Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاطعة البضائع الإيرانية تنعش الاقتصاد العراقي

الحرس الثوري يتحكم بالصادرات الموجهة إلى بغداد ويتلاعب بالأسعار لصالحه

حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم المنتجات الوطنية (غيتي)

تُعد حرية الاستيراد التي اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 بعيد الاحتلال الأميركي للبلاد وحتى الآن، أحد أهم أسباب التدهور الاقتصادي، التي لم تكن مبنية وفق ضوابط وأسس تحكمها متطلبات الاقتصاد، ومن خلال هذا الاستيراد غير المنضبط أغرقت السوق المحلية بالمنتجات الأجنبية، ما أدى إلى تدهور الإنتاج المحلي.

صنع في العراق

تزامناً مع حملة الاحتجاجات الدائرة في العراق مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أطلق ناشطون حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم المنتجات الوطنية، ومقاطعة ما يُستورد من إيران، كتعبير عن رفض سياساتها في العراق ودعمها لسياسيين وكتل يتهمها المحتجون بأنها سبب تدهور أوضاع البلاد سياسياً واقتصادياً.

وبعدما لاقت تلك الحملات تجاوباً واسعاً من العراقيين، أُثيرت تساؤلات عدّة عن إمكانية تطوير الإنتاج المحلي، ومنافسته للبضائع الأجنبية والمعوقات التي تقف في طريقه، إذ أطلق ناشطون حملات تحت أسماء "دعم المنتج المحلي" و"صنع في العراق" لتحفيز العراقيين على شراء منتجات محلية الصنع ومقاطعة كل المنتجات المستوردة من الخارج.

وعلى الرغم من إخفاقات عدّة للاقتصاد العراقي قبل عام 2003، إلاّ أنّ المتغيرات الاقتصادية التي حصلت بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، لم تؤد إلى تطويره، بل جعلته ساحة مفتوحة لصراعات السيطرة والنفوذ الاقتصادي لدول الإقليم المحيط بالعراق، ومعتمداً بالكامل على النفط كمرتكز أساسي.

فساد واقتصاد بلا ضوابط

في المقابل، يرى اقتصاديون أن سوء إدارة الملف الاقتصادي، وغياب القوانين التي تحمي المنتج المحلي، كانت عوامل بارزة في السماح للدول المحيطة بالعراق بالتحكم في اقتصاده، لا سيما إيران التي وجدت لها منافذ عدّة من خلال مسؤولين عراقيين للسيطرة على الاقتصاد العراقي بعد عام 2003.

ولعلّ أحد أبرز العوامل التي أدت إلى خلو الاقتصاد العراقي من أي ضوابط، السياسات الاقتصادية غير المدروسة للحكومات المتعاقبة، التي حرّرت الاقتصاد وجعلته عارياً بمواجهة اقتصادات مستقرة في المنطقة.

"مؤامرة" على الاقتصاد

ويوضح الاقتصاديون أن الوعي عامل رئيس في دعم المنتجات المحلية، مشيرين إلى أن سياسة الإغراق الاقتصادي التي انتهجتها الدول المحيطة بالعراق والفساد وغياب الخطط الاقتصادية، كلها عوامل أدت إلى تراجع الإنتاج المحلي.

من جهة ثانية، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد إحسان جبر، إن "الوعي الوطني يُعدُّ عاملاً مهماً من عوامل تدعيم المنتجات الوطنية، وما حصل من مقاطعة للمنتجات الإيرانية يسهم عملياً في إمكانية تقوية المنتج المحلي".

ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "الحكومة المقبلة تستطيع استغلال هذا الوعي الوطني المتجه إلى الصناعة المحلية، في ما لو كانت تريد إدارة الاقتصاد بشكل جيد وتحفيز تسويق الصناعة الوطنية".

وعن معرقلات الإنتاج المحلي منذ 2003 وحتى الآن يوضح أن "سياسية الإغراق الاقتصادي المتعمّدة التي تمارسها دول المحيط الإقليمي للعراق، فضلاً عن  عدم دعم الحكومات للقطاعات الإنتاجية، أدت إلى هذا التدهور"، مشيراً إلى أن "سياسيين لديهم مصالح اقتصادية مع الخارج أسهموا في هذا التراجع الكبير".

ويذكر أن "مؤامرات سياسية عدّة أُحيكت على الاقتصاد العراقي، وتحديداً القطاعات الإنتاجية لإعادة هيكلتها"، لافتاً إلى أن "سياسيين كثر يقدمون تلك الخدمات للدول التي ترعاهم وتوفر لهم دعماً سياسياً أوصلهم إلى مناصب مهمة في الدولة".

تهريب وغسيل أموال

وعن سبل تطوير المنتج المحلي، يشير جبر إلى أن "البنى التحتية للإنتاج متوفرة، وهناك نحو 53 ألف مصنع معطل، كل ما تحتاجه هو رفدها بالتطور التكنولوجي للمنافسة، وأن العقبة الوحيدة التي تقف في طريق الإنتاج المحلي هي عدم وجود قيادة اقتصادية وطنية تسعى إلى تطويره".

ويكشف عن أن "عدداً كبيراً من السياسيين يتقاضون أرباحاً من شركات أجنبية مقابل تعطيل الإنتاج لمحلي"، مبيناً أن "الاستيراد غير المنضبط منفذ رئيس لتهريب العملة وغسيل الأموال".

ويرى أن "شرارة انطلاق الاحتجاجات العراقية كانت لدوافع اقتصادية، لتصاعد نسب الفقر والبطالة"، مردفاً "السلطة عملت على تعطيل القطاع الخاص، ما أدى إلى أن تصل نسب البطالة إلى حدود 25 في المئة".

أهداف سياسية

يعاني المستثمرون ورجال الأعمال العراقيون من ضعف القوانين التي تحمي المنتج المحلي مقابل المستورد من المنتجات الأجنبية، وفي حين أشار بعضهم إلى أن أهدافاً سياسيةً لإيران تقف خلف ربط السوق العراقي بالاقتصاد الإيراني بشكل مباشر، كشفوا عن أن للحرس الثوري الإيراني مجسات في الأسواق العراقية تتلاعب بالأسعار وتوجّهها بما يخدم الصالح الإيراني.

في السياق ذاته، يرى المستثمر والاقتصادي رمضان البدران أن "مقاطعة المنتجات الإيرانية تصب في صالح تفعيل الإنتاج المحلي"، مشيراً إلى أن "كل ما يستورده العراق من إيران بإمكانه إنتاجه محلياً".

ويقول لـ"اندبندنت عربية" إنّ "واحداً من أهم أهداف إيران السياسية، ربط السوق العراقية بأسواقها، كي تنهي كل فرص منافسة الإنتاج محلياً"، مضيفاً أن "مقدار الاستيراد العراقي من إيران قليل مقارنةً بناتجه المحلي الإجمالي، وهذا يثبت أن الغايات السياسية في السيطرة على السوق العراقية لها الأولوية على الغايات الاقتصادية".

ويلفت إلى أن "إيران تعتمدت سياسات عدّة، منها تقليل الحصص المائية عن العراق في الأنهر المشتركة، وإغراق السوق العراقية بمنتجات مشابهة لِما يُنتج محلياً، ما أدى إلى إضعاف قطاعات إنتاجية واسعة".

ويرى البدران أن "ارتباط السوق العراقية بإيران ليس عملية عفوية، بل فيها أهداف سياسية معقدة وآليات ومنظومات دقيقة تعتمدها إيران داخل العراق"، مشيراً إلى أن "الحكومة الإيرانية تدعم المزارعين والمنتجين الإيرانيين بأي طريقة لمنافسة المنتج العراقي واحتكار السوق لمصالحها".

وعن سبل تمكين المنتجين العراقيين، يقول إنه "في الوقت الذي تدعم إيران إنتاجها، تحارب السلطات العراقية المنتجين ولا توفر الدعم لهم في إطار حماية المنتج المحلي أو تشريع قوانين تحمي المنتج المحلي وتقوّي الاقتصاد العراقي".

فورة قد تهدأ

في سياق متصل، يوضح خبراء أن تفشي الفساد في مفاصل الدولة الاقتصادية يعيق إمكانية النهوض بالقطاع الصناعي العراقي، فيما بينوا أن الدولة تستعدي القطاع الخاص ولا توفر له أي دعم منذ 2003 وحتى الآن.

ويقول الخبير الاقتصادي حسن الأسدي إن "حملة المقاطعة للمنتجات الأجنبية تشكّل عامل دعم للمنتج الوطني، لكنها ليست كافية".

ويوضح أن "وجود الفساد المالي والإدراي، أدى إلى شلل في كل القطاعات الاقتصادية، ومن ضمنها القطاع الصناعي، فضلاً عن وجود واجهات اقتصادية لمؤسسات سياسية تستخدم الاستيراد كوسيلة للفساد وغسيل الأموال وتهريبه".

ويلفت إلى أن "ما يجري من حملات مقاطعة هي فورة ربما تهدأ ويجب إيجاد خطة استراتيجية طويلة الأمد من قبل الدولة كي يتطور المنتج المحلي"، موضحاً أنه "على الدولة أن تتحلّى برؤية واضحة في ما تريد تطويره من الصناعات".

تجار يشيدون بـ"الحملة"

ويشيد تجار عراقيون بحملة المقاطعة للبضائع الإيرانية، مؤكدين أن منتجات محلية باتت تسد النقص الحاصل نتيجة مقاطعة تلك البضائع.

ويقول مرتضى محمد، وهو أحد تجار المواد الغذائية في بغداد، إن "الإقبال على شراء المنتجات الإيرانية تضاءل منذ بدء حملات المقاطعة بعد التظاهرات الأخيرة"، مضيفاً "الطلب على المنتجات المحلية تضاعف بعد الحملة".

وفي سياق حملة مقاطعة البضائع الإيرانية، أعلنت شركة "كالة" الإيرانية غلق مقرها في محافظة النجف، عازيةً ذلك إلى تكبّدها خسائر كبيرة.

وبالتزامن مع حملات دعم المنتجات الوطنية، ومقاطعة الأخرى المستوردة، نظمت شركات عراقية بازاراً خيرياً في ساحة التحرير وسط بغداد، بالتعاون مع المتظاهرين لعرض منتجاتها، فيما عادت مصانع عراقية إلى العمل بفعل هذا الدعم الشعبي ولتعويض النقص الحاصل في السلع الاستهلاكية.

وينفق العراق سنوياً مليارات الدولارات في إطار استيراد السلع من الخارج، إذ يُقدر إجمالي ما ينفقه سنوياً على التستيراد من إيران بحدود 13 مليار دولار، ومن تركيا بحدود 16 مليار دولار، فضلاً عن الاستيراد من دول عالمية عدة بعشرات المليارات من الدولارات، وسط غياب الدعم الحكومي للشركات العراقية وانعدام الخطط الاقتصادية الحقيقية.

يقدر مراقبون حجم تدخل قطاعي الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنحو لا يتجاوز 10 في المئة، ما يعكس حجم التدهور الاقتصادي والاعتماد شبه الكلي على النفط، فضلاً عن تراجع القطاعات الإنتاجية التي لا تحظى بأي اهتمام حكومي، وتوقف المصانع الإنتاجية وضعف القيود على الاستيراد وانفتاح السوق، ما أدى إلى إحجام المستهلكين عن شراء المنتجات العراقية.

المزيد من العالم العربي