Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدعوات إلى تحول ديمقراطي تنتشر في أفريقيا والشرق الأوسط كما اللامبالاة

على من يسعون إلى الإطاحة بالأنظمة الإستبدادية أن يراقبوا أساليب عملها عن كثب وأن يتجاوزوها

مواجهة قوى الأمن الإيرانية للاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود في نوفمبر الماضي (رويترز)

منذ 41 عاماً تقريباً كتب فاتسلاف هافيل عن بائع الفواكه والخضار الذي وضع لافتة بين منتوجاته الزراعية تقول "يا عمّال العالم، اتّحدوا".

هل آمن فعلاً بهذا الشعار؟ "هل يهمّه حقاً اتّحاد عمّال العالم؟" تساءل الشاعر والكاتب المسرحي المنشق حينها.

الجواب "لا" على الأرجح.

وكتب هافيل في مقاله وكتابه الشهير" قوة المستضعفين" "لقد وضعها في نافذة العرض لأنه اعتاد على هذا الأمر منذ سنوات، فالجميع يفعلون الشيء عينه، لذلك أصبح الأمر بديهياً".

وتابع هافيل "أقدم على هذا الفعل لأن هذا ما على المرء أن يفعله إن أراد مجاراة طبيعة الأمور والتناغم مع محيطه. وهذا تفصيل من آلاف التفاصيل التي تكفل له حياة هادئة نسبياً".

احتُفل بتاريخ هافيل وإرثه هذا العام لمناسبة مرور 30 عاماً على الثورة المخملية التي أطاحت بالحكم الشيوعي في البلد المعروف الآن باسم الجمهورية التشيكية.

وقد ترأس هافيل تشيكوسلوفاكيا حتى تقسيمها في العام 1993 ثم ترأّس جمهورية التشيك حتى العام 2003، قبل أن يتوفّى في العام 2011.

لكن حكمة هافيل ورؤيته مناسبة للغاية اليوم فيما تواجه دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغيرها الأنظمة الاستبدادية المستحكمة التي تسعى إلى إخضاع شعوبها.

وشهدت هذه المرحلة الاستثنائية تجدد المطالبات بالتغيير الديمقراطي عبر الشرق الأوسط، وتأثرت المنطقة بأسرها بصخب الأشهر الأخيرة، ما خلا الأنظمة الملكية في أصعب منطقة هي شبه الجزيرة العربية. واندلعت التظاهرات الشعبية ضد الأنظمة الإستبدادية في العراق ولبنان وإيران ومصر ونجحت في الإطاحة بزعماء حكموا لفترة طويلة جداً في السودان والجزائر.

وعلى خلاف الاضطرابات السابقة التي حدثت خلال انتفاضة الربيع العربي في العام 2011، اختفت السذاجة والتفاؤل الأعمى من المعتصمين في الشوارع. فبعد متابعتهم للكوارث التي حلّت في ليبيا واليمن وسوريا، أصبح المتظاهرون في الجزائر وبيروت وبغداد مدركين لصعوبة طريقهم. ووصف أحد الباحثين الوضع الجزائري لي على أنّه "يقظة" الشعب الساعي إلى "إعادة تعريف هويته الجزائرية".

لكن إن وضعنا جانباً احتمال وقوع أي اختراق مفاجئ، نجد أنّ الأنظمة المستحكمة  تدرك كذلك درجة النفوذ التي تتمتع به. وعبر استخدام العنف أو التغيير الصُوَري عبر إقالة مسؤول أو اثنين مثلاً، سعت الأنظمة إلى تفكيك حركات الإعتصام وإضعافها حتى الرمق الأخير ثم اعتقال بعض مثيري الشغب.

وعندما تفشل هذه الإستراتيجية، تقوم بالإنتظار ريثما تنتهي التظاهرات إذ تعتقد – وربّما تكون محقة في هذا الإعتقاد- أنّ عامل الوقت لصالحها. ففي العراق مثلاً، يتوجه معتصمو ساحة التحرير في بغداد أكثر فأكثر نحو بناء يوتوبيا معزولة عن باقي مواطني بلادهم. 

وقال لي أحد الباحثين في العراق "إن ساحة التحرير مذهلة. تستطيع أن تكتب عنها أطروحة دكتوراه. ففي الساحة تُصاغ ثقافة جديدة بالفعل. والتضامن خارجها قوي في كل الأماكن لكن مع نسبة تشاؤم أكبر من تلك التي قد تجدها على وسائل التواصل الإجتماعي العراقية. فعلى الرغم من التضامن والتعاطف القويين، تستمر الحياة اليومية في بغداد دونما تأثُّر بما يحصل".

ويمرّ مسار بلوغ قوة قادرة على التغيير عبر فهم طريقة صوغ الأنظمة الاستبدادية الحياة اليومية، وهو ما حاول هافيل أن يعالجه في مقاله.

وحاول هافيل أن يقيّم طريقة عمل السلطة في النظام "ما بعد الشمولي" الذي يتمتع بدرجة عالية من التقنين والبيروقراطية ويسعى إلى استخدام أساليب ناعمة كي يحافظ على سلطته عبر جذب "الجميع داخل مدار نفوذه ليس بغرض تحقيق هويتهم البشرية بل كي يتنازلوا عنها لمصلحة هوية النظام".

وتعمل الأنظمة في إيران ومصر والجزائر كما الدوائر المتجذّرة في الحكم في العراق ولبنان بدرجات مختلفة من الحنكة. فالقوات الأمنية في إيران أطلقت النار على المتظاهرين وقتلت المئات منهم وفقاً لمنظمة العفو الدولية. ويقال إنّ رجال الميليشيات الملثّمين في العراق قتلوا نحو 400 متظاهر. أمّا حكّام الجزائر من الجنرالات فأكثر دهاءً، وقد اكتفوا باعتقال أبرز المنشقين وعرضوا تنظيم انتخابات لا يشارك فيها سوى المرشحين الذين يدينون بالولاء والطاعة للنظام.

لكن الأنظمة تعتمد بشكل أساسي على لامبالاة السواد الأعظم من الشعوب وانصياعه وخنوعه المذلّ من أجل استمرار حكمها.

وعلى من يسعون نحو التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهونغ كونغ وتشيلي وغيرها من الدول- ومنها جمهورية التشيك التي احتشد معارضو رئيس وزرائها الملياردير في ساحة وينسلاس، موقع الثورة المخملية- أن يعتبروا برؤية هافيل.

أخلوا الساحات واسألوا عن الأسباب التي تدفع بتاجر الخضروات أو صاحب أي متجر أن يعلّق على جدران متجره صور المرشد الأعلى علي خامنئي أو الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعن سبب اختيارهم الحياد موقفاً. 

© The Independent

المزيد من آراء