Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

2020 عالم في عنق زجاجة

هذا الحدث بنى عليه الروائي المكسيكي روايته قبل حوالى العقدين حيث يتعطل كل شيء فهذه العطالة السيمياء الرئيسة للتغيير

حرفي روسي ينفخ في الزجاج تحضيراً لزينة أعياد السنة الجديدة (غيتي)

تجذبك شاشة التلفزيون، الأخبار تتدفق متتالية عليك، خبر ينطح خبراً، العاجل يدمغك، حتى تحولّ عيناك، تحاول أن تفهم، لكن تدوخ ولا تفهم، مع نهاية العام، 2020 يدق الباب، العام الذي صُدّر لك بأنه عام الرخاء والمنّ والسلوى، هذا العام يُقبل، وأنت تعيش في "عالم في عنق زجاجة":

البرلمان الأميركي يعمل على عزل الرئيس الأميركي

تونس تعمل من أجل تكوين حكومة

العراق يعمل من أجل تكوين حكومة

لبنان يعمل من أجل تكوين حكومة

الجزائر يُنتخب فيها رئيس مرفوض من الجزائريين

سترات سوداء بعد صفراء تجتاح فرنسا

ومثل ذا الخبر يتكرر مع كل عاجل، حيث ليس ثمة عاجل، غير أن الزملاء في قسم الأخبار، مهووسون بالعاجل، ما بعد الربيع العربي، كما كان (العقيد الليبي القذافي)، مهووساً بمقولة (العالم يتقلب ولا يتغير).

الحقيقة التي تُخفيها، هذه الأخبار المتكررة، أن العالم يتغير، لذا فإن العالم في عنق الزجاجة، ومن سيمياء التغيير، هذه العلامات الدالة: تكرار المشهد، التعصي والصعوبة، حالة محلك سرّ، التقدم إلى الخلف، الأنظمة الميتة الحية، كل هاته العلامات وغيرها، تؤشر إلى أن عنق الزجاجة، المرحلة الأخيرة، التي يرقص الماضي فيها، رقصة الديك المذبوح.

السنة الأخيرة، في العقد الثاني، من الألفية الثالثة، تطل وأوضاع العالم تتعقد، مع انهيار القديم من دون جديد واضح، الجديد مالا نتبين، ما يحدث من دون أن ندرك، ما تحمله الأخبار اليومية المكررة، وما أُسّه أننا نعيش في (عالم في عنق زجاجة). فما يحدث في الجزائر، يحدث في العراق، وما في العراق في لبنان، وأميركا المضطربة، تجُول الرُقعة في حالة سكر، كما فرنسا التي كأنها، تستعيدُ عقد الستينيات من القرن العشرين، حيث تعمها التظاهرات وتغرق في الاضرابات، وغير هذا في العالم، من تفاصيل الحدث الأكبر: القيامة الآن.

العقد الثاني ينتهي، مع إطلالة سنة 2020، لتؤكد أن ما يحدث، يحدث كما جاء في رواية، كنا أشرنا إليها في مقالة نشرت بـ "اندبندنت عربية"، جاء فيها (الروائي المكسيكي كارلوس فوينتيس، يبدأ روايته "كرسي الرئاسة": "اليوم وللمرة الأولى، انتصرت المبادئ، ربما كهدية للجماهير المضطربة، بمناسبة حلول عام 2020 الجديد، قرر الرئيس أن يقدم شيئاً من الرضى الأخلاقي، ففي الرسالة التي وجهها إلى الكونغرس، دعا إلى انسحاب قوات الاحتلال الأميركية من كولومبيا، كما دعا إلى وقف تصدير النفط المكسيكي إلى الولايات المتحدة. وترتب على ذلك أن نُظم الاتصالات في البلد، قد قُطعت مع سائر أرجاء العالم، وأصبحوا من دون فاكسات، أو بريد إلكتروني، أو إنترنت أو خدمة هاتف، ولم يعد لديهم سوى شكلين، من أشكال الاتصال المتاحة الآن، الشفهية والرسائل، وسرعان ما يبرز المتنافسون، الذين يسعون إلى الاستيلاء على السلطة، من خلال الرسائل التي يتبادلونها".

هذا الحدث، بنى عليه الروائي المكسيكي روايته، التي تقع أحداثها عام 2020، وكان كتب ذلك قبل حوالى العقدين من أحداث الرواية، ولقد اعتقد أنه يتخيل، ما سيحدث في ألفية مقبلة، ولم تُكذّبْ مخياله الأحداث، وكأنما في هذه اللحظة الاستثنائية، يأتي الواقع من الرواية، حيث يتعطل كل شيء على أن يكون، فهذه العطالة السيمياء الرئيسة للتغيير، ونحن في حالة ملاحظة للظاهرة التي نعيشها، لا يمكن لنا إدراك ما تغير، تغمرنا التفاصيل ونغرق في اليمّ، وكأن وضعية عالم اليوم، كما عالم، ما بين الحربين العظميين: الأولى والثانية.

الظرف الذي نعيش، يتجلى (ما بين بين)، حيث عالم يحتضر، وعالم يولد مصحوب بتعسر في الولادة، ولذا ما يموت يُرى، عكس ما يُولد، وفي تقديري أن ذلك، يوضحه مسرود" كارلوس فوينتيس"، من في "كرسي الرئاسة"، سرد صيرورة النهاية، من دون إشارة واضحة أو إيماء إلى بداية ما، وفي هذا نحن كما الكاتب، نعيش نهاية متمثلة في (عالم في عنق الزجاجة).

بغض النظر، عما تؤول إليه، الأحداث المشار إليها وما شابه، فهي جزئية في الأخير، تؤشر وتؤكد أنها حجرة في الماء الراكد، ما نتج من الحرب الكبرى الثانية، عصر الذرة فالرقمية، وكل السرديات الكبرى، هذا العصر ما حدث فيه، مقداره وكثافته يُعادلان ما حدث في التاريخ الإنساني الحديث، وقد استنفد عصارته، فأصابه الوهن وشاخ.

وهذا أُسّ ما فيه العالم اليوم، ما يعيش سكرات الموت، وما لم ولن يدرك ما يستجد، بقدر ما يلاحظ في سنواته الأخيرة، الماضية القريبة، من ثورات وأحداث كبرى، وعجز عن التكيف مع ما يحدث، فما يحدث أعظم من أن يُدرك، من قِبل من يعيشه. 

المزيد من آراء