Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جغرافيا الرد الإيراني تمتد من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن

تصويت البرلمان العراقي على الانسحاب الأميركي أولى البوادر

تظاهرة لجماعة مجاهدي خلق المعارضة الإيرانية في واشنطن مقابل البيت الأبيض (أ. ب.)

بدأت مخاوف طهران بالتبلور من انحسار نفوذها في العراق بعد الاحتجاجات الشعبية العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والرامية إلى إنهاء نفوذها في البلاد، حيث نجحت بإقالة حكومة عادل عبد المهدي التي ساهمت بتضخيم نفوذ طهران وتقوية حلفائها، وفق مراقبين.
لكن خيارات طهران لم تنفذ بعد، إذ دفعت القوى الموالية لها البرلمان العراقي الأحد 5 يناير (كانون الثاني) الحالي، إلى التصويت على إنهاء الوجود الأميركي وإخراج كل قواته من البلاد، في ذروة التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن، وسط اتهامات لقوى عراقية بأنها تمثل الإرادة الإيرانية ولا تمثل إرادة العراقيين، ما يُعد أولى خطوات التصعيد إزاء مقتل الجنرال قاسم سليماني ونائب قائد "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس.
في غضون ذلك، يستمر القصف الصاروخي على القواعد الأميركية في العراق، ولم تتبنَ أي جهة مسؤوليتها عن القصف الذي طال المنطقة الخضراء قرب السفارة الأميركية وقاعدة بلد الجوية فضلاً عن مواقع أخرى تضم جنوداً أميركيين، يوم السبت 4 يناير، لكن كل المؤشرات تتجه نحو اتهام الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بذلك، ما يعقد المشهد العراقي ويزيد فرص تفاقم الأزمة واحتمالات التصعيد الكبيرة داخل البلاد.


جغرافيا الرد الإيراني
 

تترقب إيران بحذر ما يجري على الساحة العراقية، حيث أنها تتحرك في سياقين، ففي حين نجحت سياسياً في إصدار قرار برلماني لإخراج القوات الأميركية، تتحرك الفصائل المسلحة الموالية لها معلنةً أن استهداف القوات الأميركية سيدخل حيّز التنفيذ ليلة الأحد 5 يناير.
وحتى الآن لا توجد بوادر رد إيراني مباشر على أميركا وقواعدها في المنطقة، لكن يبدو أن للحرب لدى طهران أوجهاً عدة، لا تنحصر في سياق واحد، فمنظومتها الدفاعية تمتد من خلال سلسلة فصائل مسلحة موالية لها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وقال أستاذ الجغرافيا السياسية، دياري الفيلي إن "الرد الإيراني على مقتل سليماني سيتخذ مسارات متنوعة، تستهدف المصالح الأميركية في المنطقة". وأضاف أن "جغرافيا الرد الإيراني ستمتد من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن"، مبيناً أن "إيران لن تقوى على الرد وحدها، ولذلك ستستخدم كل الفصائل الموالية لها في المنطقة".
وتابع أن "الخسارة الأكبر التي تخشاها إيران هو تسارع انهيار الثقة في النموذج الإيراني في الجغرافيا الشيعية والذي بدا واضحاً من خلال الحركة الاحتجاجية العراقية".
وعن احتمالات التصعيد في العراق، لفت الفيلي إلى أن "العراق مناسب لإيران لتصفية الحسابات مع أميركا، وهناك أطراف عراقية مستعدة بشكل كبير للقيام بهذه المهمة من دون الأخذ في الاعتبار للتبعات الخطيرة التي تترتب على البلاد".
وختم أنه "في ظل تصاعد الأزمة قد تقوم أميركا باعتبار العراق في ساحة واحدة مع إيران وتفرض حُزم عقوبات اقتصادية على البلدين".


خيارات إيرانية
 

وكانت إيران أوضحت أن ردها على مقتل قاسم سليماني سيكون "مزلزلاً"، لكنها أيضاً تعوّل على استقطاب المشاعر المذهبية لشيعة العراق مرة أخرى، لخلق قاعدة تأييد اجتماعية لاحتمالات التصعيد العسكري، تزامناً مع دعوات فصائل مسلحة عدة لأفرادها بأن يكونوا على أتم الجاهزية، لكن دخول زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر على خط المواجهة أزّم الموقف بشكل أكبر، إذ دعا الفصائل العراقية وزميلاتها خارج العراق إلى اجتماع فوري للإعلان عن تشكيل ما أسماه بـ"أفواج المقاومة الدولية"، كرد على العملية الأميركية التي قتلت سليماني وأبو مهدي المهندس.
ودعا الصدر في تغريدة على "تويتر" إلى "إغلاق السفارة الأميركية في بغداد وإلغاء الاتفاقية الأمنية"، لكنه اعتبر رد البرلمان العراقي هزيلاً أمام الضربات الأميركية، التي وصفها بأنها "عداء للدين والمذهب".
وتجدر الإشارة إلى أن الصدر دعا في وقت سابق إلى إعادة "جيش المهدي"، ما قد يعيد أجواء الاستقطابات الطائفية، وفق مراقبين.
 

تأجيج المشاعر الطائفية
 

ورأى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر، أن "إيران تملك خيارات عدة غير الحرب وتحاول استعادة شعبية فقدتها، من خلال تأجيج العواطف واللعب على الوتر الطائفي من جديد".
وأوضح داغر أن "هذا الترويج بدأ يعطي نتائجه في المجتمع الشيعي، عبر الترويج أن الشيعة مستهدفون والغاية إخراجهم من الحكم". وتابع أن "مسارات إيران في الرد ستكون عبر خيارين، الأول قصير المدى والرد المحدود في العراق، لكنها على المدى البعيد ستخطط لإحداث ضربة أقوى تستفز أميركا من أجل تحريك المفاوضات مرة أخرى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خسائر اقتصادية وسياسية
 

ولعل أبرز ما يعقد المشهد هو مخاوف طهران من خسائر اقتصادية وسياسية وأخرى تتعلق بالسيطرة على طرق استراتيجية تربطها مع سوريا ولبنان من خلال فصائل موالية لها في العراق، حيث عملت منذ التدخل الأميركي في البلاد عام 2003، على إدخال حلفائها إلى العملية السياسية العراقية، وسعت للسيطرة على البرلمان والحكومة، فضلاً عن دعمها لجماعات مسلحة في إطار مواجهة الأميركيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية آخرها تنظيم "داعش"، والذي ساهمت الحرب عليه بتشكيل نفوذ للفصائل الموالية لها في "المدن السنية" العراقية، وباتت تلك الفصائل تشكل الجسم الأكبر للحراك السياسي في البرلمان العراقي الآن، فضلاً عن استغلالها للحشد الشعبي وزج فصائل موالية لها بضمنه لتتخذ شكلاً قانونياً.
وتتخوف طهران من خسارة النفوذ الجيوسياسي الممتد داخل العراق، والذي يشمل ممرات برية وخطوط أنابيب نفط مهمة ومشاريع مستقبلية تحاول إيران من خلالها التواصل مع مناطق نفوذها الأخرى في المنطقة كسوريا ولبنان، حيث تتخوف من انقطاع خط المرور الذي يوصلها بهذه الدول عن طريق النطاق الجغرافي واسع الامتداد في العراق، لأن ذلك يعني أنها ستعاني في إدارة نموذجها في تلك المناطق.
 

متنفس اقتصادي
 

ولا تتوقف مصالح طهران عند مزاحمة النفوذ الأميركي عسكرياً وسياسياً فحسب، بل أن للمصالح الاقتصادية والسيطرة والنفوذ على طرق استراتيجية في العراق أهمية كبيرة أيضاً.
في الجانب الاقتصادي، تعاني إيران من ضائقة كبيرة، وتدهور اقتصادي نتيجة العقوبات الأميركية عليها، لكنها استخدمت العراق ليكون متنفساً اقتصادياً مهماً لها. وقال الباحث في الشأن الاقتصادي حسن الأسدي إن "العراق بعد فوضى الاقتصاد والسياسة إثر عام 2003 أصبحت سوقاً استهلاكية لكل الدول المحيطة".
وأوضح أن "الصادرات ارتفعت بسبب تراجع العراق اقتصادياً وتردي واقعه الصناعي والزراعي، وإيران تتخوف من أي خلل في علاقتها مع العراق لأنه قد يؤدي إلى ركود اقتصادي فيها من خلال تقليل صادراتها"، مبيناً أن "العراق يلعب دور المنقذ الاقتصادي للوضع الإيراني في الوقت الحاضر".
وتابع أن "الحديث يدور عن فوائد كبيرة للواجهات السياسية التي تمثل إيران في العراق من خلال عقود مقاولات لكن ذلك غير مثبت بالأدلة".
 

قرار انفعالي
 

ويرى مراقبون أن قرار إخراج القوات الأميركية من العراق سيمهّد لإعادة نشاط خلايا إرهابية فضلاً عن تنامي دور الميليشيات، مشيرين إلى أن الوضع قد يتفاقم ويؤدي إلى تقسيم البلاد.

في السياق ذاته، قال الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي إن "القرار الذي اتخذه البرلمان العراقي سيؤسس لمرحلة خطرة في رسم مستقبل العراق لأن الكثير من المعضلات سواء في العملية السياسية أو في أداء المؤسسات لأدوارها الوظيفية لم تحل".

وأوضح أن "الانسحاب الأميركي سيمهد إلى نشاط جديد للخلايا الإرهابية وتنامي دور الميليشيات وارتفاع منسوب الاضطراب والصراع بين الأحزاب لفرض الهيمنة"، لافتاً إلى أن "الحياة العامة ستتعطل وستغيب استراتيجيات التنمية والبناء والتطوير بفعل الصراع المرتقب".

ولفت إلى أن "العراق يمثل رئة إيران الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، فضلاً عن أنها لا تستطيع أن تحقق تواصل لوجيستي بين سوريا ولبنان إلا عبر العراق"، مردفاً "لا يتحقق ذلك إلا بوجود منظومة حلفاء فاعلين في القرار السياسي ومتحكمين في مؤسسات الدولة العسكرية والاقتصادية والسياسية".

وتابع أن "قرار إخراج القوات الأميركية في هذا الوضع المضطرب، انفعالي وخطأ استراتيجي ينذر بتقسيم العراق"، مبيناً أنه "لن يكون ملزماً لإقليم كردستان ولن يزيل مخاوف المدن السنية في احتمالية عودة داعش".

وعن احتمالات استهداف القواعد الأميركية، بين أن "القرار البرلماني سيمنع التعرض للقطاعات العسكرية الأميركية، إلا إذا جاء رداً أميركياً برفض الخروج والإبقاء على القوات الأميركية بواسطة التوافقات الدولية".

المزيد من الشرق الأوسط