Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فيلق القدس" الإيراني لن يتهاوى بعد مقتل سليماني رغم أهميته كقائد 

بنية "الحرس الثوري" معقدة ولن ينهي مصرع أحد قادته العلاقات مع جماعات مسلحة قوية في المنطقة

كانت قوات قدس تستمد قوتها من قائدها سليماني قبل مقتله بغارة أميركية ( رويترز)

بدا من الصعب تصديق التقارير الأولية التي تمّ تداولها عن مقتل قاسم سليماني، رئيس الجناح الخارجي السرّي لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، وأحد أقوى الجنرالات الذين تعتمد عليهم طهران.

وكان الأكثر إثارة للاستغراب، ما قيل عن إن غارة جوّية أميركية بلا طيّار على مطار بغداد قد استهدفت المسؤول البالغ من العمر 62 عاماً إلى جانب أبو مهدي المهندس وهو ثاني أهم "رجال طهران في العراق". وهكذا بعدما تمّ تأكيد الوفاتين، انتشر نوع من الهيستيريا حول العالم. وتم تداول هاشتاغين  منفصلين على "تويتر" عن "حرب عالمية ثالثة"، بينما سجّل محرّك "غوغل" ارتفاعاً كبيراً في عدد الأميركيّين الذين أشعلوا البحث على الإنترنت عمّا إذا كان "عمر التجنيد" الموقّت في جيش بلادهم يشملهم.

وقد أثار كلام الرئيس دونالد ترمب هذا الذعر لدى الشباب الأميركي، عندما حذّر يوم الأحد من أن واشنطن تستعد لاستهداف إثنين وخمسين موقعاً في إيران، بما في ذلك بعض المواقع ذات الأهمية الثقافية، وهو إجراء من المحتمل أن يكون جريمة حرب بموجب القانون الدولي. وفي الوقت نفسه، سارع المعلّقون إلى الإعلان عن تصفية القائد العسكري الإيراني "الذي لا يُستغنى عنه"، والرجل الذي تحمّل مسؤولية قيادة "فيلق القدس" الفاعل، وأدار شبكة وكلاء إيران عبر المنطقة. واستنتجوا أن الانهيار سيكون بالتأكيد مصير "الفيلق" والوكلاء.

وتمّ تصوير سليماني على أنه حلقة وصل فريدة من نوعها تجمع كلّ شيء معا، وعلى أنه نقطة الاتصال الوحيدة بالمجموعات التي عمل "الحرس الثوري" الإيراني على تمويلها ودعمها في الخارج مثل قوّات "الحشد الشعبي" في العراق وجماعة "حزب الله" اللبنانية المسلّحة. وبرزت توقّعات بأن وفاة سليماني سيليها  نوع من انهيار لهذه المنظومة.

هولي داغريس، الخبيرة في الشؤون الإيرانية والزميلة غير المقيمة في "مركز أبحاث الأطلسي" الذي يتّخذ من واشنطن مقرّاً له، تلفت الانتباه إلى إن "قاسم سليماني تمّت مقارنته بأنه يوازي مجموعة من الجنرالات الأميركيّين في قائد واحد، وبأنه أكثر أهمية من أسامة بن لادن. لكن التقييم الذي يقول إن المنظومة التي بناها ستنهار كبيت من ورق، هو ساذج. فبالتأكيد لن ينهار الحرس الثوري الإيراني نتيجة موت قائد واحد. لقد خطّطوا لذلك".

هذا "القائد الغامض" الذي أشرف على قتل مئات الجنود الأميركيّين في العراق إضافةً إلى عمليات القتل والحصار في سوريا، هو الوجه المعلن الأكثر وضوحاً للمصالح العسكرية الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة، وهو نتاج حملةٍ إعلامية تم إعدادها بعناية. والحقيقة هي أن موته لن يضرّ بشكل كبير بقدرات "الحرس الثوري" الإيراني الذي لديه بنية معقّدة للغاية، وكذلك لن يضع حدّاً للعلاقات مع الجماعات المسلّحة القوية الوكيلة التي أنشأتها إيران.

وقد يكون في الواقع للتبجيل الحاصل الآن لقاسم سليماني من جانب أنصاره على أنه أحد أعظم شهداء إيران، لا بل المنطقة، تأثير معاكس. فعمليات القتل المستهدف المشابهة التي حصلت في الماضي، لم تؤدّ بالتأكيد إلا إلى دعم تلك الجماعات، ويكفي إلقاء نظرة على اغتيال عماد مغنية في العام 2008.

وليس هناك ما يدعم هذه النقطة أكثر من تصوير جثمان سليماني وهو يطوف في أنحاء إيران في مسيرات جنائزية ضخمة. وعُرضت يوم الأحد مقاطع فيديو تم تصويرها في مدينة الأهواز غرب البلاد، لعشرات إن لم يكن مئات الآلاف من الناس الذين خرجوا إلى الشوارع. وأقام أنصار سليماني تجمّعات مماثلة في كلٍّ من العراق ولبنان وغزّة.

وتؤكّد نرجس باجوغلي مؤلّفة كتاب Iran Reframed، التي أمضت أعوام العقد الماضي في درس طرق عمل المنتجين الإعلاميّين التابعين لـ "الحرس الثوري" الإيراني، أن شخصيات النظام المسؤولة عن تنظيم مناسبات عامّة كهذه، "لم تكن لتحلم بمثل هذا التجمع الكبير في الأعوام الأخيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترى أن "ترامب، باغتيال قاسم سليماني وبتهديده في تغريدةٍ بضرب مواقع ثقافية إيرانية، ألهب التماسك الوطني في إيران، وجعله في مستوى لم يكن من الممكن تصوّره الأسبوع الماضي، نتيجة غضب المواطنين الإيرانيّين على حكومتهم بعد حملة القمع ضدّ المتظاهرين. وإذا كانت تلك الحشود قد خرجت في الأهواز، فكيف سيكون الوضع عليه في مشهد وطهران".

إبنة قاسم سليماني، زينب، قالت بوضوح في مقابلة أجراها معها تلفزيون "المنار" التابع لـ"حزب الله" اللبناني، وهي تجلس أمام صورة لزعيم الحزب حسن نصر الله (وصفته بـ"العم"): "دعوا ترمب القذر يعرف أنه بقتل والدي فإنه لن يمحو إرثه. إنه يمنحنا جميعاً حياةً أخرى".

وتوضح باجوغلي أن "الحرس الثوري" الإيراني عمد إلى تكوين "هيكلية قيادية تفويضية على الأرض"، وقد تمّ تطويرها عبر أعوامٍ من الحرب غير المتكافئة. وتقول: "المقصود بذلك هو أن الكثير من القدرات القيادية تُعطى لمجموعة متنوّعة من الناس داخل المنظمة".

وعلى الرغم من الأهمية والجاذبية اللتين اكتسبهما قاسم سليماني، فإنه لم يكن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يحفّز ولاء المؤيّدين في جميع أنحاء المنطقة. كما أنه لم يكن المهندس الوحيد لحروب إيران بالوكالة، وهو تكتيك تعلّمه لأول مرّة في مرحلة الثمانينيّات أثناء الحرب الإيرانية العراقية، عندما كانت الولايات المتّحدة ودول الغرب تمدّ العراق بالدعم بشكل كثيف.

ويوافق على هذه القراءة علي آلفونه مؤلف كتاب "إيران سافرة" Iran Unveiled  عن "الحرس الثوري"، وهو كبير الزملاء في "معهد دول الخليج العربي" في واشنطن. ويقول إنه "لا يوجد أحدٌ لا يمكن الاستغناء عنه داخل منظومة الحرس الثوري". وأوضح في مقابلة أجرتها معه صحيفة "اندبندنت" أن  "الحرس الثوري الإيراني هو عبارة عن منظّمة بيروقراطية للغاية كانت قائمةً قبل تعيين سليماني قائداً رئيسياً لها، وستنجو من قطع الرأس".

ويضيف آلفونة أن القدرة على إبقاء القوى التابعة لـ "الحرس الثوري" قيد العمل والحفاظ على الوكلاء، تتم صياغتها عمداً على "مستوى المؤسّسة". وبالتالي سيكون من السهل على العميد إسماعيل قاآني أن يحلّ مكان قاسم سليماني.

قاآني الذي يضع نظّارات هو أصغر من سليماني بسنة واحدة وكان نائباً له. ويُعدّ هو أيضا من قدامى المحاربين في الحرب الإيرانية العراقية العام 1980، حين كان صديقاً مقرّباً من القائد القتيل.

وفيما عمل سليماني على الجبهة الغربية لإيران في دول مثل سوريا والعراق ولبنان، كان نائبه أكثر تركيزاً على البلدان التي تقع إلى الشرق، بما في ذلك إدارة العمليات في كلٍّ من أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى. لكن قاآني ليس من النوع الذي يقوم بمخاطراتٍ شجاعة مثل سليماني، الذي كان يجول على الخطوط الأمامية ولا يرتدي أيّ درع واقية.

ويوضح آلفونة أن "قاآني كان منهمكاً في متابعة الشؤون البيروقراطية لقوّات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني. وبينما كان سليماني ينشط ميدانياً في توجيه المجهود الحربي وحشد الدعم الشعبي له، كان قاآني يعمل على بناء المؤسّسة".

وعلى الرغم من أن قاآني لا يتمتّع بمكانة التبجيل التي حظي بها سليماني، فلديه فعلاً علاقات عميقة في جميع أنحاء المنطقة، ويمتلك فهماً دقيقاً لمصالح طهران في الخارج. ولا شك في أن حملةً منسّقة لبناء شخصيته لتكون قياديةً، سيتم إطلاقها والعمل عليها بمجرّد انتهاء فترة الحداد على سليماني، حتى لو لم يكن أداؤه جيّداً في نظر الجمهور. وفي هذه الأثناء، ستواصل المنظومة وصف سليماني بأنه شهيد يوحّد مختلف القوى الإقليمية المدعومة من إيران تحت لواء تخليص المنطقة من الإمبريالية.

ويشير آلفونة أخيراً إلى أن "النظام سيحوّل مقتل سليماني إلى فرصة دعائية ضخمة له، وربما سيتمكّن من حشد أجزاء كبيرة من الجمهور حول رايته. ولا أرى أن موته سيقسّم القوى السياسية في إيران، لأن كل فئة ستعتبر أن سليماني هو فرد منها."

المزيد من الشرق الأوسط