Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد الضربات الأخيرة... الصراع الأميركي ـ الإيراني يصل إلى حافة الهاوية

طهران تسعى إلى استعجال الصدام المسلح مقابل واشنطن التي تركز على العقوبات الاقتصادية

لم يمض سوى يومين على استهداف قاعدة كي – وان التي تضم قوات أميركية، حتى قصفت طائرات تابعة لوزارة الدفاع الأميركية قاعدة لكتائب "حزب الله" في العراق مسفرة عن مقتل 19 عنصراً وإصابة 35 آخرين، في أول رد على "الهجمات المتكررة من كتائب حزب الله على القواعد العراقية التي تضم قوات التحالف"، مشيرة إلى أن "تلك الضربات ستؤدي إلى إضعاف قدرة الكتائب على تنفيذ هجمات في المستقبل ضد قوات التحالف".

 

وكان متعاقد أميركي قُتل وأُصيب آخرون، في هجوم استهدف قاعدة كي – وان في كركوك، حيث انضمت قوات أميركية حديثاً.
ويُعد هذا الهجوم التاسع منذ انطلاق الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ استُهدفت القواعد الأميركية ومبانٍ دبلوماسية تابعة لها مرات عدّة، طالت المنطقة الخضراء ومعسكرات التاجي والقيارة ومطار بغداد ومطار بلد وقاعدة عين الأسد ومعسكر كي-وان، في حين تتهم الولايات المتحدة "ميليشيات مسلحة موالية لإيران بتنفيذ تلك الهجمات"، وسط تزايد القلق من احتمالية نشوب صراع مسلح بين أميركا وإيران، يكون العراق منصته.

في المقابل، ثمة من يقول إن إيران تحاول استفزاز أميركا لصياغة تسويات جديدة في العراق والمنطقة، بينما يرجح آخرون أن يقتصر الرد الأميركي على عمليات نوعية ضد حلفاء طهران في العراق.

بيانان تصعيديّان من "الكتائب" 

وفي أول رد منها، وصفت كتائب "حزب الله"، أمس الأحد، القصف الأميركي بـ"العدوان المبيت الذي استهدف أبناءنا المدافعين عن الحدود الغربية من قبل غربان الشر الأميركية"، وقالت في بيان إن "العدوان الأميركي يعد استهتاراً بسيادة العراق وكرامة شعبه".

ودعت القوات العسكرية والأمنية والقواعد الشعبية والوطنية لـ"طرد العدو الأميركي في صفحة جديدة من صفحات العزة والإباء".

وأعقب ذلك بيان ثانٍ من "استخبارات كتائب حزب الله"، قالت فيه إنها تبحث آليات الرد المناسب على القصف الأميركي، متوعدة القوات الأميركية في العراق وبلاد أخرى تنتشر فيها.

وأشارت إلى أنها "في حالة استنفار وانعقاد مستمر لبحث آلية الرد المناسب من الخيارات المتاحة لدينا على الجريمة الأميركية الشنعاء بحق أبناء الحشد الشعبي".

وأضاف البيان "معركتنا اليوم مع أميركا ومرتزقتها باتت مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا خيار لنا اليوم سوى المواجهة، وليس ثمة حسابات ستمنعنا من الرد على جريمة استهداف حماة الوطن من أبناء الحشد الشعبي".

كذلك توعدت الرئيس الأميركي دونالد ترمب "بدفع الثمن غالياً في العراق وغيره من الدول التي توجد فيها قواته".

الرئاسات ترد

ووجّه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بعقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري للأمن الوطني، على خلفية القصف الأميركي لمقار كتائب "حزب الله"، داعياً لـ"اتخاذ التدابير اللازمة لحماية العراقيين وحفظ أمن العراق وسيادته".

وأبلغ عبد المهدي وزير الدفاع الأميركي، رفضه الشديد قصف مواقع "الحشد الشعبي"، مندداً بأي "عمل منفرد تقوم به قوى التحالف أو أي قوى أخرى داخل العراق"، معتبراً ذلك "انتهاكاً للسيادة العراقية وتصعيداً خطيراً يهدد أمن العراق والمنطقة".

من جانبه استنكر رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي الهجوم، وبينما اعتبره انتهاكاً للسيادة العراقية، دعا إلى ضبط النفس وتوفير الحماية للبعثات الدبلوماسية وقوات التحالف الدولي في العراق.

مواقف الكتل السياسية

وسارعت القوى السياسية العراقية إلى إدانة القصف الأميركي، لكن المطالبات السياسية بدت متباينة، ففيما استنكرت بعض الأحزاب الهجوم ودعت إلى عدم إدخال العراق في أي صراع إقليمي، طالبت أخرى بالرد بالمثل.

وعدَّ النائب عن تحالف "الفتح" فالح الخزعلي، أمس الأحد، القصف الأميركي استخفافاً بالسيادة العراقية، واعتبر أن القوات الأميركية دخلت حرباً مكشوفة مع العراق، واصفاً الجيش الأميركي بـ"الأحمق الذي لم يستفد من تداعيات احتلاله للعراق".

إلى ذلك، طالب النائب حسن سالم عن حركة "عصائب أهل الحق"، التي تملك جناحاً مسلحاً في "الحشد الشعبي"، الحكومة والأجهزة الأمنية والقوة الجوية العراقية وطيران الجيش بـ"الابتعاد عن لغة الدبلوماسية والرد بالمثل وأكثر".

وحث الكتل السياسية ومجلس النواب على "الابتعاد عن التسويف والمماطلة وسرعة إقرار إخراج القوات الأميركية من العراق بعد ارتكابها خروقات عدة، منها دعم عصابات "داعش" ومساندتها، يقابلها قصف لمقار أمنية عراقية، إضافة إلى تبنيها عصابات "الجوكر" لإثارة الفوضى في البلد وحرف مسيرة التظاهرات السلمية".

وفي السياق ذاته، دان أبو دعاء العيساوي المستشار العسكري لزعيم التيار "الصدري" مقتدى الصدر، في تغريدة على "تويتر" القصف الأميركي، ووصفه بـ"التعدي الوقح والجريمة السافرة على كل أبناء المقاومة"، فيما ختم تغريدته بوسم "المقاومون جسد واحد".

أمن العراق قيمة عليا

وقال ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في بيان، إنه "يدين الاعتداء الأميركي على السيادة العراقية ومنتسبي الحشد الشعبي".

وطالب "الحكومة بإلزام القوات الأميركية المنتشرة على الأراضي العراقية ببنود الاتفاقات الموقعة بين البلدين"، مؤكداً أنّ "اعتداءات كهذه ستضر بالأمن والاستقرار والعلاقات الثنائية".

وشدد على "ضرورة إلزام جميع الوحدات العسكرية العراقية بأوامر القيادة العامة والتزامات العراق الرسمية، وعدم جر العراق إلى أتون الصراعات الإقليمية الدولية"، مشيراً إلى أن "أمن العراق واستقراره قيمة عليا لا يجوز التفريط بها لصالح أي دولة".

في وقت عبر حزب "الدعوة الإسلامية" عن رفضه بأن يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات مع إيران، مديناً القصف الأميركي في بيان، قال فيه إن "حزب الدعوة الإسلامية يدين الاعتداء الأميركي على مقار الحشد الشعبي، الذي هو قوة عسكرية عراقية وجزء من القوات المسلحة، وإن استهدافها من قبل القوات الأميركية يشكل انتهاكاً لسيادة العراق".

قلق وترقب

وكانت مصادر عسكرية تحدثت في وقت سابق عن نقل إيران صواريخ باليستية إلى العراق، موضحةً أنها "نُقلت بسيارات وفّرتها جهة عسكرية عراقية تابعة لوزارة الداخلية، لحساب ميليشيات مرتبطة بإيران، عبر معبر حدودي في محافظة ديالى".

ويعد القصف الأميركي على هذه المقار تحميلاً لكتائب "حزب الله" وباقي الفصائل القريبة من طهران مسؤولية الاستهدافات المتكررة على القواعد الأميركية في العراق، في حين تزيد تلك الهجمات المتبادلة التوتر بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية.

وكانت مصادر في "البنتاغون" أفادت في وقت سابق، بأن الإدارة الأميركية تدرس إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط، لتعزيز قدرات الدفاع الجوي بوجه التحركات الإيرانية، بما فيها تقارير نقل إيران لصواريخ قصيرة المدى إلى العراق، مشيرة إلى أن نقل الصواريخ قد يشكّل تهديداً للقوات الأميركية هناك، ويحتمل نقلها إلى مناطق قد يشكّل تهديداً للسعودية أيضاً.

تضخم النفوذ الإيراني

في المقابل، تستمر التهديدات الأميركية بضرب الأذرع الإيرانية في العراق، فضلاً عن إصدارها عقوبات على شخصيات سياسية وقادة فصائل مسلحة في بغداد، لتجفيف منابع الدعم التي تحظى بها "ميليشيات مسلحة ترتبط بعلاقات مع طهران".

ولعل أحد الإشكالات التي تعقد المشهد بالنسبة إلى أميركا، تغلغل الأحزاب والفصائل المسلحة التي ترتبط بعلاقات متينة مع طهران، في مفاصل الدولة العراقية العسكرية والسياسية والاقتصادية.

وتقف عوامل عدّة وراء تضخم النفوذ الإيراني في العراق، أبرزها الانسحاب الأميركي عام 2011، إضافةً إلى الحرب ضد تنظيم "داعش" التي أدت إلى شرعنة سلاح فصائل مسلحة عدّة موالية لطهران، وتوقيع الاتفاقية النووية التي جعلت إيران تتحرك بحرية داخل العراق.

الإطلاقة الأولى في العراق

واعتبر مستشار المركز العربي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي، أن "الإطلاقة الأولى لأي مواجهة مسلحة بين أميركا وإيران ستكون في العراق"، مستبعداً أن تُقْدِم الولايات المتحدة على الرد العسكري وتلتزم العقوبات الاقتصادية على طهران.

وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "إيران تستخدم أذرعها في العراق لاستفزاز أميركا وإرسال رسائل عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة، تفيد بأنهم موجودون في العراق ولا يمكن أن تجري أي ترتيبات لا يكون الإيرانيون طرفاً فيها"، لافتاً إلى أن "إيران واعية لإمكانية تجاوزها وعزل حلفائها في العراق".

وقال الكبيسي إن "إيران تقبل بالتسوية في العراق، على أن يكون حلفاؤها طرفاً فيها"، وإن "الانقسام السياسي داخل العراق تحوّل بسبب فوضى السلاح وعجز الدولة عن حصره بيدها، إلى صراع سياسي مسلح". 

واستبعد أن تنجر الولايات المتحدة إلى صراع على الأرض، مستدركاً أن "أميركا ستستمر بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران، لدفعها للذهاب إلى طاولة مفاوضات ضمن الشروط الأميركية".

توتر محدود

ويرى مراقبون أن الضربات الأميركية لا تخرج من إطار التوتر المحدود وليس الحرب الشاملة، مشيرين إلى أن طهران تسعى لدفع واشنطن للتفاوض من خلال تلك التوترات.

ويقول رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر، أن "القصف الأميركي لا يعدو كونه في إطار حرب الإنابة المحدودة في العراق بين واشنطن وطهران".

ويضيف، "الحرب الشاملة مستبعدة باعتبار أن أميركا بصدد التحضير للانتخابات، وإيران تدرك الفوارق بالقوة"، مبيناً أن "الاقتصاد الإيراني بحسب قراءات اقتصادية دقيقة سينهار مع بداية عام 2021، وهذا ما يدفعها لمحاولة جر أميركا للتفاوض من خلال حرب محدودة".

وعن الفصائل المسلحة الموالية لطهران، بيّن داغر أن "تلك الفصائل ترتبط بعلاقة وجودية مع إيران، خصوصاً تلك التي لم تدخل العمل السياسي".

إلى ذلك، قال صحافي رفض الكشف عن هويته، أن "الهجوم الأخير لا يعدو كونه رسالة تحذيرية بعد مقتل أميركي بهجوم كي-وان"، واصفاً ما حدث بـ"التوتر المحدود".

وأضاف "الإدارة الأميركية لا يمكنها أن تتغاضى عن مقتل أميركي، وهذا ما دفعها للرد حفاظاً على صورتها في الداخل".

معادلة النفوذ

وفي سياق متصل، رأى الأكاديمي والباحث باسل حسين، أن "قصف معسكر كي - وان أتى ضمن سلسلة من العمليات العسكرية لميليشيات قريبة من إيران، ولن يكون الأخير"، موضحاً أن "الحديث عن صدام مسلّح لا يزال مبكراً".

وأضاف، أن "ما يعقّد المشهد هو تغيير معادلة تقاسم النفوذ الذي كان سارياً في عهد أوباما"، مشيراً إلى أن "إدارة ترمب غيّرت المعادلة، ما دفع إيران إلى إرسال رسائل من خلال تلك الاستهدافات، في حين أنها تحاول استفزاز الجانب الأميركي لجره إلى صياغة تسويات جديدة فيما يتعلق بالعراق والمنطقة".

في المقابل، ذكر أستاذ العلوم السياسية قحطان الخفاجي، أنه "محتمل جداً أن يكون الصدام المسلح وشيكاً وإيران تسعى إلى استعجاله، ما دامت تملك عناصر القوة في الساحة العراقية، مقابل أميركا التي تركز على العقوبات الاقتصادية كوسيلة الرد الوحيدة".

ورجّح أن "يقتصر الرد الأميركي على عمليات نوعية ضد حلفاء طهران في العراق، إلى جانب الحصار السياسي والاقتصادي".

وتعاني الحكومة العراقية أزمة واضحة في التعامل مع السلاح غير المنضبط الذي تمتلكه مجموعات غير خاضعة للقيادة العامة للقوات المسلحة.

ضرب أذرع طهران

من جهة ثانية، قال السياسي المستقل نجاح سميسم، إن "الضربات الأميركية قد تستمر على أذرع إيران في العراق، وليس إلى إيران بشكل مباشر".

وأوضح، أن "أميركا لا تملك قوة على أرض العراق تؤهلها للقيام بعمليات عسكرية واسعة"، مبيّناً أنها "تعوّل على إمكانية أن تزيح الاحتجاجات نفوذ حلفاء إيران في هذه المرحلة. لذلك، لا تعتمد تصعيد الخيارات العسكرية".

ولفت سميسم إلى أن "غالبية القوى السياسية العراقية وتحديداً الشيعية، تندرج ضمن القوى الموالية لطهران، فضلاً عن مجموعات أخرى سنية وكردية، وهذا أيضاً أحد عوامل تعقيد المشهد فيما يتعلق بالصراع الإيراني - الأميركي".

ويتسم موقف الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة وإيران على حد سواء، ما يعقّد المواقف الرسمية إزاء الصراع بينهما، إذ ترغب الحكومة العراقية في لعب دور الوسيط بين الطرفين للتهدئة، لأن كل القوى السياسية تدرك أن العراق لن يكون بمنأى عن التوتّر، فيما لو نشب أي صراع بين طهران وواشنطن.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي