Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكاء الصناعي في "غرفة الأخبار"... هل يهدد الروبوت مستقبل الإنسان؟

خبراء: الصحف الورقية تراجعت في مواجهة أخبار التواصل الاجتماعي، التكنولوجيا توجّه أولويات العمل الصحفي وتحكم مسيرته، إنتاج الأفكار وتوليد الثروات أفضل توظيف لمستقبل الذكاء الصناعي

جلسة"الأخبار والاتجاهات العالمية"من اليسار: الإعلامي علي جابر، مينا العريبي رئيسة تحرير صحيفة "ذو ناشونال" الإماراتية، ماثيو وينكلر رئيس تحرير وكالة بلومبرغ، جيرارد بيكر رئيس تحرير "وول ستريت جورنال" (إندبندنت عربية )

مؤشرات مقلقة تشير إلى انتقال الذكاء الصناعي والثورة الرقمية من خدمة الإنسان إلى منافسته، ومن دعم قدراته ومهاراته البشرية إلى الاستغناء تماما عنه، وآخر ما كان يتصوّره المؤمنون بقيمة ثورة الإنترنت وتقنية المعلومات وتمكين القدرات البشرية من أجل المزيد من الإبداع الإنساني والتفوق البشري هو أن يتحول الذكاء الصناعي إلى خطر قد يكون داهماً، وتهديد ربما هو قادم.

قمة الحكومات

القادم إلى "قمة الحكومات" التي انعقدت في دبي من 10 إلى 12 فبراير (شباط) الحالي توقع أن يستمع إلى أحدث المستجدات الرقمية الداعمة لقدراته الشخصية، لكن الشريك المؤسس ورئيس تحرير شبكة نو وير Know Where الإخبارية ناتانيال بارلينغ صدم الحضور الغفير بقوله "إن الصحف فقدت السيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي بصورة شبه كلية". ومضى قدماً في ضرباته مؤكداً أن الذكاء الصناعي بات يقدم موادا صحافية أكثر موضوعية وأعمق مصداقية من البشر، داعياً الجميع للترحيب الجم والدعم الكامل لأولئك المنضمين إلينا من عالم الروبوتات الموازي، قائلاً "يجب ألا نخشى من قدوم الروبوت إلى عالمنا لو كنا نعي ونفكر في مصلحتنا".

البشر والتكنولوجيا

"إعلام المستقبل بين البشر والتكنولوجيا" لم يعد مجرد عنوان لجلسة، بل تحول إلى موضوع جدل ومثار خلاف في داخل القاعة.

 

فبين غالبية ممسكة بتلابيب العنصر الإنساني في صناعة ونقل وتهيئة الأخبار والمواد الصحافية من جهة، وأقلية مرجحة كفة الذكاء الصناعي والروبوت الصانع والناقل للخبر في غمضة عين، دار حوار محتدم امتد إلى خارج القاعة واستمر طيلة أيام القمة.

بارلينغ يرى أن كم المعلومات المذهل وتدفقها الهائل أفقد الصحافيين القدرة على المتابعة والتحليل. "ببساطة لم يعد الصحافيون هم المسيطرون المهيمنون المحددون لأولويات المجتمعات الخبرية والمعلوماتية. تغير الوضع تماما، وما كان يحدث قبل 30 عاماً حيث يستيقظ الصحافيون من نومهم ليحددوا أولويات العمل ومسارات البحث عن الأخبار، ومن ثم تحديد وتوجيه الرأي العام، لم يعد موجوداً".

صوت كل إنسان

وجود الشبكة العنكبوتية وهيمنة المعلومات الرقمية مكن كل إنسان على وجه المعمورة (طالما هو متصل بالإنترنت) من أن يكون له صوت عبر المنصات العنكوبتية، له القدرة على الوصول إلى الملايين والتأثير عليهم.

يقول بارلينغ "الصحف الورقية فقدت السيطرة على زمام الأمور والأخبار والمعلومات والتحليلات في ظل مواقع التواصل الاجتماعي. الذكاء الصناعي وليس البشر هو المسير الحقيقي لحياتنا. وهذا التحول وحده سيفتح باب العصر الذهبي الجديد للصحافة".

العصر الذهبي

بشرى العصر الذهبي الجديد للصحافة لم تهدئ من روع القاعة. همهمات الحضور لم تفلح في تهدئة الأمور. فقد مضى بارلينغ– الذي تشير شجرة عائلته إلى العمل في الصحافة لأربعة أجيال متتالية- قائلاً "الماكينات وذكاؤها الصناعي قادرة على التحقق من الوقائع والأحداث، ناهيك بإنجاز عمليات تحرير المادة وترجمتها وتهيئتها للنشر في ثوان معدودة".

وعلى الرغم من حجة خفض كلفة الإنتاج الصحافي بفضل الماكينات، وخروج المادة المنشورة بقدر فائق من المصداقية والصحة، ومحاولة بالرلينغ التخفيف من روع الحاضرين بقوله إن الإشراف البشري سيظل مطلوباً، فإن الروع لم يفتر.

الفتور الذي قوبلت به بشرى "العصر الذهبي" للصحافة والإعلام بتسليم مقاليد الأمور إلى الروبوت الأذكى والماكينات الأسرع والمعلوماتية الرقمية الأصدق من قبل متحدثي جلسة "في سباق الأخبار الفيروسية: ما مصير التكنولوجيا؟" طمأن الحضور كثيراً.

محركات البحث العنكبوتية

رئيس تحرير وكالة "بلومبرغ" ماثيو ويكلز، نفي تماماً أن تحل الماكينات محل البشر، قائلاً "الذكاء الصناعي سيقدم يد العون للصحافيين لأداء عملهم بشكل أفضل. أما أن يحل محلهم، فلن يحدث ذلك على الأقل خلال السنوات الكثيرة المقبلة".

الحجة المقبلة التي طمأنت الحضور جاءت من رئيس تحرير "وول ستريت جورنال" جيرارد بيكر، الذي فند عمل محركات البحث العنبكوتية. "نتائج البحث على المحركات الشهيرة والتي دائماً تخبرنا بأنها تعتمد على خوارزميات تضمن الموضوعية تخضع في حقيقة الأمر لمعايير ومدخلات ومخرجات لا تضمن الموضوعية من الأصل. لا يمكن النظر إلى الذكاء الصناعي في ذاته باعتباره ضامناً للموضوعية والمصداقية لمجرد إنه ذكاء صناعي. الأمر أكثر عمقاً وتعقيداً من ذلك".

وذلك ما دقت على أوتاره رئيسة تحرير صحيفة "ذا ناشيونال" مينا العريبي، التي أشارت إلى اعتماد الكثير من المؤسسات الصحافية والإعلامية على الذكاء الصناعي الذي من شأنها تيسير العمل وتسريع وتيرته. لكنها في الوقت نفسه أشارت إلى نوعين من الانحياز الإعلامي في هذا الشأن "الأول هو انحياز منزوع الوعي والمنطق حيث تبجيل للذكاء الصناعي لمجرد إنه ذكاء صناعي، والثاني انحياز يعتمد على سياسات تحريرية وتوجهات سياسية خاصة بكل مؤسسة إعلامية".

ومضت العريبي معددة مجالات العمل الصحافي التي لا يمكن للذكاء الصناعي القيام بها من منطلق إنساني، وذلك بدءاً من جمع المعلومات والسعي للوصول إلى المصادر، مروراً بالتفاعل مع القراء، وانتهاء بعدم الاكتفاء بنقل المعلومة بل رسم الصورة ووصف المشاعر ونقل المذاق.

صراع الروبوت والإنسان

مذاقات الصراع على السلطة والمنافسة على الهيمنة البادية بوادرهما بين الإنسان والماكينة بزغت في جلسات أخرى وقاعات مختلفة وفي نقاشات على الهامش وأخرى في قلب الحدث. ومن قلب القمة، وجلسة عنوانها عن مستقبل العمل ومصائر الوظائف وما يستتبع ذلك من قلق ضار لدى الجميع، لا سيما الأجيال الشابة.

تحدث نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج عن حتمية إطلاق العنان للحلم، حيث أبرز دعائم الاستعداد للمستقبل بمكوناته الرقمية وثورته المعلوماتية هي منصات إنتاج الأفكار وتوليد الثروات.

وأشار بلحاج إلى أن هذا لن يحدث إلا بابتكار طرق جديدة في التعليم وتوفير الدعم المستمر من أولي الأمر، مع توفير شبكات أمان وقدر أكبر من سعة الصدر أمام تطوير النظم والأساليب المتبعة بشكل يتواءم ومتطلبات العالم الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التمكين الرقمي

العالم الجديد الذي كان العالم القديم حتى الأمس القريب يتطلع له بأذرع مفتوحة وأذهان مرحبة لم يعد جنة التمكين الرقمي التي تدعم وتساند وتقوي فقط، لكن ظهرت له أنياب واتضح أن له مخالب.

أحد هذه المخالب يكمن في صراع بين متطلبات سوق العمل، سواء الإعلامي أو غيره، كما اعتاد العالم عليها من إنجاز تعليمي جيد وقدر من المهارات ومن ثم تسلق السلك الوظيفي من قاعدته إلى رأسه، وكلما احتفظ الشخص بوظيفته نفسها قدراً أطول من الوقت كلما كان دليل المهارة وعنوان الشطارة، إلى متطلبات سوق عمل رقمية بامتياز.

نائب الرئيس الأول لـ"لينكد إن" رايان روسلانسكي يشير إلى أن معيار طول الاحتفاظ بالوظيفة نفسها باعتبارها مؤشرا إيجابيا لم يعد كذلك، بل ربما يكون العكس هو الصحيح. يقول "في ظل العصر الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، لم يعد الوضع كذلك. فكل منا أصبح في مقدوره، بل مطلوب منه، أن يظل في عملية تسليم مستمرة وبناء مهارات دائم مستفيداً من التقنيات المتاحة. ولو لم نفعل ذلك فنحن بكل تأكيد خارج سوق العمل، أو في عمل هامشي لا يتطلب الكثير من المهارات". 

قياس "المهارات الناعمة" ليس بالأمر السهل عكس المهارات التقليدية، حيث يمكن إخضاع الشخص لاختبار لغات أو رياضيات أو علوم لتحديد قدرته التحصيلية والعلمية، أما المهارات المكتسبة والتي تصنع "كل الفرق"، على حد تعبير روسلانسكي، فالذكاء الصناعي بات ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، وفي إمكان قاعدة البيانات الهائلة الموجودة على "لينكد إن" استشراف توجهات وماهيات المهارات الناعمة التي هي أساس سوق العمل المستقبلي. ويشير إلى أن "الذكاء الصناعي يدخل حاليا في تصنيع العديد من البرامج الرقمية التي هي أساس صناعات كثيرة. ويمكن القول أن نحو 65 في المئة من طلاب المرحلة الابتدائية حالياً والذين سيدخلون سوق العمل في عام 2025 وظائفهم لم توجد بعد".

وحيث إن غالبية وظائف المستقبل ما زالت في علم الغيب، ووظائف الصحافة والإعلام الحالية "على كف عفريت"، فإن جلسة "مستقبل الاتصال الحكومي" دقت على أوتار حادة وفي الوقت نفسه بالغة الحساسية. فالحاجة إلى تعزيز التواصل بين الحكومات العربية والمجتمعات لم تعد رفاهية، بل ضرورة حتمية ومسألة حياة أو تتبدد في "زعابيب رياح الربيع العربي". هنا لم يعد الحديث كما كان قبل سنوات فقط مبجلاً حرية التعبير دون حدود، وتمكين الكل بسلاح المعلوماتية الرقمية وإمكانية توجيه الرأي العام بتغريدة وتدوينة، بل صار التوجه الأممي أكثر عقلانية وأعمق من حيث المنطقية.

 

وزير شؤون الإعلام في البحرين علي بن محمد الرميحي رأى في نمط التواصل المباشر بين نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والشعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي نموذجاً فريداً له تأثير بالغ الإيجابية، وشجع العديد من المسؤولين الحكوميين على انتهاج نهج التواصل نفسه.

هذا التواصل يمكنه أن يقلل من الاحتكاك الناتج مما يبدو أنه منافسة بين المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة، والتي يرى الرميحي أنها ناجمة عن اختلاف الرسالة والرؤية، ما يجعل الوسائل الحكومية تتريث من أجل التحقق عكس المؤسسات الإعلامية الخاصة التي تركض من أجل السبق.

الصراع من أجل السبق، ومعه الكم الهائل من "المعلومات" و"الأخبار" على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها ما هو كاذب أو مفبرك أو صحيح، يستدعي في رأي الرميحي المزيد من التشريعات، والتي لم تعد سبة عربية، بل إن الإعلام الغربي كذلك وجد نفسه يعاني معاناة كبيرة من فوضى المشهد.

فوضى المشهد

فوضى المشهد، وترجيح كفة "الإعلام الحكومي"، وهي الكفة التي تعرضت للكثير من الانتقاد والهجوم في أوائل بزوغ شمس الثورة الرقمية حيث الإتاحة بلا حدود أو قيود، تحدث عنها رئيس الهيئة الوطنية للإعلام المصرية حسين زين، الذي اعترف بأن أسماء الكيانات الإعلامية "الرُعبيّة" ترزح تحت وطأة المركزية والبيروقراطية، مطالباً بالانتقال إلى مرحلة الفعل، وليس الاكتفاء بالكلام لمن يرغب في استقطاب المتلقي.

زين بالطبع وصف المؤسسات الإعلامية الحكومية بـ"الشفافة" عكس الحسابات الوهمية والمزيفة المنتشرة بالملايين على منصات التواصل الاجتماعي حيث الإشاعات والأخبار الكاذبة بلا ضابط أو رابط، "لا سيما أن الحروب الحديثة هي صراع فكري بحكم كونها أكثر فعالية وأقل كلفة مقارنة بالصراعات العسكرية".

المدير العام للمكتب الإعلامي لحكومة دبي رئيسة منتدى مستقبل الاتصال الحكومي منى غانم المري شددت على أهمية ومحورية قطاع الاتصال الحكومي الذي وصفته بـ"أحد القطاعات الرئيسية المؤثرة في مجتمعاتنا العربية. وعلينا مناقشة مستقبله ورصد أهم التحديات التي تواجهه".

هذا الطرح أعاد الجميع إلى نقطة الانطلاق المثيرة لكثير من القلق وقليل من التطلع، ألا وهي حجم وقيمة وأثر الذكاء الصناعي في صناعة الصحافة والإعلام بما في ذلك الاتصال الحكومي، والعمل الصحافي بأنواعه والمرئي والمسموع بأشكالهما.

 والحقيقة التي خرج بها الجميع هي استحالة التوقع الدقيق لشكل المستقبل، سواء مستقبل الوظائف أو الإعلام أو الحكومات أو الشعوب. هي مجرد ملامح واستشرافات، لكنها مبنية على قدر هائل من المعلومات، والخبرات، واختلاف الرؤى والتوقعات، سواء بين هؤلاء الذين يتوقعون هيمنة رقمية أو أولئك المرجحين كفة استمرار هيمنة البشر بمساعدة الماكينات وسلطة الإنسان بدعم من الذكاء الصناعي.

المزيد من فعاليات