Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الفراغ الدستوري" في العراق... لأن لا عقاب

سبق أن دخلت البلاد في 2010 حالة مشابهة

تظاهرة طلابية ضد الحكومة في النجف (غيتي)

ترتبط المواعيد الدستورية بما يعرف عالمياً بـ"النظام العام" وتجاوزها يعني مخالفة قواعد هذا النظام، غير أن غياب النصوص الدستورية التي تجرم الحنث باليمين ومخالفة النصوص القانونية سمح بتكرار حالة الفراغ الدستوري التي يعيشها العراق اليوم.

ويعرف "النظام العام" في الفقه الإداري العراقي، على أنه مجموعة من القيم السياسية والقانونية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي يعتبرها المجتمع ثابتة لا يمكن المساس بها. لكن النخب السياسية في العراق بعد عام 2003 فشلت في ترسيخ هذا المفهوم عوضاً عن تعمدها تجاوز الأنظمة والقوانين لخدمة مصالحها الآنية، فلم تتمكن حتى اليوم من التأسيس لأعراف وتقاليد سياسية سليمة يمكن من خلالها بناء دولة ديمقراطية حديثة على أنقاض الحكم الشمولي السابق.

الفراغ الدستوري

سبق أن دخلت البلاد في 2010 حالة مشابهة، حينما اختلفت القوائم الفائزة في الانتخابات آنذاك في تفسير معنى "الكتلة البرلمانية الأكبر" لمدة 8 شهور قبل أن تفتي المحكمة الاتحادية العليا، بأن الكتلة الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء تتشكل في الجلسة الأولى للبرلمان، وليس الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات. وتكرر الأمر في صيف العام الماضي، بسبب مخاضات الطعن بالانتخابات ونزاهتها ومسارات تشكيل الحكومة المتعثرة في ضوء عدم نضج التحالفات السياسية وتقارب بالأوزان الانتخابية.

ولم يقف الأمر عند تشكيل الحكومات، فحدث تجاوز المواعيد في تنفيذ بعض مواد الدستورية والمذكورة في فصل "الأحكام الانتقالية"، ومن أبرزها المادة 140 من الدستور والمتعلقة بتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها وكان من المقرر أن ينتهي تنفيذها عام 2007. ناهيك عن حالات تعطيل القوانين المهمة التي نص عليها الدستور مثل الموازنة العامة ومجلس الاتحاد، إضافة إلى تعطيل انتخابات مجلس المحافظات وتغيير مواعيد الانتخابات التشريعية وغيرها كثير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استمرار الأزمة

ويوم 22 ديسمبر (كانون الأول) 2019 تكررت حالة الفراغ الدستوري، في مشهد يوحي بعجز المشرع عن الإتيان بنصوص تحول دون عودة الأزمة، وسببها عدم قدرة رئيس الجمهورية على تسمية رئيس وزراء جديد خلفاً للمستقيل عادل عبد المهدي خلال فترة 15 يوماً كما نص الدستور، لعدم تمكن البرلمان من تحديد "الكتلة الأكبر" وتعدد الآراء والمواقف بشأنها، ولا يعلم أحد موعد تقديم المرشح الجديد لرئاسة الحكومة أو من يتحمل مسؤولية هذا الخلل.

ولعل السبب في ذلك هو سكوت الدستور عن معاقبة من يخالف أو يعطل مواده، واكتفى بترك الأمر إلى المحكمة الاتحادية في المادة 94 حينما نص على أن "قرارات المحكمة ملزمة لكافة السلطات".

غير أن الأطراف السياسية العراقية لم تختبر القضاء بهذا الخصوص إلا في ما يتعلق بموضوع "الكتلة الأكبر" وتفسير النصوص الغامضة.

قانون العقوبات

ويرى خبراء أنه من الممكن أو الواجب، اللجوء إلى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969، لسد النقص الحاصل في التشريع الدستوري. على سبيل المثال، مادة 224 "يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من لجأ إلى العنف أو التهديد أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة لحمل رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه على أداء عمل من اختصاصه قانوناً القيام به أو على الامتناع عنه. وتكون العقوبة السجن الموقت إذا وقع الفعل على رئيس الوزراء أو نائبه أو أحد من الوزراء أو من أعضاء مجلس الأمة".

وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد تحدث عن عدم قدرته على تسمية رئيس وزراء بعد ضغط الأطراف السياسية عليه من أجل تسمية بعض الشخصيات، كما أن بعض الأنباء تحدث عن محاولات تهديد وابتزاز تعرض لها صالح.

وتنص المادة 329 على أن "يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة أمة استغل وظيفته في وقف أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين والأنظمة أو أي حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو أي سلطة عامة مختصة". وبطبيعة الحال، "أحكام القوانين" تكون من ضمنها نصوص الدستور باعتباره القانون الأعلى في البلاد، ومن الضرر بمكان أن الفراغ الدستوري سببه تعطيل القوانين والمواد الدستورية.

والفقرة الثانية من المادة نفسها تنص على، "يعاقب بالعقوبة ذاتها كل موظف أو مكلف بخدمة عامة امتنع عن تنفيذ حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو من أي سلطة عامة مختصة بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره رسمياً بالتنفيذ متى كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاصه". ولعل الاختلاف في تفسير قرارات المحكمة الاتحادية يدخل في اختصاص هذه المادة من قانون العقوبات الذي يزخر بالمواد العقابية الخاصة بتعامل السلطات التنفيذية والتشريعية، بالشكل الذي يمكن بواسطته منع، أو على أقل تقدير، تحجم الخروقات القانونية وإنهاء ما يعرف بمراحل الفراغ الدستوري.

وأكد المحامي محمد الشريف أن "أي فعل لا يمكن تجريمه أو المحاسبة عليه ما لم ينص عليه القانون، وبما أن الدستور قد جرّم انتهاك الدستور، لكن المنظومة التشريعية العراقية تخلو من نص خاص يوجد عقوبة لذلك الفعل".

أضاف "على الرغم من كثرة الاتهامات التي يطلقها الرأي العام بأن هناك حالات عدة لانتهاك الدستور، لم نسمع أن المؤسسة التشريعية ناقشت مشروعاً لهذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي نص عليها الدستور".

وطالب الشريف "مجلس النواب بأن يعالج هذا النقص التشريعي الخطير لكي تكون هناك محاسبة حقيقية لمن يتخطى النصوص الدستورية أو يتجاوز تطبيقها".

وتابع أن "القانون يجب أن يحدد الجهة القضائية التي تتولى محاسبة المتهمين عنها، وفق ما نص عليه الدستور والأعراف القضائية، وإجراءات المحاكمات والعقوبات التي يجب أن تفرض في حال الإدانة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي