Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق... اصطفافات سياسية جديدة و3 مسارات لاختيار بدائل عن عبد المهدي

"الإرادة العراقية ستتفرد بالموقف على الرغم من التدخلات الإقليمية والدولية"

بعد انتهاء المهلة الدستورية المخصصة لاختيار رئيس وزراء بديل، والدخول في فترة الفراغ الدستوري، يبدو أن الانسداد السياسي في العراق وصل إلى مرحلة خطيرة. فبعد تمسك القوى القريبة من طهران بخياراتها بترشيح قصي السهيل لمنصب رئيس الوزراء، ضمن إطار لا يخرج عن الإرادة الإيرانية، باتت كتلة "البناء" كأنها بعيدة من "دوي" مطالب الشارع الملتهب وتوجيهات المرجعية، متمسكةً بخياراتها التي تحاول تدعيمها بادّعاء أنها الكتلة الأكبر.

ويرى مراقبون أن الاصطفافات السياسية الجديدة تبلورت، وسترغم تحالف "البناء" على الرضوخ للمطالب الشعبية. فقد بينوا أن انعدام الثقة بين الأطراف السياسية من جهة والمنتفضين من جهة أخرى، سيؤدي إلى صعوبة اختيار رئيس الوزراء المقبل، بينما يؤكد المحتجون أن "الشعب هو الكتلة الأكبر" ولن يتنازلوا عن موقفهم الرافض لترشيحات الكتل السياسية، في وقت أعلن تحالف "القوى العراقية" المنضوي تحت إطار تحالف "البناء" سحب ترشيح السهيل لمنصب رئيس الوزراء.

3 مسارات برلمانية

وفي سباق الترشيحات، يتحرك نواب البرلمان العراقي في ثلاثة مسارات... ففي حين تعلن كتلة "البناء" تمسكها بترشيح السهيل للمنصب، على الرغم من الرفض الشعبي له، ترى كتلة "سائرون" ضرورة تمرير مرشحي ساحات الاحتجاج، لكونها الكتلة الفائزة في انتخابات عام 2018، التي أعلنت في وقت سابق تنازلها عن هذا الحق للمحتجين.

أما المسار الثالث، فهو من خلال تحرك 174 نائباً، بعثوا رسالة لرئيس الجمهورية، يطالبونه باعتبارهم "الكتلة الأكبر"، محددين شروطاً يجب توفرها في المرشح للمنصب، وهي أن يكون مستقلاً ممّن لم يتولَّ منصب وزير أو نائب في البرلمان، وأن يكون من غير مزدوجي الجنسية، في محاكاة لمطالب المتظاهرين.

كذلك، يؤكد النائب محمد الخالدي في تصريحات صحافية، أن "التكتل النيابي المكون من 174 نائباً يتجه لترشيح محمد علاوي لمنصب رئيس الوزراء".

لكن هذا الأخير لا تنطبق عليه معايير عدم إشغال منصب حكومي، فضلاً عن شرط ازدواج الجنسية، إذ يملك الجنسية البريطانية، إضافةً إلى شغله منصب وزير الاتصالات في حكومات سابقة.

بين المحكمة والرئيس

العوامل المعقدة والمشتبكة سياسياً، وضعت رئيس الجمهورية في موقف عصيب، إذ طالب مرةً أخرى بتبيان "الكتلة الأكبر" في مجلس النواب، لكن المحكمة الاتحادية أوضحت في مؤتمر صحافي، في وقت سابق، أن "الكتلة الأكبر" تعني "إما الكتلة التي تشكلت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التي تشكلت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية، ودخلت مجلس النواب وأصبحت مقاعدها، بعد دخولها المجلس وأداء أعضائها اليمين الدستورية في الجلسة الأولى، الأكثر عدداً من بقية الكتل".

نواب في كتلة "سائرون" التابعة للتيار الصدري، وصفوا القرار بأنه تأكيد على أحقيتهم بالترشيح، كونهم الكتلة التي قدمت أوراقها رسمياً ككتلة أكبر في الجلسة الأولى، داعين رئيس الجمهورية إلى تقديم مرشح مقبول من العراقيين لتولي منصب رئيس الوزراء.

اصطفافات جديدة

ويرى مراقبون أن الانغلاق السياسي يترأس المشهد الحالي، لكن ضغط الشارع سيدفع إلى إحداث متغيرات في إطار الكتل السياسية، مؤكدين أن كتلة "البناء" ستخضع نسبياً لتلك الإرادة وتحاول تمرير مرشحين من المستوى السياسي الثالث كـ"مستقلين".

في السياق، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن "الانغلاق السياسي سيّد الموقف، لكن ضغط الشارع قد يكون أحد المحفزات التي قد تدفع إلى وجود اصطفافات سياسية جديدة لإيجاد حلول"، كاشفاً لـ"اندبندنت عربية"، عن أن "اصطفاف كتل سائرون والنصر والحكمة وانضمام أياد علاوي لهم، جزء من مخرجات إيجاد حلول في المرحلة المقبلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف أن "قوى اليمين المحافظ ستخضع نتيجة لهذا الاصطفاف، فضلاً عن ضغط الشارع العراقي"، موضحاً أنها "ستبحث عن مساحة وسطية لتقديم شخصيات من المستوى الثالث سياسياً ليبدوا مستقلين وتطرح أسماءهم لمنصب رئيس الحكومة المقبلة".

ويستبعد الشمري احتمالات الحرب الأهلية، واصفاً تلك الأحاديث بأنها "محاولة لخلق فوبيا في الشارع العراقي كي يتراجع عن مواقفه"، ومشيراً إلى أن "الإرادة المحلية ستكون سيد الموقف على الرغم من كل التدخلات الإقليمية والدولية".

تيار الحكمة وخيارات الاستقلالية

ويقول "تيار الحكمة الوطني" بزعامة عمار الحكيم، إنه لا ينوي تقديم أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء المقبل، فيما يوضح أنه يدعم المطالب الشعبية ورؤية مرجعية السيستاني في ضرورة أن يكون المرشح المقبل مستقلاً يحظى بقبول شعبي وسياسي.

في السياق ذاته، يعتبر القيادي في "تيار الحكمة الوطني" فادي الشمري، أنه "أمام البرلمان مسؤولية تاريخية في تبيان الموقف القانوني السليم، وفقاً لتفسير المحكمة الاتحادية حول الكتلة الأكبر".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "تيار الحكمة لم يقدم أي مرشح"، مبدياً دعمهم لـ"المرشح المستقل المقبول شعبياً وسياسياً الذي يملك القدرة والكفاءة على مواجهة التحديات، والاستعداد لتهيئة ظروف انتخابات مبكرة وفقاً للقانون الجديد".

ويكشف الشمري عن اتصالات أجراها "تيار الحكمة" مع تحالف "البناء"، لدفعه إلى التخلي عن موقفه، مردفاً "نصحنا تحالف البناء بالتخلي عن خيارهم بترشيح السهيل، وأبلغناهم بأنه غير مقبول وسيسهم في تعقيد الأمور ودفع الشارع إلى التصعيد، فضلاً عن عدم رضا المرجعية الواضح عن تلك الخيارات"، ومرجحاً عدم إمكانية تمرير ترشيحه للمنصب.

ويتابع "ما عقّد المشهد وتسبّب بالانسداد السياسي الحاصل هو الاتفاق السابق بين الصدر والعامري حول تشكيل حكومة عبد المهدي العام الماضي".

"البناء" تقدم بديلاً

وكشف النائب فائق الشيخ علي، الاثنين 23 ديسمبر (كانون الأول)، عن أن القادة الذين طرحوا "مرشحاً مرفوضاً" لمنصب رئيس الوزراء، جاؤوا بمرشح بديل، في إشارة إلى تحالف "البناء".

وقال إن القادة الذين قدموا "المرشح المرفوض" لرئاسة الوزراء، "قدموا بديلاً جديداً"، محذراً المتظاهرين قائلاً "انتبهوا أيها المتظاهرون، واحذروا يا أبناء الشعب العراقي، الكتل والشخصيات التي وقّعت على مرشحها المرفوض (شعبياً ورئاسياً) فعّلَت خطتها البديلة".

ولفت إلى أن الخطة تقوم على أساس "تقديم مرشح جديد/قديم من ثلاثة أسماء وقعّت على (وثيقة استسلام مهينة) مفادها بأن الحكم لأحزاب السلطة وهم الذين يديرونه ويديرونهم!".

3 أطراف معنية

ويستمر قادة الكتل البرلمانية في تبيان مواقفهم إزاء الترشيحات لمنصب رئيس الوزراء المقبل، بينما يعبّر سياسيون بارزون عن مؤازرتهم لموقف رئيس الجمهورية الرافض لضغط الكتل السياسية، على حد تعبيرهم.

ويقول زعيم "ائتلاف الوطنية" أياد علاوي، إنه أبلغ رئيس الجمهورية برسالة خطية أن المرشح لرئاسة الوزراء من المفترض اختياره بعد استشارة ثلاثة أطراف، هم "المتظاهرون السلميون والاتحادات والنقابات المهنية وبعض القوى السياسية المعتدلة في مجلس النواب"، مضيفاً في تغريدة على "تويتر"، "وبناء عليه، لم ترشح الوطنية أي شخص لرئاسة الحكومة".

من جانبه، نفى ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الاثنين 23 ديسمبر، علمه بالأنباء التي تتحدث عن احتمالية تشكيل حكومة إنقاذ وطني، مشدداً على "ضرورة اختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة وانبثاق المرحلة المؤقتة، استناداً إلى الشرعيتين الدستورية والشعبية، بما يضمن إصلاح النظام السياسي وتحقيق طموحات الشعب".

دعوة مؤازرة للرئيس

في المقابل، عبّر زعيم "جبهة الإنقاذ والتنمية" أسامة النجيفي، عن "مساندته موقف رئيس الجمهورية الرافض لضغوط الكتل السياسية بتمرير مرشح ضد إرادة العراقيين.

وبينما حذر من نتائج الفراغ الدستوري ومآلاته، دعا "النواب والفعاليات الوطنية والشعبية وساحات الاحتجاج إلى مؤازرته وتعضيد موقفه".

ضحايا الاحتجاجات هم "الكتلة الأكبر"

وفيما يستمر التصعيد الاحتجاجي عبر ناشطين للتعبير عن استيائهم من استمرار الكتل السياسية بالصراع، ضاربين بعرض الحائط مطالبهم، أكدوا أن كل خيارات التصعيد حاضرة.

وأبدى الناشط والكاتب علاء ستار، استياءه من عودة الجدل مرة جديدة حول "الكتلة الأكبر"، وقال "ضحايا الاحتجاجات هم الكتلة الأكبر، الشعب هو الكتلة الأكبر، وليست أحزاب هذه الطبقة السياسية الفاسدة".

وعن الكتل البرلمانية الداعمة لمطالب المحتجين، أوضح "ألاّ أحداً يمثل المتظاهرين في البرلمان، ومن ينساق مع مطالبنا ومواصفاتنا، فهو موقف مشرّف بالتأكيد".

وعن الفراغ الدستوري، علّق بالقول إن "فلسفة وجود دستور للدول هي لخلق الاستقرار، وعندما يكون الدستور محفزاً على الاضطراب والانسداد السياسي، فلا خير في بعض نصوصه التي تخلق المشاكل".

سياسيون لم يفهموا الدرس

في المقابل، قال علي المياح، أحد معتصمي ساحة التحرير، إن "الطبقة السياسية لم تفهم الدرس، ولا تزال متأخرة زمنياً عن لحظة انتفاضة أكتوبر، ولم تدرك حتى الآن حجم المتغيرات وما يجب أن يترتب عليها"، مضيفاً "ما يهمنا الآن هو مجيء شخصية تتوفر فيها المعايير والشروط التي طرحتها ساحات الاحتجاج بغض النظر عن الكتل الداعمة".

وعن وسائل التصعيد الاحتجاجي، أوضح أن "كل خيارات التصعيد السلمي وأدواته حاضرة، وبدأنا في ساحة التحرير بالإضراب عن الطعام كخطوة أولى تمهّد لباقي الخطوات التي ستُحدد اعتماداً على مدى استجابة القوى السياسية للمطالب المرفوعة منذ 84 يوماً".

تحذيرات مستمرة

وتعوّل التيارات السياسية القريبة من إيران، التي تملك فصائل مسلحة، على تضاؤل الحراك الاحتجاجي وعدم قدرته على إحداث تغيير عملي، وفي الوقت ذاته تتمسك هذه التيارات بوسائل أخرى، أولها التهديد بنتائج عدم الرضوخ لخياراتها، ما سيؤدي إلى "حرب أهلية"، بحسب مراقبين.

ويبدو أن تلك التهديدات لم تجد أصداءً كبيرة في أوساط المحتجين الذين صعّدوا موقفهم ميدانياً، ودعوا إلى الحشد لمليونية عشية انتهاء المهلة الدستورية، فضلاً عن قطع طرق رئيسة في بغداد والمدن الجنوبية الأخرى، معبّرين عن رفضهم لأي مرشح لا يخضع لإرادة الشارع العراقي.

النجف حاضرة هي الأخرى في هذه الأزمة، ففي ظل التسابق على منصب رئيس الوزراء المقبل، أكدت المرجعية في خطبتها الأخيرة ضرورة الاستماع إلى مطالب المحتجين، فضلاً عن دعمها لخيار الانتخابات المبكرة ضمن أجواء بعيدة من السلاح المنفلت، في إشارة إلى الجماعات التابعة لأحزاب وتيارات سياسية موالية لطهران.

بدوره، حذر زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، من أن تقوم الكتل السياسية بتمرير مرشح كتلة "البناء" قصي السهيل، في محاولة للتماهي مع مطالب المحتجين منذ انطلاق الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. في حين تشير مصادر مطلعة، أن موقف الصدر الداعم أدى إلى تأزيم المشهد بالنسبة إلى القوى الموالية لإيران، ما نتج منه تعرضه لتهديدات من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بحسب مصادر.

تعقيد "الكتلة الأكبر"

وكانت "الكتلة الأكبر" في مجلس النواب العراقي مصدر تعقيد دائم للعملية السياسية العراقية منذ عام 2010، حين جرى الالتفاف على فوز القائمة العراقية بزعامة أياد علاوي، ما أعطى الفرصة لنوري المالكي بتشكيل الحكومة بعدما جاء تفسير "الكتلة الأكبر" لصالحه من قبل المحكمة الاتحادية، التي وصفتها بأنها الكتلة المشكّلة من أكثر عدد من النواب من خلال التحالفات، وليست الكتلة الفائزة.

وما يعقد المشهد الآن، هو عدم حسم جدلية "الكتلة الأكبر" التي جرى تجاوزها بعد اتفاق على تقديم عادل عبد المهدي بتسوية مُرضية بين الصدر والعامري.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي