عمّت المملكة المتحدة موجة من الغضب جرّاء انتشار أنباء عن إدانة شابة بريطانية بارتكاب جرمٍ في قبرص، علماً أنها كانت قد ذكرت سابقاً أن الشرطة "أُجبرتها" على سحب شكواها عن تعرّضها للاغتصاب.
ويمكن أن تُسجن الفتاة، 19 عاماً، التي تقدّمت بشكوى حول تعرّضها للاغتصاب من قبل مجموعة من الإسرائيليين حين كانت تقضي عطلة في آيا نابا بقبرص، بتهمة "التسبب بالاذى العام". وفيما هاجم الآلاف هذا الحكم وانتشر استخدام وسم #أصدّقها على تويتر، عبّر المستخدمون عن صدمتهم إزاء المعاملة التي تلقّتها الشابة.
وسلّط كثيرون الضوء على كيفية استجوابها لساعات على يد الشرطة القبرصية، من دون أن تكون برفقة محام أو أحد أفراد عائلتها، قبل أن توقّع على ورقة سحب الشكوى التي استندت إليها النيابة العامّة في دعواها.
واعتبر منتقدو هذا الإجراء أنّه "رجعيّ" و"غير إنساني" و"مهزلة حقيقية"، لكن بدا أنّ قلّة منهم تعرف أنّ الضحايا لا يتمتّعون بحقوق أكثر من هذه بموجب القانون البريطاني.
ومع أنه من النادر محاكمة أحد لإطلاق اتهامات كاذبة، ليس لدى مقدمّي الشكاوى الحقّ التلقائي بالحصول على التمثيل القانوني خلال مقابلاتهم مع الشرطة في المملكة المتحدة ومن الممكن أن يتعرضوا للاستجواب لساعات عدة من دون محاميهم قبل أن يوقّعوا على إفادتهم.
وتظهر الأبحاث في لندن أنّ الأزمة النفسية التي يسبّبها استرجاع تفاصيل الهجمات وانتظار حصول أي تطوّر في تحقيق قد يستغرق سنوات طويلة، يؤديان إلى إسقاط عشرات الآلاف من قضايا الاغتصاب.
وفي بعض الأحيان، تنسحب صاحبات الشكاوى من العملية بسبب مطالباتهن بالسماح للمعنين بمعاينة هواتفهن بحرية والاطلاع على سجلاتهن الخاصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة للقضايا التي لا تتراجع عنها صاحباتها، من شأن أي تناقض ظاهري بين المعلومات التي دوّنتها الشرطة استناداً إلى استجواب الضحية والمعلومات التي يمكن أن تقدّمها هذه الأخيرة لاحقاً، أن يقضي على أيّ فرصة في إجراء المحاكمة. أمّا القضايا التي تنجح بالوصول إلى المحكمة، فيعمد محامو الدفاع عادة خلالها إلى استغلال أي تناقض من أجل التشكيك بنزاهة المدّعية أو بروايتها عن الأحداث.
أخبرني جميع ضحايا الاغتصاب اللواتي أجريتُ معهنّ مقابلات لصحيفة "اندبندنت"، أن طريقة التعامل معهن جعلتهن يشعرن كما لو أنّهن كنّ المشتبه بهن، وليس الأشخاص الذين شنوا الهجمات المزعومة عليهن.
وقد تعرّضت بوني تورنر التي تخلّت عن حقّها بإخفاء هويتها، من أجل الكشف عن معاناتها لإستجواب دام 6 ساعات على يد شرطة لندن في العام 2016.
وقالت "لم يقدّموا لي خلال هذا الوقت سوى كوباً واحداً من الشاي- ولم أحصل على أي راحة أو طعام أو أي شيء. أشكّ في أنهم يعاملون المشتبه بهم بهذه الطريقة". وأضافت أنّ إفادتها التي كتبتها شرطية بخط يدها "كانت مليئة بالأخطاء". ويُشار إلى أن مغتصبها المزعوم لم يُحاكم مع أنّه بدا كمن يعترف بإقدامه على الهجوم في منشور له على فيسبوك.
وأوضحت تورنر أن الشرطية" غيّرت بعض الأشياء لكن بدا لي أنها غير مهتمّة بالحرص على نقل الأقوال بدقة.. وحتى لو وصلت قضيتي إلى المحكمة، كنت سأقلق كثيراً بسبب هذه الإفادة…لم تكن لدي القوة أو الموارد الكافية للتصدي لما قالته الشرطية".
أمّا جين التي اغتصبها أحد الغرباء بعنف في العام 2011 وأعادت الشرطة استجوابها بعد التعرّف على هوية المعتدي في وقت سابق من العام الماضي، فقالت "شعرت بأنني أتعرض لكثير من الضغط". وأضافت "كان الوضع شبيهاً برحلة صيد، إذ كانوا يسعون لجمع كل المعلومات الممكنة عني".
وزادت " باعتبارك الضحيّة، أنت من تكونين موضع شك. وأنت من يتوجب عليها أن تثبت حسن سلوكها".
واكتشف جين أنّ محاميّي الرجل الذي اعتدى عليها واعترف باغتصابها بعد القبض عليه لدى إقدامه على اعتداء ثانٍ، حصلوا على اسمها ومعلوماتها الشخصية. وأضافت "كانت هذه العملية برمّتها تطفّلاً بعد تطفّل".
وتحدّثت ضحية أخرى اسمها سارة عن قضائها "فترة بعد ظهر كاملة" وهي تخضع لاستجواب بعد آخر على يد عدد من أفراد الشرطة عن الهجوم الذي أبلغت عنه. وطلب الشرطي الثالث منها أن تسلّم هاتفها الجوّال موضحاً أنّ القضية لا يمكن أن تصل إلى المحكمة من دونه بسبب "قاعدة جديدة". وبعد خروجها من قسم الشرطة وسعيها للحصول على استشارة قانونية، علمت سارة كيف يمكن استخدام معلوماتها الخاصة ومشاركتها.
ثم أسقطت سارة الدعوى عندما أخبرها شرطي أنّها لن تسير قدماً مالم تسلمهم الهاتف. وقالت "أغضبني الموضوع جداً. وأحسست بأنني أنا من يُحاكم وأنهم يحاولون أن يثبتوا أنني أنا المسؤولة والملامة وأنني قد أخطأت. وضعت ثقتي بالشرطة والنظام القضائي وآمنت أنهما سيدافعان عني، لكنهما لم يفعلا".
في هذه الأثناء، يطالب الناشطون بوضع قانون جديد للضحايا كي يضمن حصول أصحاب الشكاوى في الجرائم كافة على الحدّ الأدنى من الدعم والمشورة القانونية.
لكن معدّلات محاكمة تهم الإغتصاب قد تراجعت بالفعل إلى 1.4% ولن تشجّع قضايا، كالتي شهدتها قبرص، الناجين على الوثوق بالنظام القضائي.
© The Independent