Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحلقوم" حلوى فلسطينية تقليدية تحارب برد الشتاء

صانعوها يحاولون تلبية ذوق المستهلك ورغبته المستمرة في التجديد

هواء بارد وأمطار وشمس خجولة لم تصحُ بعد، تجبر كثيرين من الفلسطينيين في الضفة الغربية على الكنكنة (البقاء في الفراش)، لكن العم أبو عنان حرز الله (55 عاماً) من مدينة نابلس شمال الضفة، يفضل أمراً آخر. فهو وبعد صلاة الفجر، يتجه وشقيقه إلى مصنعهما الأثري في المدينة، الذي يمتد عمره لأكثر من 200 عام، لينشر رائحة حلوى الحلقوم في أزقة البلدة القديمة حيث يعمل. فهذه الحلوى المعروفة بـ"الراحة" في مدينة نابلس، حافظت على طعمها ولونها ورائحتها منذ 100 عام.

عادل حرز الله، صاحب المصنع قال لـ "اندبندنت عربية"، "ورثتُ مهنة صناعة حلوى الحلقوم عن والدي الذي بالأصل يعمل في مصنع للحلويات، وورثتُ معها كل شيء. فصناعة حلوى الحلقوم على الرغم من بساطتها، تحتاج إلى الصبر والتأني، إذ إنّ مكوناتها البسيطة توضع بدقة، وأي خلل فيها، سيغير من الطعم لا محالة. في طفولتي وحين كنا وإخوتي نحيط بأبي أثناء صناعتها، كنا نأكلها وهي لا تزال ساخنة، ونتسابق في ما بيننا بفم من سيذوب الحلقوم أولاً، وتلك السعادة التي لا أنساها منذ كنتُ طفلاً، جعلتني أتمسك بصناعة هذه الحلوى التقليدية العريقة، التي قلّ صانعوها بالطريقة الأصلية".

حلوى شتوية

وأضاف حرز الله، "أنا متمسك بالطريقة التقليدية القديمة جداً في صناعة الراحة، التي تبدأ بوضع الماء والسكر في جرن نحاسي كبير على النار إلى حين، ومن ثم نضيف تدريجاً مادة النشاء المذابة في الماء ويُخلط المزيج ببطء لمدة ساعة تقريباً، ثم يُصب داخل قوالب خشبية خاصة مفروشة بالسكر الناعم لمنع التصاقها، وبعد أن تبرد قطع الحلقوم الكبيرة، تُقطّع لمكعبات صغيرة، وكثرٌ هم عشاق الراحة مع البسكويت، خصوصاً في فصل الشتاء، فهي بطعمها الحلو وملمسها الطري، تسعد المتذوقين.

وحسب اعتقادي، فقد سُمِّيت بالراحة لأنها تريح الجسم وتمنحه الدفء. وإضافة إلى كل ذلك، فإنها مريحة لجيوب المواطنين وذوي الدخل المحدود، إذ يباع كيلو الراحة الذي نصنعه نحن بثلاثة دولارات أميركية، بينما تُباع الأصناف الأخرى من الحقلوم التركي والسوري والمحلي بأكثر من ذلك بكثير ."

الحلقوم يواكب العصر

شهدت صناعة الحقلوم في فلسطين تذبذباً كبيراً خلال 20 سنة ماضية، فبعدما كانت بعض المصانع المحلية الفلسطينية تُصدّر إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا والأردن ومصر، عادت لتنكسر خلال الانتفاضتَيْن الأولى والثانية، واضطُّر عدد من أصحاب تلك المصانع إلى إغلاقها بالكامل، نظراً إلى ظهور أنواع أخرى من الحلويات المستوردة، وسيطرة المصانع التي تعمل بتقنيات حديثة، وانشغال الجيل الجديد بمهن أخرى. كل تلك العوامل أدت إلى قلة إنتاج الحلقوم التقليدي، حتى بات صانعوه لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة.

سليم عياد (66 عاماً)، صاحب أحد مصانع الحلقوم في نابلس، تحدث لـ "اندبندنت عربية"، عن "مدينة نابلس المشهورة منذ مئات السنين بصناعتها للحلويات، لذلك، يجب أن نلبي ذوق المستهلك ورغبته المستمرة في التجديد. الحلقوم التقليدي لذيذ وله زبائنه، لكنه صنف واحد فقط، ومن حرصنا على هذه الحلوى التقليدية وخوفنا عليها من الاندثار، قررنا إضافة المكسرات وجوز الهند والفستق الحلبي، وتحديث شكلها من مكعبات الى أشكال متعددة، وهي تلاقي استحساناً كبيراً من قبل المتذوقين".

المستورد "من دون طعم"

 أضاف عياد "نعاني من غياب الرقابة على السوق المحلي الفلسطيني، بحيث أن المنتجات المستوردة من الحلقوم تُضخ في السوق بكمّيات كبيرة وأسعار أقل من المنتج المحلي، ما يجعل المنافسة صعبة للغاية. فهناك أنواع أساسية من المواد التي تُستخدم في صناعة الحلقوم باهظة الثمن في الضفة الغربية كالفستق الحلبي، الذي يصل سعر الكيلو منه في فلسطين إلى 30 دولاراً وما يزيد، بينما يُباع في تركيا أو سوريا بين ثلاثة أو خمسة دولارات! وهذا الفرق يضعف قدرة المنتج المحلي على منافسة المستورد، لكن ما هو عصي على التشكيك بأن الحلقوم الفلسطيني لا مثيل له بالطعم، إذ إن المواد الحافظة فيه قليلة جداً ولا حاجة إلى مواد صناعية، بينما المستورد لا طعم له".

الأصل تركي

وتُعتبر حلوى الحلقوم (تركية الأصل)، أحد أبرز الحلويات الفلسطينية الشعبية التي يكثر الإقبال عليها في فصل الشتاء. وهناك عدد لا بأس به من التجار تخلّوا عن شكلها وطعمها التقليديَّيْن، وانتقلوا إلى عصرنتها (مواكبة الحداثة) بشكل مبالغ فيه، من خلال إدخال المكسرات بأنواعها والأعشاب والمنكهات والفاكهة المجففة والأصباغ، وهو ما أفقد "الراحة" عراقتها، بحسب عياد.

المزيد من منوعات