Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تُقرأ مواقف واشنطن وحلفائها الأوروبيين من الأزمة الليبية؟

تناقض المصالح بين إيطاليا وفرنسا يعمق الصراع العسكري بالبلاد

ترى إدارة الرئيس دونالد ترمب أن حل الأزمة الليبية لا بد أن يكون سياسياً بالتفاوض بين طرفي النزاع (أ.ف.ب)

على الرغم من حدة التطورات المتلاحقة في الساحة الليبية سواء من أطراف الصراع بالداخل أو دخول قوى إقليمية كأنقرة والقاهرة وموسكو بـ"قوة" على خط الأزمة، فإن "الغموض والارتباك" ما زالا يلفان موقفي واشنطن وحلفائها الأوروبيين المنخرطين في الصراع من تلك التطورات، لا سيما بعد أن تسارعت وتيرتها إبان توقيع تركيا اتفاقيتين في مجالي التعاون العسكري والحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، وعزمها إرسال قوات إلى طرابلس.

وعلى مدار الأسابيع والأيام الأخيرة، ومع تجدد المعارك بشكل أقوى مما سبق في محيط العاصمة طرابلس بين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ضد القوات الموالية لحكومة الوفاق على مشارف طرابلس، لم تتجاوز التحركات الأميركية والأوروبية لاحتواء الأزمة سوى بعض بيانات "القلق والإدانة والدعوة إلى ضبط النفس"، أو "تشجيع المساعي الهادفة إلى تسريع الحل السياسي"، في ذلك البلد الذي لطالما مثَّل دائرة اهتمام وترقب لعددٍ من القوى الخارجية والدولية، وفق مراقبين، متسائلين، عمّا إذا كانت تلك المواقف الغربية، تعكس "تريثاً من قِبل أصحابها في انتظار لحظات الحسم، أم تمثل ارتباكاً واضحاً في ظل تناقض المصالح الدولية في ليبيا؟".

واتخذت الأزمة الليبية منحى جديداً منذ الشهر الماضي، بعد أن وقّعت تركيا وحكومة الوفاق (مقرها طرابلس وتعترف بها الأمم المتحدة) اتفاقيتين، تتعلق الأولى بترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، فيما تتناول الثانية التعاون العسكري والأمني، وتبعهما إعلان جديد من خليفة حفتر قائد الجيش الليبي في الشرق، "ساعة الصفر" للسيطرة على العاصمة طرابلس من حكومة الوفاق.

الاتفاق الموقع مع أنقرة، الذي قللت من "شرعيته وآثاره القانونية" أغلب الدول المتشاطئة للمتوسط، يتيح لتركيا توسيع حدودها البحرية في شرق المتوسط، إذ اُكتشفت حقول تحوي كميات كبيرة من المحروقات في الأعوام الأخيرة.

موقف أميركي متريث أم مرتبك؟
يقول السفير محمد حجازي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق "المتتبع الموقف الأميركي تجاه تطورات الأحداث في ليبيا لا يجد عناءً في إدراك أنه تراجع بشكل كبير، ثم تصاعد إلى حدة القلق بعد أن كشفت تقارير عدة عن اتساع الوجود الروسي عبر مرتزقة موالين لها في ساحة المعركة الليبية، قال مراقبون إنهم يقاتلون في صفوف قوات المشير حفتر".

وحسب حجازي، في حديثٍ مع "اندبندنت عربية"، فإن "الأزمة الليبية وكذلك منطقة البحر المتوسط تشهدان استقطاباً متزايداً في الأيام والأسابيع الأخيرة، على وقع الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق".

وعلى مدار الأشهر الأخيرة، تبنّت واشنطن موقفاً داعياً إلى "توقف طرفي الصراع الليبي عن طلب الدعم من أطراف خارجية" لمساندتهما في الحرب عبر عدد من بيانات "الإدانة والقلق"، وكذلك من خلال اتصالات أُجريت بين الرئيس الأميركي سواء من نظيره المصري أو قادة أوروبيين آخرين.

إذ لا تزال إدارة الرئيس دونالد ترمب، تؤكد أن الحل الممكن للأزمة الليبية لا بد أن يكون سياسياً من خلال التفاوض بين طرفي النزاع الداخلي لوقف الحرب، والبدء بإجراء عملية سياسية تفضي إلى قيام دولة مدنية ديموقراطية.

 

وعلى الرغم من الموقف الأميركي "غير الحازم" في الأزمة، عاد "القلق" في لهجة تصريحات المسؤولين الأميركيين سواء في وزارة الخارجية أو الكونغرس، بعد أن أكدت تقارير عدة مشاركة مئات المرتزقة الروس العاملين من شركة "فاغنر" للحماية الأمنية والعسكرية الخاصة والمدعومة من موسكو، في القتال إلى جانب قوات حفتر، حسب "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"بلومبرغ".

وفي بيانٍ للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس، في 21 ديسمبر (كانون الأول)، قالت فيه "إن بلادها تشعر بالقلق" إزاء تهديدات قوات حفتر باستخدام القوات الجوية والمرتزقة الذين توفرهم الدول الأخرى لمهاجمة مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، كما أعربت عن قلق بلادها "إزاء طلب حكومة الوفاق الوطني الحصول على دعم عسكري من تركيا".

وجاء بيان أورتاغوس، بعد أكثر من شهر، على بيان لوزارة الخارجية الأميركية، في 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، دعت فيه قوات حفتر، إلى "إنهاء هجومها على العاصمة، ومنع المحاولات الروسية لاستغلال النزاع المسلح، وسبل وقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا من الأطراف الخارجية".

من جانبها، نقلت وكالة "رويترز" قبل أيامٍ عن مسؤول رفيع بالخارجية الأميركية قوله إن بلاده "تشعر بقلقٍ بالغٍ إزاء اشتداد حدة الصراع في ليبيا، وسط تقارير عن وجود مرتزقة روس يدعمون قوات حفتر على الأرض".

ويقول مراقبون أميركيون، إن التصعيد الأميركي "الخجول" الأخير تجاه التطورات في ليبيا، جاء بالأساس انطلاقاً من موقفها المعارض التدخل الروسي في الأزمة، معتبرين أنه وعلى الرغم من أن واشنطن لا ترغب في مواجهة مع موسكو بشكل مباشر، فإن عدم الوقوف بشكل واضح ضد "التحرك العسكري التركي المحتمل في ليبيا"، ربما يعني "ضوءاً أخضر" لأنقرة للتدخل.

وحسب تصريحات للسفير الأميركي السابق في ليبيا ديفد ماك، فإن موقف بلاده الرسمي يتمثل في الاعتراف بحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، ودعم جهود الأمم المتحدة للتوسط بين الفرقاء الليبيين من أجل الوصول إلى تسوية سياسية.

وأوضح أن "إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تتواصل مع جميع الليبيين بمن فيهم المشير خليفة حفتر من أجل الوصول إلى تسوية سياسية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "تراجع القدرة والتأثير الأميركيين على تطورات الأزمة الليبية لتعدد الأطراف الدولية المتداخلة فيها، وعدم رغبة إدارة ترمب في الانخراط بشكل مباشر مجدداً في حروب المنطقة".

ومع تدخل عسكري روسي متزايد على خط الأزمة الليبية، بدأ الكونغرس الأميركي يُولي مزيداً من الاهتمام بذلك الملف الشائك والمتفجّر منذ إطاحة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي من رأس السلطة في العام 2011.

ففي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قدّم أربعة أعضاء من مجلس النواب مشروع قرار "قانون استقرار ليبيا" يهدف إلى تأكيد أن سياسة واشنطن تجاه ليبيا تدعم التوصل لحل دبلوماسي للصراع، وأنها تدعم الشعب الليبي.

وخلال الشهر الماضي أيضاً، تقدَّم مشرعون آخرون بمشروع قانون إلى مجلس الشيوخ، لمناقشة سياسة الإدارة الأميركية في ليبيا والتدخلات الأجنبية وانتهاك الحظر المفروض من الأمم المتحدة على توريد الأسلحة والمعدات القتالية إلى ليبيا، وبحث استراتيجية مواجهة تنامي النفوذ الروسي والتهديدات المحتملة على المصالح الأميركية في ليبيا.

انقسام أوروبي يشتت المواقف
وفي الوقت الذي لا يزال الموقف الأميركي "غامضاً" بشأن الانخراط في الأزمة الليبية سوى من "المعارضة القوية للتوسع الروسي"، يقف حلفاء واشنطن الأوروبيون "عاجزون" عن الاتفاق على رؤية موحدة تدفع باتجاه الضغط على طرفي النزاع لدعم جهود الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق فوري لإطلاق النار والبدء بعملية التسوية السياسية، إذ يُعزي مراقبون الأمر إلى "تناقض مصالحهم".

وعلى صعيد القوتين الرئيستين في أوروبا من تطورات الأزمة الليبية، وهما باريس وروما، فلا يزال التنافس يشتد بين البلدين، الذي ترتكز دعائمه، وفق ما كتبت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، على "نجاعة الحل العسكري لحسم الملف"، موضحة أن "فرنسا التي تعد أحد أبرز محاور التدخل العسكري الغربي في ليبيا خلال أحداث 2011 في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي تدعم قوات حفتر في الخفاء فيما تظهر دعمها في العلن لحكومة الوفاق، في المقابل تعتبر إيطاليا أن الحل العسكري يهدد مصالحها، وانطلاقاً من هذا فإنها تتوجه بدعمها إلى حكومة الوفاق في ليبيا".

وظهر الانقسام بين روما وباريس، خلال العام الماضي، بعدما سعت كل بلد على حدة، إلى حشد ليبي وإقليمي باتجاه مبادرتي باريس وباليرمو خلال 2018، بحثاً عن حل سياسي، إلا أن مراقبين ومحللين أرجعوا ذلك التنافس العلني إلى محاولة كل دولة من خلال مبادرتها ترجيح كفة حليفها المحلي وحشد الدعم له.

ومنذ الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، تشهد ليبيا تصعيداً عسكرياً بعد إعلان قوات حفتر المدعومة من عدة دول إقليمية، هجوماً للسيطرة على العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق.

وفي 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، جددت قوات حفتر هجومها، وأعلنت بدء "المعركة الحاسمة" للتقدّم نحو قلب طرابلس.

في المقابل، تقود ألمانيا حراكاً دبلوماسياً لتسريع وتيرة الحل السياسي عبر جهود لعقد مؤتمر خاص بالأزمة الليبية تحت اسم "مؤتمر برلين"، على أمل تقريب وجهات النظر بين الأطراف الفاعلة في المشهد، إلا أن حدة التناقض في مصالح الأطراف الأوروبية وسرعة تطورات الأحداث على الأرض، جعلا من الموعد المقرر لعقد المؤتمر "على المحك".

إذ عقَّد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق في طرابلس الموقف، بعد أن أدانته اليونان إلى جانب دول إقليمية عدة أخرى، كما عبَّر الاتحاد الأوروبي عن رفضه أيضاً هذه الاتفاقية وتأييده الموقف اليوناني.

وحسب العميد خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإنه "على الرغم من التصعيد التركي غير المحسوب، فإن الأطراف الأخرى في الأزمة لا تزال متريثة، وتتسم بقدرٍ كبيرٍ من التعقّل، لأن الأزمة تتسم بتعدد أبعادها وتعقدها، ومن غير الممكن التعاطي معها بهذا الشكل".

وفيما لا يزال الموعد النهائي للمؤتمر غير مقررٍ بعدُ، ذكرت الحكومة الألمانية منتصف الشهر الحالي أن فرنسا وإيطاليا تدعمان المبادرة الألمانية من أجل السلام في ليبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال متحدّث باسم الحكومة الألمانية إن المستشارة أنغيلا ميركل أجرت على هامش قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل محادثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي حول المبادرة، مضيفاً أن كلا البلدين قدما الدعم للمبادرة المعروفة باسم "عملية برلين"، مشيراً إلى أن المحادثات دارت أيضاً حول الوضع الراهن في ليبيا.

وكان قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا حضّوا في 13 ديسمبر (كانون الأول) كل أطراف النزاع في ليبيا على وقف القتال، بعد أن أطلق المشير خليفة حفتر عملية عسكرية جديدة للسيطرة على طرابلس. وإجمالاً تخشى الدول الأوروبية الثلاث أن يؤدي مزيدٌ من العنف إلى عرقلة الجهود للتوصل إلى سلام.

يُذكر أنه منذ تفجّر الأوضاع في ليبيا، فشل المجتمع الدولي في الضغط باتجاه إقرار حل سياسي بين الأطراف الليبية على الرغم من عقد مجلس الأمن الدولي 15 اجتماعاً لمناقشة الأوضاع في ليبيا دون التوصل إلى اتفاق، إذ تتباين وجهات نظر الدول وتتعارض مصالحها في هذا البلد الغني بالثروات النفطية، الذي يشكل موقعه الجغرافي أهمية استراتيجية فيما يتعلق بأمن دول الاتحاد الأوروبي التي تتخوف من الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية إلى الدول الأوروبية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات