Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"رأس السنة" في السينما المصرية... احتفال أم حفلة لجلد الذات؟

الأفلام رصدت هموم المواطنين وقضايا الإرهاب... و"المنسي" و"أرض الأحلام" و"البيبي دول" أشهرها

فيلم "المنسي" الذي رصد حياة المهمشين في مصر يتزامن عرضه مع ليلة رأس السنة على الشاشة كل عام (ويكيبيديا)

على الرغم أن الطقوس الرومانسية والاحتفالات الصاخبة وتجمعات الأصدقاء ‏والأحبة، أجواء تليق كثيرا بمناسبة احتفالات نهاية العام، ولكن السينما ‏المصرية اختارت خطا آخر، حيث كانت تلك الليلة بوابة مضمونة لتمرير ‏الآراء الساخطة والإسقاطات السياسية اللاذعة، فقد ارتبطت هذه المناسبة ‏في مجموعة من أبرز الأفلام بموضوعات أغلبها جادة، وبدت بعضها ‏وكأنها منشور شديد اللهجة.‏

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السياسة تفسد بهجة ليلة رأس السنة

فهل أفسدت السياسة بهجة وصخب تلك المناسبة على الشاشة؟ السؤال يبدو ‏مقبولا جدا، بالنظر إلى أغلب الأفلام التي تناولت مناسبة رأس السنة ‏على الشاشة، فمثلا شهدت مرحلة التسعينيات مجموعة من الأفلام التي حملت ‏توجها سياسيا حادا، وجادا، حيث كانت فترة تألق واحدٍ من رواد تلك النوعية ‏من الأفلام وهو الكاتب وحيد حامد، الذي تناول فيلمه الشهير "المنسي" عام ‏‏1993 للنجم عادل إمام والمخرج شريف عرفة، حياة المهمشين وأصغى ‏لهمومهم عن قرب، وصنع من مفارقة قاسية قصة واقعية تحمل هما اجتماعيا ‏وسياسيا دون خطابات رنانة، حيث الطبقة المخملية التي لا تخلو من الفساد ‏تحتفل بصخب بلية رأس السنة، وتتمتع بكل أنواع الرفاهية على بعد خطوات ‏من مقر عمل ومعيشة وتعاسة عامل التحويلة الذي تتشابه أيامه وسنواته، ولا ‏فرق بين رأس السنة ومنتصفها لديه، يلتقي يوسف المنسي إحدى حاضرات ‏السهرة، ليسرد قصته التي تتشابه في تفاصيلها مع قصص الملايين.‏

 

 

وفي نفس العام أيضا طرح "أرض الأحلام" الفيلم السينمائي الروائي الطويل ‏الأخير لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من إخراج داوود عبد السيد وتأليف ‏هاني فوزي، الأم التي تحاول أن تلحق بفرصتها الأخيرة للسفر إلى أرض ‏الأحلام ليلة رأس السنة حيث الازدحام، والبهجة والتوتر أيضا، تجوب ‏شوارع القاهرة وتصارع الوقت بعد أن اكتشفت أنها أضاعت جواز سفرها، ‏تبحث عنه هنا وهناك، وكلها يقين أنها بمجرد أن تجده سوف تهرع سريعا ‏إلى المطار لابنيها في الولايات المتحدة الأميركية وتهاجر إلى الأبد، ولكن ‏تقابل شخصيات ووجوها، وفي النهاية تكتشف أنها وجدت ذاتها الحقيقية ‏وغيرت قناعتها تماما، الفيلم يناقش فكرة لا تزال مسيطرة وهي الهروب إلى ‏أميركا بأي وسيلة ظنا أنها العيش الآمن والحياة الرغيدة السهلة.‏

هموم اجتماعية وقضايا الإرهاب أيضا

فيلم آخر أعقب "المنسي" و"أرض الأحلام" بعامين بعنوان مباشر عن تلك ‏المناسبة "ليلة ساخنة"، الفيلم قبل الأخير للمخرج البارز الراحل عاطف ‏الطيب، حيث يجمع مكان ضيق بحجم التاكسي شخصيتين، وكأن كل منهما ‏له عالم مغاير، سائق تاكسي مهموم بتدبير مئتي جنيه مصري (ما يقارب ‏‏13 دولارا أميركيا)، لعلاج حماته التي تراعي طفله بعد وفاة زوجته، ‏ويختار العمل ليلة رأس السنة ليضمن زبائن ثرية، ولكثرة التنقل في هذا ‏اليوم. ولكن الصدفة تجمعه بفتاة ليل تائبة وعادت للعمل تلك الليلة أيضا ‏من أجل جمع مبلغ لا يزيد كثيرا على المئتي جنيه لترميم منزلها المهدد ‏بالسقوط، رغم التناقض الظاهري بين كل منهما ولكن على مدار الفيلم ‏يقتربان أكثر فأكثر، ولا يخلو العمل أيضا من التطرق إلى الحديث عن ‏الجماعات الإرهابية، والفيلم من تأليف رفيق الصبان.‏

السياسة والإرهاب أيضا كانتا العنوان العريض لـ"ليلة البيبي دول" عام ‏للمخرج عادل أديب 2008، حيث البطل يعود من الولايات المتحدة ‏الأميركية مع وفد مهم ليقضي احتفال رأس السنة مع زوجته ليصطدم بأنها ‏باعت الشقة وغيرت حياتها، ثم تتقاطع خطوط كثيرة تحمل نقدا للأوضاع في ‏المنطقة العربية، وتسلط الضوء على كثير من نقاط الضعف خصوصا مع ‏محاولات الإرهابي الفيام بعملية لتفجير الوفد الأميركي.‏

 

 

الطابع السياسي يظهر بوضوح وبشكل لافت جدا في مشاهد رأس السنة على ‏الشاشة، حتى بفيلم من أنجح أفلام الكوميديا مثل "جاءنا البيان التالي" ‏للمخرج شريف عرفة، الذي عرض عام 2001، حيث جاء مشهد تسجيل ‏المذيع لتقرير حي من الشارع حول احتفالات المواطنين بتلك المناسبة، ويحمل كثيرا من المفارقات، فبعد أن صور مشاهد طبيعية ‏وحقيقية سخر خلالها المواطنون اليائسون من الاحتفال برأس السنة، بينما هم ‏يفتقدون لأبسط مظاهر الحياة كوظيفة جيدة ودخل ثابت وشقة وحتى ‏‏"العدالة"، يتم تغيير التقرير بعد منحهم رشوة ليتحدثوا وفق سيناريو مزيف ‏يمتلئ بالتفاؤل نظرا لأن آراءهم الحقيقية لم تعجب المسؤولين، وهنا يجد ‏التقرير طريقه للعرض، فلا مجال لقول الحقيقة أبدا.‏

الملاحظ أن فكرة اهتمام السينما المصرية بتلك المناسبة حديثة نسبيا، وكان ‏ظهور الاحتفال برأس السنة في أفلام الأبيض والأسود نادرا ويكون ‏عابرا في أغلب الأحوال، فقد ظهر مثلا في فيلم "أغلى من حياتي" عام ‏‏1965، لشادية وصلاح ذو الفقار حيث تنتظر الزوجة زوجها في سهرة ‏رومانسية ولكن الأمور لا تسير كما هو مخطط لها، أيضا كان الخط ‏الرومانسي الاجتماعي واضحا في فيلم حديث تناول سهرات رأس السنة وهو ‏"سكر مر"، الذي عرض قبل أربعة أعوام لأيتن عامر وأمينة خليل وشيري ‏عادل.‏

 

 

كشف حساب على الشاشة

السينما المصرية في أغلب الأحوال لجأت لفكرة مناسبة كـ"ليلة رأس السنة" ‏لتمرر من خلالها رؤى وقضايا وتطرح هموم الناس، وابتعدت عن المعنى ‏المعروف لاحتفالات تلك الليلة المرتبط بالبهجة والسهر. يقول الناقد ‏أندرو محسن لـ"اندبندنت عربية"، "إن أحد أبرز المفاهيم الشائعة ‏للتعامل مع تلك الليلة مرتبط بفكرة (كشف الحساب)، ومرتبط بفكرة الدخول ‏إلى مرحلة جديدة وبداية مختلفة والأمل بتحقيق طموحات في العام الجديد، ‏والتناول المصري لتلك الفكرة في الأفلام كان مناسبا جدا لطرح حالات ‏التناقض بين طبيعة كل طبقة، ولرصد حياة المهمشين ومن لا تتغير حياتهم ‏أصلا، لأن هناك تقصيرا طوال الوقت بعدم معالجة أخطاء الماضي أو معالجة ‏مشكلات المجتمع والمؤسسات".‏

يتابع محسن، "الأفلام نجحت في رصد تحولات المجتمع وهموم المواطنين ‏مستخدمة يوما فارقا مثل رأس السنة، وبالتالي غابت فكرة عرضه كيوم ‏احتفالي مبهج مثلما يحدث في كثير من الأفلام العالمية، وبات وسيلة لعرض ‏مشكلات الواقع، فمثلا بعض المهن تنظر إلى تلك المناسبة كفرصة لجمع ‏الأموال من المحتفلين فقط لا غير، وآخرون لا يشعرون بالمناسبة من ‏الأساس بسبب كونهم غارقين في أزمات مادية واجتماعية لا تنتهي، بالمقابل ‏هناك فئة تحتفل وتنتظر اليوم بفارغ الصبر، وبالتالي ظهرت الفروق الطبقية ‏من خلال تعامل كل فرد مع اليوم من خلال مشاهد فارقة ولا تنسى ويعتبر ‏مثلا مشهد ليلة رأس السنة بفيلم جاءنا البيان التالي من المشاهد الكاشفة ‏والمهمة والذكية في هذا الصدد".‏

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات