تجسيداً لرحلة العائلة المقدسة من الناصرة إلى بيت لحم ولقصة الرعاة والمجوس ومغارة الميلاد، ولاستذكار شخصيات ومعالم عالمية مرتبطة بقصة ميلاد السيد المسيح عليه السلام، انطلقت قافلة الميلاد من بيت لحم إلى رام الله وسط الضفة الغربية، لتجوب شوارعها على وقع التراتيل وترانيم العيد وابتسامات "سانتا كلوز" وغزال الثلج، ما خلق جواً من الفرح والتهليل للفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، بحلول عيد الميلاد المجيد.
ست عربات تحمل السلام
ووسط مئات من الفلسطينيين الذين اصطفوا على جوانب الطرقات، شقت القافلة طريقها بعرباتها الست، التي جسّدت كل واحدة منها لوحة ميلادية من قصص الميلاد، يقودها نحو 100 عارض وعارضة، لتنقل معها رسالة حب وسلام من أرض السلام إلى العالم أجمع.
جوليانا الهودلي صاحبة فكرة القافلة تحدثت لـ"اندبندنت عربية" عن هذه المسيرة، وقالت "القافلة هي رسالة للعالم بأننا كشعب فلسطيني من حقنا أن نعيش ونتمتع بحياة كريمة وحرة أسوة بباقي شعوب الأرض، وسعيدة جداً بوجود القافلة للمرة الثانية في مدينة رام الله، حيث ستنطلق بعد ذلك إلى بلدة الزبابدة في جنين شمال الضفة الغربية، ومن ثم إلى مدينة القمر أريحا، وتأتي في إطار إتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة في احتفالات الميلاد المجيد، وعرض قصة المسيح عليه السلام، ولنشر روح العفو والمحبة، وهي رسالة تسامحية قبل أن تكون دينية، إذ نسعى لبث روح التسامح وتعزيزها بين الشعب الواحد".
فلسطين نموذج للتسامح
وكانت فعاليات الاحتفال بالعيد انطلقت في فلسطين منذ الأول من ديسمبر (كانون الأول)، في رسالة للعالم تؤكد أنه يحق للفلسطينيين الفرح والعيش بسلام كباقي شعوب الأرض.
السفيرة أميرة حنانيا مديرة عام اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس، قالت لـ"اندبندنت عربية"، "في فلسطين نموذج نتباهى فيه أمام العالم، فلا أعياد للمسلمين فقط أو للمسيحيين، فالمجتمع الفلسطيني اعتاد أن يحتفل معاً بكل الظروف وفي أحلك الأوقات، وهي تجربة نحاول أن نصدّرها إلى المنطقة والإقليم المجاور، بأن يحذوا حذو الفلسطينيين الذين وعلى الرغم من الاحتلال الإسرائيلي والقهر، لا يترددون في مشاركة الغير بالأفراح والأعياد والمناسبات.
كذلك نتوحد أمام أي خطر محدق بقضيتنا الفلسطينية، ويكون المسيحي والمسلم شريكين في الدم والمصير والنضال. هذا تاريخنا وهذه ثقافتنا الفلسطينية التي نحاول أن نظهرها للعالم ليقف إلى جانبنا، فنحن نستحق العيش بفرح وسلام، وهي رسالة العيد لهذا العام، فنحن نريد عدالة تحمي شعبنا بكل مكوناته، وليس كما تصدرها إسرائيل للإعلام الغربي".
الدين حب
"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"، تهليلات بولادة السيد المسيح، يرددها جورج بفرح وبهجة، وهو يُمسك بيد زوجته وسط رام الله. هما ليسا كأي ثنائي، فجورج وبعد تحديات طويلة وكثيرة استطاع أن يرتبط بزوجته المسلمة، متحدياً بذلك كل العادات والتقاليد والقوانين، التي تمنع هذا النوع من الارتباط.
جورج، الذي فضل عدم ذكر اسم عائلته، قال إن "الحب لا يفرق بين الأديان، عندما قررت الزواج منها كنت على دراية تامة أن حرباً سوف تشن علينا، ومع ذلك خُضنا غمار هذه التجربة التي لاقت استهجاناً ورفضاً تامين، اليوم نحن نقف وسط رام لله نمسك ببعضنا البعض والأمنية واحدة، هي أن يسود الحب والسلام قلوب الجميع. فكما أحترم ديانتها الإسلامية هي أيضاً تُقدّر وتحترم ديني المسيحي وطقوسي وعاداتي وتقاليدي، وما يجمعنا حقاً هو القيم الإنسانية السامية".
بازارات الفرح
ومع اقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة، تكثر في الضفة الغربية البازارات الخيرية التي يعرض فيها الفلسطينيون الزينة والأشغال اليدوية والمنتجات الصوفية والتطريز ولوازم أعياد الميلاد من حلويات ولباس وزينة وأغذية.
وتشهد تلك البازارات مشاركة متنوعة لسيدات وحرفيات في الصناعات والأشغال اليدوية، وهو ما يمنح المعرض طابعاً خاصاً يتميز عن غيره من البازارات.
ساندي كاسبري (50 عاماً) من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، خصصت ريع بازارها الخيري الذي سمته "عطايا الخير البيضاء" للفقراء والأيتام والأسر المحتاجة والجمعيات التي ترعى الأطفال، قالت "نحن كفلسطينيين مجبولون بالمحبة والبهجة، وإدخال كل ما يسر القلب والعين في عيد الميلاد المجيد، وكل الأعياد الأخرى كعيدي الأضحى والفطر، فأنا كمربية وناشطة نسوية أسعى لرسم الفرح على وجوه الأطفال، واستقبال السنة الميلادية الجديدة بالحب والسلام، وإعطاء فرصة لإثبات قدراتنا على العمل المستمر والعطاء، كما أن البازار يمنح نافذة أمل لكثير من النساء اللواتي يصنعن الكثير من المنتجات في منازلهن، وبذلك نحن نساعدهن على التسويق وتحسين دخلهن".