتمترس بإيران".

خيار أيديولوجي

على الرغم من التصدعات الكبيرة في العلاقة بين الصدر وقيادات الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إلا أن شخصيات قيادية بارزة في تلك الفصائل تفاعلت إيجاباً مع دعوة الصدر، حيث رحب كل من أبو ألاء الولائي قائد "كتائب سيد الشهداء" وشبل الزيدي قائد "فرقة الإمام علي" وأكرم الكعبي الأمين العام لحركة "النجباء"، والذين يمثلون فصائل تؤمن بـ"ولاية الفقيه" بالخطوة، شاكرين الصدر على مبادرته، فيما أبدى بعضهم استعداده للانضمام لـ"أفواج المقاومة الدولية"، في إشارة واضحة إلى أن موقف تلك الفصائل صعب في المرحلة الحالية.

وفيما يرى مراقبون أن فكرة المقاومة أساس متبنيات التيار الصدري التي لن يخرج عنها، بينوا أن حديث الصدر عن تشكيل "أفواج المقاومة الدولية" محاولة احتواء لأزمة قد تفجرها الفصائل المسلحة في العراق.

ويرى الصحافي علي الجاف أن "مقتدى الصدر يعتقد أن من واجبه الديني الترويج لمفهوم المقاومة، الذي يعتبره أولوية أكبر من قضية النفوذ الإيراني".

ويتابع أن "الصدر لا يستطيع الخروج من خط المقاومة، لكنه يحاول أيضاً احتواء اللحظة العاطفية للفصائل العقائدية حتى لا تفجر أزمة أكبر في البلاد".

ويلفت إلى أن "المزاج العام يتجه نحو المقاومة لذلك أصبحت الانتفاضة العراقية في الدرجة الثانية من أولوياته".

كسب سياسي

إلى ذلك، قال الكاتب والصحافي حيدر البدري إن "الحديث عن خروج الصدر عن المحور الإيراني غير منطقي، حيث أنه في الداخل العراقي يلعب على وتر الضد النوعي لمنافسيه السياسيين من قادة الفصائل المسلحة لكنه لم يخرج من المحور الإيراني".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "خصومة الصدر مع قادة الفصائل المسلحة لا تتعدى حدود المنافسة السياسية في العراق، لكنه يشترك معهم في الخطوط العامة"، مبيناً أن "تصريحاته السابقة في هذا السياق كانت غايتها الكسب السياسي محلياً لكنه في المواقف الرئيسية يندرج ضمن المحور الإيراني ذاته".

توضيح سريع

في غضون ذلك، ووسط الترحيب الكبير الذي قوبلت به دعوة الصدر من قبل الفصائل المسلحة، أوضحت صفحة صالح محمد العراقي المقربة من زعيم التيار الصدري على "فيسبوك"، دعوة الصدر إلى تشكيل "أفواج المقاومة الدولية". وبينت أن "هذه الدعوة يجب أن لا تكون طائفية، كما لا يحق للفصائل العراقية العمل خارج العراق، كما لا يحق للفصائل غير العراقية العمل داخل العراق".

ووجهت الصفحة شكرها لبعض الفصائل على استجابتها لهذه الدعوة، مبينة أن الصدر لن يقصد كونه قائداً عليها.

وتابعت أن "سرايا السلام" التي أسسها الصدر غير مشمولة باجتماع الفصائل العراقية وغيرها.

فيما شددت على "التزام مؤيدي الصدر بالامتناع عن اتخاذ أي خطوات عسكرية في الوقت الحالي ضد القوات الأميركية في البلاد وبتوخي الصبر والاستعداد إلى حين نفاد كل الطرق السياسية والبرلمانية، وضرورة تجنيب المدنيين الخطر وإلا فهو عمل ممنوع بل محرم".

وأوضحت الصفحة أن "دعوة الصدر إلى مقاطعة المنتوجات الأميركية لا تشمل ما يمكن استعماله لصالح العراق من الأمور التكنولوجية الضرورية من غير المنتوجات الزراعية والصناعية".

ووصفت الهجوم الأميركي الذي أسفر عن مقتل الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بأنه "اعتداء على سيادة العراق وعملاً إرهابياً"، واصفة من يروج له أو يؤيده أو يسكت عنه "خائنا للوطن".

وتسود العراق أجواء من الترقب بعد التهديدات الأميركية الإيرانية المتبادلة واحتمالات نشوب حرب بين الطرفين على الساحة العراقية، والتي تخللتها تهديدات من فصائل مسلحة للقوات الأميركية الموجودة في البلاد.

المزيد من تحقيقات ومطولات