Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل صحيح أن إسرائيل تقتل الفلسطينيين بالخطأ؟

الاعتراف بذلك هو محاولة لتجنب المحاسبة أمام الجنائية الدولية

تستخدم إسرائيل القوة المفرطة ضد غزّة (اندبندنت عربية)

بعد منتصف ليلة 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، أغارت طائرات حربية إسرائيلية، على منزل عائلة أبو ملحوس، وقتلت فيه تسعة أشخاص بينهم خمسة أطفال، وبعدها أوضح جيش الدفاع أنّ الغارة استهدفت مجمعاً عسكرياً لحركة الجهاد الإسلامي، وقُتل فيها قيادي بارز.

لم يكن رسمي أبو ملحوس وعائلته التي تسكن في المنزل، ينتمون إلى أيّ فصيل سياسي أو مسلح في قطاع غزّة، ما جعل إسرائيل تقول إنّها تنوي فتح تحقيقٍ في كيفية مقتل العائلة، وما هو الخطأ الذي وقع فيه جنودها أثناء عملية الاستهداف.

وفور إعلان المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، عزمها التحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، أقر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنّ جنوده قتلوا عائلة أبو ملحوس في غزّة عن طريق الخطأ، على اعتبار أنّ المعلومات الاستخباراتية التي حصلوا عليها غير دقيقة.

قتل بالخطأ الاستخباراتي

أصدر الجيش الإسرائيلي من جهته بياناً ورد فيه أنّ المعلومات الاستخبارية التي جمعت قبل الهجوم، أشارت إلى أن المنزل صُنف كـ "مجمّع عسكري تابع لمنظمة الجهاد الإسلامي"، وقدّر الجيش أن المدنيين لن يُصابوا بأذى نتيجة الهجوم على هذا الموقع الذي لم يكن يُعتقد أنه متاح أمامهم.

وأضاف البيان أنّ الجيش توصل في تحقيقه إلى أنه "على الرغم من وجود نشاط عسكري في المجمع، إلاّ أنّه لم يكن مغلقاً، وفي الحقيقة كان يوجد مدنيون هناك، لافتاً إلى أنه سيتعلم من "أخطائه" للحد من تكرار أحداث مماثلة مخالفة للقواعد".

في المقابل، يقول عاهد فروانة المتخصّص في الشؤون الإسرائيلية إنّ اعتراف الجيش بالقتل عن طريق الخطأ يأتي لمحاولة إنقاذ تل أبيب من المحاسبة على جرائمها أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعدما أعلنت نيتها التحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبتها في المنطقة.

ويضيف "في الواقع، إسرائيل استخلصت العبر من تقرير غولدستن (متعلق بنتائج الحرب على غزّة عام 2008) واتبعت أسلوباً جديداً في عمليات الاستهداف، فتقصف الهدف بصاروخ إنذار تحذيري، ليتم إخلاؤه من المدنيين، وبعدها بدقائق تشن الطائرات الحربية غارتها على الهدف، أو تجري اتصالاً هاتفياً بمالكي البيت تأمرهم بإخلاء المنزل في مدة زمنية محددة".

لكن قبل عام 2008، كانت إسرائيل تشن الغارة على المنازل أو الأهداف من دون أيّ عمليات إنذار، ما أدى إلى سقوط عددٍ كبيرٍ من المدنيين، وارتكابها جرائم قد ترقى لتكون جرائم حرب حسب القانون الدولي وميثاق روما، المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية.

ويوضح فروانة أنّ الهدف من اتباع أسلوب التحذير قبل القصف، تشكيل حالة من الأمان لعدم الوقوع في جرائم حرب، واستخدام ذلك كذريعة أمام المحافل الدولية بأنّها تتبع الأساليب القانونية في المواجهة العسكرية، لتجنب وقوع مدنيين.

وتعتبر إسرائيل أنّ كلّ العمليات العسكرية التي نفذتها في غزة بعد عام 2008، كانت بغطاء قانوني، وتتفاخر بأن لديها أخلاقيات عالية أثناء المعركة مع القطاع أو في أي عدوان.

تهرب من الجنائية الدولية

من جهة ثانية، يشير فروانة إلى أنّ عملية فتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزّة، محاولة للتهرب من الاستحقاق الدولي، فضلاً عن إمكانية استخدامه كذريعة لعدم فتح تحقيق جنائي في الجرم المرتكب.

وتعتقد إسرائيل أنّها في حال فتحت تحقيقاً داخلياً في الجرائم المسجّلة في الملف المقدم ضدّها إلى الجنايات الدولية، فإنّ هذا يسقط الجرم، وإنّ المحكمة الجنائية لا تنظر في القضايا التي يجري فيها تحقيق داخلي.

وبحسب متابعة فروانة، فإنّ إسرائيل محرجة بشدة من موضوع فتح تحقيق في الجنائية الدولية ضدها، وتحاول التهرب من الاستحقاق الدولي بأكثر من طريقة، من بينها فتح تحقيقات داخلية لتبرر للمحكمة والمجتمع الدولي بأنّها لن تتوانى عن محاسبة مرتكبي الأخطاء.

ومن الطرق الأخرى، تسعى إسرائيل الى نفي ولاية الجنائية الدولية على فلسطين كونها دولة غير كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة، وأنّها لا تمتلك سيادة على أراضيها (قطاع غزّة والضفة الغربية). في هذا السياق، يرى فروانة أنّ الأمور ليست في صالح إسرائيل، بخاصة في ملف التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها.

ويعتقد أنّ إسرائيل ستصدر تصريحات عدّة، تفيد بأنها أجرت تحقيقات داخلية، حتى لا يصبح التحقيق الجنائي في جرائمها ضرورياً، في خطوة لمحاولة استباق قرار المدعية العامة للجنائية بدء التحقيق في جرائم الحرب.

لكن ما هو غير مبرر لإسرائيل أنّها تمتلك كل أدوات الرصد لتتأكد من أيّ معلومات استخبارية مقدمة لها، كما تمكّنها تلك الوسائل من التفريق بين المدني والمسلح، وطبيعة الهدف المستهدف.

تحقيقات في جرائم سابقة

من وجهة نظر المراقبين، فإنّ اللجوء إلى التحقيقات له أثر في المجتمع الدولي ويمكن استخدام أبعاده كحجة لإنقاذ إسرائيل من المحاسبة، لذلك تسارع إلى تشكيل لجان تحقيق لاستباق الأمور.

يذكر أنّ إسرائيل ارتكبت عام 2009 جريمة إبادة عائلة السموني التي راح ضحيتها 23 فرداً من العائلة، وعام 2014، قتلت أربعة أطفال من عائلة بكر، فضلاً عن جريمة الجمعة السوداء التي ارتكبتها في مدينة رفح جنوب القطاع، والتي استخدمت فيها القصف العشوائي والإبادة الجماعية، وغيرها من الجرائم التي ارتُكبت في الضفة الغربية.

واللافت أنّ تل أبيب تطلق بعد كلّ عدوان على غزّة تحقيقاً، حتى لا تتحمّل أيّ مسؤولية قانونية تجاه الجرائم المرتكبة أثناء المعركة. ويقول فروانة إنّ نتنياهو يحاول استغلال كل التحقيقات بالتبرير، من أجل تلافي الأخطاء وعدم إيجاد باب للعدالة الدولية.

ويتوقع أن تبدأ إسرائيل بعملية التحقيق في جرائم سابقة، لمحاولة إنقاذ نفسها من الجرائم الدولية، من خلال دراسة الملف المقدم ضدها في الجنائية الدولية، مؤكداً أنّها غير جدية في تحقيقاتها.

لكن الأمر المستغرب أنّ التحقيق في مقتل عائلة أبو ملحوس انتهى في أقل من شهر، بينما التحقيق في الجرائم الأخرى لم ينتهِ بعد، ولم تصدر أيّ نتائج أو تصريحات، على الرغم من مرور أكثر من عام على الانتهاكات القانونية.

وحول مصطلح القتل بالخطأ، يقول فروانة إنّه بات كثير الاستخدام للتملّص من المسؤولية القانونية، ولا يعني هذا الأمر التعويض أو المحاسبة، بخاصة بعدما سنّت إسرائيل قانوناً يقضي بعدم تعويض أيّ طرف يُقتل نتيجة العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية.

المزيد من العالم العربي