Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أردوغان يشعل حرب الغاز في شرق بحر المتوسط

مصر: اتفاق "معدوم" الأثر القانوني... وتوترات جديدة بين تركيا والاتحاد الأوروبي

تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن حوض شرق المتوسط يحتوي على غاز طبيعي بقيمة 700 مليار دولار (أ.ف.ب.)

خلال الأيام الماضية وبشكل "مفاجئ"، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تونس، لبحث التعاون من أجل وقف محتمل لإطلاق النار في ليبيا.

تأتي الزيارة بعدما وقعت تركيا اتفاقاً مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً الشهر الماضي، بهدف إنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبي على البحر المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي.

وتقول أنقرة إن الاتفاق يهدف إلى حماية حقوقها بموجب القانون الدولي، وأنها منفتحة على توقيع اتفاقات مماثلة مع دول أخرى على أساس "تقاسم عادل" للموارد.

وتقول اليونان وقبرص، اللتان توجد بينهما وبين تركيا نزاعات بحرية وأخرى على أراضٍ منذ وقت طويل، إن الاتفاق باطل وينتهك القانون الدولي للبحار، ويرى البلدان أن الاتفاق يمثل انتزاعاً للموارد ينطوي على سوء نية ومصمم لتقويض تطوير عمليات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط وزعزعة استقرار المنافسين.

وطردت اليونان السفير الليبي وقدمت شكوى إلى الأمم المتحدة، فيما عبرت قبرص، التي يخضع الجزء الشمالي منها لسيطرة تركيا، عن اعتراضها على الاتفاق التركي الليبي، وأصدر قادة الاتحاد الأوروبي بياناً في قمة عقدت في 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عبروا فيه عن وقوفهم "بشكل قاطع" إلى جانب اليونان وقبرص، وهما عضوان في التكتل.

مصر: اتفاق معدوم الأثر القانوني

وأثارت الخطوة التركية- الليبية انزعاج مصر وإسرائيل اللتين خصصتا استثمارات ضخمة للتنقيب عن مصادر للطاقة في المنطقة، إذ إنها قد تهدد قدرتهما على تصدير الغاز إلى أوروبا، ووصفت مصر الاتفاق بأنه "غير شرعي ومن ثم لا يُلزم"، بينما قالت إسرائيل إنه قد "يعرِّض السلام والاستقرار في المنطقة للخطر".

ودانت مصر الإعلان عن توقيع أنقرة مع رئيس مجلس الوزراء الليبي، فايز السراج، مذكرتيّ تفاهم في مجال التعاون الأمني، وفي مجال المناطق البحرية.

وقال بيان حديث لوزارة الخارجية المصرية إن مثل هذه المذكرات معدومة الأثر القانوني، إذ لا يمكن الاعتراف بها في ضوء أن المادة الثامنة من اتفاق "الصخيرات" السياسي بشأن ليبيا، الذي ارتضاه الليبيون، تحدد الاختصاصات المخوَّلة لمجلس رئاسة الوزراء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح البيان أن تلك الاختصاصات تنص صراحة على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل، وليس رئيس المجلس منفرداً، يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية.

وأضاف "من المعروف أن مجلس رئاسة الوزراء منقوص العضوية بشكل بَيّن ويعاني حالياً خللاً جسيماً في تمثيل المناطق الليبية، ومن ثم ينحصر دور رئيس مجلس الوزراء (محدود الصلاحية) في تسيير أعمال المجلس، وأن كل ما يتم من مساعٍ لبناء مراكز قانونية مع أية دولة أخرى يعد خرقاً جسيماً لاتفاق الصخيرات".

وتابعت الخارجية المصرية "في كل الأحوال فإن توقيع مذكرتيّ تفاهم في مجاليّ التعاون الأمني والمناطق البحرية وفقاً لما جرى إعلانه غير شرعي، ومن ثم لا يُلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط".

وحثت مصر المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته لمواجهة هذا النهج السلبي، الذي يأتي في توقيت دقيق للغاية تتواصل فيه الجهود الدولية بالتنسيق والتعاون مع الليبيين، في إطار مسار برلين للتوصل إلى اتفاق شامل وقابل للتنفيذ يقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يحافظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية، ويساعد على استعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية فيها، ويسهم في محاربة الإرهاب، وأعربت عن مخاوفها من تأثر عملية برلين السياسية جراء هذه التطورات السلبية.

ما دوافع تركيا وليبيا من هذا الاتفاق؟

وبحسب وكالة "رويترز"، فإن هناك نزاعات منذ عقود بين تركيا واليونان على جزر في بحر إيجه، ونزاعات مع قبرص بشأن المياه الإقليمية للجزيرة منذ عام 1974، عندما غزت قوات تركية شمال قبرص بعد انقلاب وجيز للقبارصة اليونانيين.

وبإبرامها الاتفاق مع ليبيا، يقول محللون إن أنقرة جعلت بالأساس اليونان وقبرص في حالة ترقب شديد، مظهرة أنها مستعدة للتحرك بحزم لتحقيق مرادها أو فرض مفاوضات جديدة بخصوص النزاعات القائمة منذ وقت طويل.

في الوقت نفسه، تعرقل تركيا جهود قبرص واليونان وإسرائيل ومصر للتوسع في عمليات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، واضعة حاجزاً أمام خط أنابيب مقترح يمتد من مياه إسرائيل إلى المياه اليونانية القبرصية حتى جزيرة كريت اليونانية والبر الرئيس لليونان وإلى شبكة الغاز في أوروبا عبر إيطاليا. وسيتعين أن يمر خط الأنابيب، الذي تتراوح تكلفته بين سبعة إلى تسعة مليارات دولار، في المنطقة الاقتصادية التركية- الليبية المزمعة.

ويقول محللون إن تركيا أرسلت على نحو فعال رسالة بأنها لن تكون محل تجاهل في شرق المتوسط، ولن تسمح لأعضاء الاتحاد الأوروبي باستخدام ما تعتبره مياهها الاقتصادية، ولا تريد أن يحقق مصدِّرون للطاقة مثل مصر وإسرائيل نفوذاً على حساب تركيا، وهي مستورد صاف للطاقة ودولة عبور.

وفيما يخص ليبيا، فإن الدافع هو الأمن في المقام الأول، وجرى التوصل إلى الاتفاق مع فايز السراج، رئيس الحكومة التي مقرها طرابلس، والذي يخوض صراعاً مع قوة عسكرية منافسة في الشرق هي قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر، ووعدت تركيا بتعزيز الدعم العسكري ومساعدات أخرى للسراج، ورفض البرلمان الذي يتخذ من شرق ليبيا مقراً له، والمؤيد لحفتر، الاتفاق البحري.

ما الذي يعنيه تقدم تركيا نحو غاز شرق المتوسط؟

تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن حوض شرق المتوسط يحتوي على غاز طبيعي بقيمة 700 مليار دولار، وكان يعتبر في مرحلة ما هبة للمنطقة قد تدر إيرادات ضخمة وتساعد في صوغ حل للنزاع القبرصي وبناء علاقات أوثق بين إسرائيل وجيرانها.

لكن مفتاح الوصول إلى قيمة الغاز هو الصادرات ولا توجد طريقة سهلة للقيام بذلك، فخط الأنابيب المقترح تكلفته مرتفعة وسيمتد على عمق ثلاثة آلاف متر في بعض أجزائه، ويضع الاتفاق بين تركيا وليبيا عقبة جديدة أمام جعله قابلاً للتحقق، وفي حين أنه توجد حالات سابقة لعبور خطوط أنابيب في مناطق اقتصادية خالصة لدول أخرى، فإن تركيا لن تجعل الأمر سهلاً.

علاوة على ذلك، سوف تستخدم تركيا هذا الاتفاق لتكثيف مطالباتها للتنقيب عن مصادر الطاقة في مياه قبالة قبرص، حيث أرسلت على مدى أشهر سفناً للتنقيب، وأطلقت في الأيام القليلة الماضية طائرات مسيّرة لعمليات استكشاف.

وكان لدى المحللين بالفعل شكوك بشأن إمكانية نجاح عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بسبب صعوبات تصديره والسعر الذي سيباع به في النهاية، إذ تحظى أوروبا بقدر وافر من غاز أرخص يأتي من روسيا وقطر، والتحرك التركي- الليبي سيزيد فقط من تعقيد تلك الصورة الصعبة.

وقال كاري تاستان، الباحث البارز في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة "فيما يتعلق بالاعتبارات الجيوسياسية وغاز شرق البحر المتوسط، هذا اتفاق كبير، وتقوم تركيا بتحرك كبير لمحاولة فرض مفاوضات بشأن عدد من القضايا، وسيكون حل هذا الأمر صعباً جداً".

توترات جديدة بين تركيا والاتحاد الأوروبي

وبالإضافة إلى وضع تركيا على مسار تصادم مع اليونان وقبرص، يزيد الاتفاق من التوتر بينها وبين الاتحاد الأوروبي ويُضاف إلى النزاعات الحالية المتعلقة بسياسة الهجرة وتساؤلات أوسع بشأن دور أنقرة في حلف شمال الأطلسي.

كما يزيد المخاطر مع مصر التي على خلاف مع أنقرة منذ أطيح في 2013 الرئيس محمد مرسي الذي كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، ويقيم عددا كبير من أنصار الجماعة في تركيا.

وفي ليبيا، فإن مصر متحالفة بشكل أوثق مع حفتر، ما يعني أن القاهرة وأنقرة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالاتفاق البحري.

أما إسرائيل، فهي أكثر حذرا إزاء الخطوة التركية الليبية، ويشير محللون إلى أن أحد أسباب ذلك هو أنه إذا أصبح خط الأنابيب بين إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا غير قابل للتنفيذ، فإنها قد تضطر إلى البحث عن سبل لتصدير الغاز عبر تركيا بدلاً منه.

وعلى الرغم من توتر العلاقات بين إسرائيل وتركيا في السنوات القليلة الماضية، ما زال التبادل التجاري قويا وتعتبر كل منهما الأخرى شريكا استراتيجيا، وسترسل إسرائيل قريبا بعض الغاز إلى مصر لتحويله إلى غاز طبيعي مسال من أجل إعادة تصديره، ولذلك فإنها تعتمد بشكل أقل على اليونان وقبرص.

وروسيا تعد هي الأخرى طرفاً في الأزمة، ففي حين أنها على خلاف مع تركيا بشأن سوريا، فإن البلدين ينسقان فيما يتعلق بسياسات الطاقة، وموسكو حريصة على أن تكون تركيا نقطة عبور لإمدادات الطاقة، لكن الاتفاق بين تركيا وليبيا يضعهما أيضا على طرفي نقيض في ليبيا، حيث تميل روسيا إلى جانب حفتر، وستناقش روسيا وتركيا الدعم العسكري لليبيا في قمة الشهر المقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد