قيّم وزير الخارجية السابق والسفير المتقاعد يشار ياكيش التطورات الأخيرة في ليبيا وإدلب، وهو الذي شغل مناصب دبلوماسية مهمة لسنوات طويلة… إذ عمل سفيراً لتركيا لدى لاغوس وروما ودمشق والرياض والقاهرة وبروكسل، كما عمل ممثلاً دائماً في حلف "الناتو"، وعام 2001 بعد تقاعده من وزارة الخارجية، تابع عمله السياسي كعضو مؤسس في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وفي الفترة بين 18 أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2002 و11 مارس (آذار) عام 2003، عمل وزيراً للخارجية.
وفي لقاء معه حول سياسة بلاده الحالية، تحدث بشكل مستفيض عن الانخراط التركي "اللا محسوب" في سوريا وليبيا، وما تلاه من "نتائج وخسائر" على الأرض.
- عشية اندلاع الأحداث الليبية في فبراير (شباط) 2011 لفتّم الانتباه إلى احتمال انقسام ليبيا إلى دولتين، وقلتم حينها "ينبغي على تركيا ألاّ تضع كل البيض في سلة واحدة، وأن تواصل علاقاتها مع الجانبين"... واليوم بعد مضي تسع سنوات، كيف تقيّمون السياسة التركية في ليبيا؟
"نعم... تلك هي تقييماتنا آنذاك ولم يكن معمر القذافي قد غادر السلطة حينها، لكن للأسف لم تلتفت تركيا إلى تلك التقييمات، واليوم باتت قوات المشير خليفة حفتر تسيطر على 76 في المئة من الأراضي الليبية، والبلاد منقسمة إلى أربعة أو خمسة أقسام.
أما حكومة طرابلس، فتسيطر فقط على مساحة ثمانية في المئة من الأراضي الليبية، و16 في المئة من الأراضي الليبية تسيطر عليها قبائل الجنوب. وتتهم حكومة طبرق، حكومة طرابلس المكونة من "الإخوان" بالاستيلاء على السلطة من دون إجراء أي انتخابات".
وتابع "إن اعتراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بحكومة طرابلس لا يعني شيئاً في حد ذاته، وقد أكسب امتناع حكومة طبرق عن التوقيع على مقترح الأمم المتحدة، المشروعية الدولية لحكومة طرابلس.
تعترف تركيا اليوم بحكومة "الإخوان" وتدعمها، وقد وضعت البيض كله في سلة واحدة، وهي مخطئة في ذلك، وأقدمت على وضع سياسة أحاديةٍ، ضاربةً التوازنات الدولية والإقليمية عرض الحائط. إنّ حكومة طبرق التي يرأسها حفتر على وشك تحقيق الانتصار، فما السياسة التي ستُتّبع إذا ما سقطت طرابلس بيد حفتر؟
تحظى حكومة طبرق بدعم مصري وسعودي وإماراتي، وهناك أيضاً مرتزقة "فاغنر" التي تدعمها روسيا، وقد لجأت سياسة تركيا إلى مواجهة هذه الدول أيضاً، فمن المفيد العدول عن هذه السياسة وإقامة علاقات نشطة مع الأطراف كافة".
- تَعتبر مصر الدولة الرئيسة في المنطقة، الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وقد تطرقتم إلى أهمية الموقف الذي ستتخذه مصر، ما مدى فعالية الموقف المصري وتأثيره؟
"تُعتبر مصر واحدة من الدول الرئيسة في رسم السياسة الإقليمية للمنطقة، وتمتلك حدوداً برية مع ليبيا تبلغ 750 كلم، وقد تدهورت العلاقات المصرية التركية بسبب حركة الإخوان، ففي الوقت الذي تدعم الحكومة التركية، حكومة طرابلس ذي العقلية الإخوانية، لا تأخذ الموقف المصري المعادي للإخوان المسلمين الذي يُعدّهم منظمة إرهابية بعين الاعتبار. فكما أن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي منظمتان إرهابيتان في نظر تركيا، كذلك الحال بالنسبة إلى الإخوان في نظر الحكومة المصرية، وبالتالي ينبغي أن نتيقّن بأن القاهرة لن ترغب في بقاء حكومة طرابلس. قادت تركيا عملية درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام خارج حدودها، بحجة محاربة الإرهاب، فلم يجرؤ أحد على معارضتها، فكيف إذا قامت مصر بعمليات مماثلة في ليبيا بالحجج ذاتها؟ ومن ناحية أخرى، وكما ذكرت آنفاً، يحظى حفتر بدعم سعودي وإماراتي وروسي، وفكرة الوقوف إلى جانب حكومة طرابلس المعترف بها أممياً ودعمها وترقّب النتائج المرجوة، أمر في غاية الصعوبة، وماذا عسى تركيا أن تفعل إذا ما عزّزت تلك الدول دعمها لحفتر؟ لذا أعتقد أنه من الضرورة إقامة حوار مع الجهات المتصارعة في ليبيا قبل فوات الأوان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك أمر آخر مهم وهو أن عزم أنقرة على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، لا يشبه عملياتها في سوريا، ذلك أننا نملك حدوداً برية طويلة مع سوريا تبلغ 911 كلم، وهذا ما سهّل عملياتنا خارج الحدود نوعاً ما... أما بخصوص ليبيا، فسيتعين إرسال القوات عبر البحر…
لمَ لا تضع الحكومة التركية هذا الأمر في الاعتبار؟ وهناك أمر مهم أيضاً وهو أن الدول العظمى التي لديها مصالح في ليبيا، لم تتّخذ قراراً بعد في شأن الخطط التركية، وعلى وجه الخصوص فرنسا وإيطاليا اللتان لم تعلنا عن موقفهما، ولا نعرف ما ستكون ردة فعل الولايات المتحدة الأميركية، وماذا سيقول الناتو وكيف سترد روسيا على التحرك التركي، ومصر ودول الخليج وإسرائيل...
أعتقد أن الاستعجال في إرسال القوات إلى ليبيا قبل رؤية ردود أفعال هذه الدول لن يكون في صالحنا. وفي الوضع الراهن، أرى أن مصر صاحبة الحظ الأوفر بين هذه الدول".
- أتوقع أن تتفق أنقرة وموسكو في الشأن الليبي خلال زيارة بوتين إلى تركيا، ففي هذه الأوضاع يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلى أنقرة، وتتحدث وسائل الإعلام الروسية عن قرب اتفاق أردوغان وبوتين في الشأن الليبي، وأن تركيا ستتوقف في نقاط محددة كما في إدلب نوعاً ما، كيف تقيّمون هذا؟
"تصرفت موسكو في سياستها حيال ليبيا بشكل مخطّط ومدروس، فقد أعلنت دعمها الكامل لحفتر باعتباره حليفاً، وعرفت كيف تقود المرحلة، فلدى روسيا مصالح استراتيجية في البحر المتوسط، ومصالح مادية في النفط الليبي. أتوقع أن تتصرف باتّزان حيال تركيا وستبحث عن سبل للتسوية وستجدها.
فإن موقف تركيا المعارض للناتو يصب لصالح روسيا، وستستمر روسيا في موقفها هذا بعدما قطعت شوطاً فيه، ولا أعتقد أن ينشأ أي صراع بين البلدين بشأن ليبيا. فكما تعلمون، في إدلب، اتفق الزعيمان على الرغم من وصول الأمور في بعض الأوقات إلى حد تعكير العلاقات بين موسكو وأنقرة. فمع انطلاق مفاوضات أستانا، أنشأت تركيا نقاط مراقبة في المنطقة، وقد دافعت عن نفسها حيال عمليات النظام السوري المدعوم روسياً بحجة الحيلولة دون تدفق اللاجئين إلى حدودها. والحال أن هيئة تحرير الشام عزّزت من قوتها بعد إنشاء تركيا نقاط مراقبة، وأخرجت الفصائل المعتدلة والموالية لتركيا من المنطقة. وهكذا بفضل هذه السياسة، سيطرت هيئة تحرير الشام على مساحة تصل إلى 90 في المئة، بعدما كانت تسيطر على 60 في المئة من مساحة إدلب، أما الفصائل الموالية لتركيا، فقد اضطُّرت إلى مغادرة المنطقة إلى عفرين. أعتقد أن هذه المسألة ستُطرح على الطاولة خلال زيارة بوتين إلى أنقرة، لذا أرى تشابهاً بين إدلب وليبيا من وجهة نظر البلدين، ما ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة إلى تركيا. الجميع يعلم مدى الدعم الروسي للنظام السوري، وهناك وجود قوي لروسيا في ليبيا وباتت صاحبة قرار في شطر البلاد.
إن المشكلة في الملف السوري بالنسبة إلى انقرة، عبارة عن مطالب تركية وروسية وإيرانية تتمثل في التأكيد على وحدة الأراضي السورية، فهذا مطلب روسي وإيراني ولا يمكننا أن نقول أن ذلك من حق الأتراك بسبب سياستها في المنطقة، فالشيء الذي لا يسير على ما يرام هو أن تركيا لا تبالي بانتهاك وحدة الأراضي السورية، والحال أن المنطقة أرضٌ سوريةٌ وستُضطّر تركيا إلى مغادرتها يوماً. وإذا ما انتهجت تركيا سياستها هذه في ليبيا أيضاً، فسيُشكَّك في صدق العلاقات الروسية التركية، على الرغم من أنه من السابق لأوانه التكهن بالمشاكل التي قد تنشأ عن تباين الآراء في ليبيا، كما هي الحال في إدلب، لكن ينبغي التنويه إليه. وقد تبقى تركيا في ليبيا خارج نطاق اللعبة بعد ظهور مواقف الدول العظمى، ولهذا ينبغي التخلي عن السياسة الموالية للإخوان وانتهاج سياسة فعالة مع الدول الكبرى واحتضان الأطراف الليبية كافة.