Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة الليبية… هل اصطفت تونس في المحور التركي القطري؟

أحلام السلطان العثماني لا تموت في داخل رجب طيب أردوغان

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة اتفقت مع تونس على دعم حكومة فائز السراج في ليبيا، واليوم الخميس 26 ديسمبر (كانون الأول)، فتح أردوغان الطريق لتدخل عسكري تركي مباشر في ليبيا بإعلانه عن تصويت قريب في البرلمان على إرسال جنود لدعم حكومة الوفاق الوطني.

وقد تباينت المواقف من الزّيارة غير المعلنة للرئيس التركي إلى تونس الأربعاء 25 ديسمبر 2019 بين من يرى أنها اصطفاف معلَن وواضح لتونس للمحور التركي القطري وأنها دليل على انزلاق الدبلوماسية التونسيّة في الاصطفاف، وهي التي بُنيت لسنوات على مبدأ الحياد وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، فما بالك بدولة شقيقة وجارة مثل ليبيا، وبين من يرى أن هذه الزيارة دليل إيمان قوي من تركيا بأهمية تونس في الملف الليبي وبالتالي، فان الزيارة بمثابة إنعاش للدبلوماسية التونسية وتفعيل للدور التونسي في الأزمة الليبية الرّاهنة من خلال العمل على حضورها بقوة في مؤتمر برلين المقرر في بداية السنة المقبلة 2020 والذي سيجمع القوى العظمى لبحث الملف الليبي.

زيارة غير معلنة ذات طابع أمنى وعسكري

وكانت رئاسة الجمهورية التونسية أعلنت عن الزيارة قبل أقلّ من ساعة من وصول الرئيس التركي وجاء في البلاغ بأنها زيارة أخوة وعمل غير معلنة لتونس. وضمّ وفد الرئيس التركي كلاً من وزيري الخارجية والدفاع إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة والمتحدث باسمها ما يؤشر إلى أن الهدف من الزيارة هو أمني استراتيجي لا صلة له بالعلاقات التجارية أو الاقتصادية بين البلدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الزيارة أربكت جهاز الإعلام والاتصال في الرئاسة

وتفاعل عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مع الزيارة بسخرية، إذ اعتبروا أنّ تونس ليست "إيالة" تركية حتى يزورها الرئيس التركي بشكل مفاجئ وان أحلام السلطان العثماني لا تموت في داخل الرئيس التركي مستنكرين توقيت الزيارة وترتيباتها.

وقد أربكت هذه الزيارة جهاز الإعلام والاتصال في رئاسة الجمهورية التي لم تعلن عنها بشكل مسبق، كما تم منع عدد من الصحافيين من الالتحاق بالندوة الصحافية المشتركة للرئيس التركي ونظيره التونسي في قصر قرطاج، وندّدت نقابة الصحافيين في بيان باستمرار سياسة التعتيم التي تنتهجها رئاسة الجمهورية منذ تولي الرئيس الحالي قيس سعيّد مقاليد الحكم، واعتبرت أن سياسة رئيس الجمهورية الاتصالية قائمة على "التمييز بين وسائل الإعلام وغياب الشفافية والآنية في الإعلان عن أنشطة رئاسة الجمهورية وغياب التنظيم المحكم للتغطية الإعلامية".

في المقابل، أكدت المكلّفة بالإعلام والاتصال في رئاسة الجمهورية رشيدة النيفر أن الزيارة غير معلَنة وأنّه تم استقبال القائمة الأولى للصّحافيين التي التحقت بالقصر الرئاسي ولم يكن بالإمكان السّماح لكل الصحافيين دخول القصر لما يتطلبه ذلك من إجراءات أمنية مسبقة.

أحزاب سياسية متخوفة من زيارة أردوغان

من جهة أخرى، عبّرت أحزاب سياسية تونسية، وهي حركة "مشروع تونس" و"التيار الشعبي والدستوري الحر" و"آفاق تونس" و"حزب العمال" في بيانات لها عن توجّسها من أهداف الزيارة التي أداها الرئيس التركي إلى البلاد وخشيتها من الدخول في سياسة المحاور في العلاقة بالملف الليبي. وتتزامن هذه الزيارة مع فراغ حكومي ومأزق سياسي تمرّ به البلاد، لذلك قلّل عدد من المتابعين للمشهد السّياسي في تونس من أهميتها على المستوى التجاري أو الاقتصادي في وقت يصل فيه العجز التجاري لتونس مع تركيا إلى حوالى 20 مليار دولار.

تركيا ترغب فعلياً في الدخول إلى ليبيا

"اندبندنت عربية" سألت المحلل السّياسي والصّحافي التونسي كمال الشارني عن الغاية من هذه الزيارة في هذا التوقيت، فأكد أن الهدف استيضاح الموقف التونسي بخصوص الأزمة الليبية، لان تركيا ترغب فعلياً في الدخول إلى الميدان في ليبيا بعد أن وقّعت مذكرة تفاهم مع الحكومة الليبية برئاسة فائز السّراج وهي لا تحتاج إلى الأراضي أو المطارات التونسية كما يتم الترويج لذلك، لأن تركيا لها وجود في الميدان الليبي ولها الإمكانيات البحرية التي تمكنها من الوصول إلى ليبيا من دون استعمال تونس كجسر.

وعما سيلحق تونس من ضرر في حال نشوب حرب في ليبيا، أكد الشارني أن مشكلة تونس هي استنزاف قواتها الأمنية والعسكرية لضمان الأمن على الحدود الليبية التونسية الممتدة على مسافة حوالى 460 كيلومتراً، وأضاف أنّ التدخل التركي بات مرهوناً في الاتفاق مع روسيا حول شكل هذا التدخل مشدداً على أنّ الصراع الحقيقي بين روسيا وتركيا صراع مصالح حول تقاسم ينابيع الغاز في البحر المتوسط وفي شرق آسيا.

توقيت الزيارة غير مناسب لتونس

من جهته، أكد المحلل السياسي والصحافي الليبي فرج أحميد لـ "اندبندنت عربية" أن توقيت الزيارة ليس مناسباً لتونس بالنظر إلى الوضع الخاص الذي تمر به في غياب حكومة، وفي ظل عدم استقرار سياسي ووضوح الرؤية بالنسبة إلى الديبلوماسية التونسية، بينما التوقيت مناسب لتركيا لأنها وقّعت مذكرة تعاون عسكري مع حكومة السراج وتنتظر موافقة البرلمان التركي على إرسال وحدات عسكرية إلى الأراضي الليبية لو طلبت منها الحكومة الليبية ذلك، لصدّ الهجوم الذي يشنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.

وعبّر فرج أحميد عن أمله أن تلعب تونس دوراً ديبلوماسياً قوياً في الملف الليبي في المستقبل، ولم يستبعد أن تكون الزيارة مؤشراً على اصطفاف تونس لجهة طرف على حساب آخر، وهو ما يشكل خطراً على البلاد، وتراجعاً كبيراً في ما خصّ دورها بالنسبة إلى الملف الليبي.

تونس اصطفت في المحور التركي القطري

من جهته، شدد الصحافي التونسي المختص في الشأن السياسي نزار مقني لـ "اندبندنت عربية" على أن تونس اصطفت بشكل مفضوح مع المحور التركي القطري وتخلّت عن الموقف القديم للدبلوماسية التونسية الذي يرتكز على الحياد الايجابي وتغليب الحل الدبلوماسي ورفض التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وأضاف أن الأراضي الليبية ستشهد حرباً بالوكالة بين قوات أجنبية من روسيا والسودان وقوات من ميليشيا السّراج مدعومة من تركيا من دون أن يستبعد شبح التقسيم الذي يهدّد ليبيا.

الحل في عدم الانجرار وراء سياسة المحاور

وتسارع الأحداث والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة تفرض على الدبلوماسية التونسية التفاعل الايجابي مع القضايا التي تهمّها بشكل مباشر على غرار الملف الليبي، وما على الرئيس قيس سعيد إلا عدم الانجرار وراء الاصطفافات التي لن تجني منها تونس إلا الخيبات ولا سيما في التعاطي مع الأزمة الليبية نظراً للعمق الاستراتيجي التونسي في ليبيا، وكلّ موقف منحاز لطرف من دون آخر قد تدفع البلاد ثمنه غالياً في ظل إمكانية تدهور الوضع الأمني على طول الحدود بين البلدين.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي