Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاسبة قاتلي المتظاهرين العراقيين على رأس أولويات رئيس الوزراء المقبل

ارتباط القضاء بالقيادات السياسية يعقِّد المحاكمات

لوحة غرافيتي في مدينة النجف العراقية (غيتي)

تتصاعد المطالبات الجماهيرية في ساحات الاحتجاج العراقية، بضرورة تعهّد رئيس الوزراء المقبل بمحاسبة المتورطين بقمع المتظاهرين، إذ يتهم ناشطون قوى سياسية متنفذة ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي وقيادات أمنية والميليشيات بالقيام بعمليات قمع ممنهجة، أدت إلى سقوط آلاف المتظاهرين بين قتيل وجريح، فيما تحاول الكتل السياسية المحافظة على بقائها ودفع المخاوف من احتمالية أن يتم استهدافها بملفات تتعلق بقتل محتجين، من خلال محاولة اختيار رئيس وزراء من داخل المنظومة السياسية المتنفذة.

وبات التشديد على استقلالية رئيس الوزراء المقبل وعدم ارتباطه بالكتل السياسية أمراً ضرورياً بالنسبة إلى المحتجين، إذ يرون أن هذه الطبقة السياسية غير قادرة على حسم تلك الملفات، وترشيح رئيس وزراء من سياقها سيؤدي إلى تضليل تلك القضايا، وعدم التطرق إلى محاسبة المسؤولين الرئيسيين.

وفي السياق ذاته، اكتفت اللجنة الحكومية المختصة بالتحقيق في عمليات قمع المتظاهرين، بإصدار عدد من الإعفاءات بحق قيادات أمنية، فضلاً عن إحالة بعضهم إلى القضاء، لكنها لم تقم بأي إجراءات تُرضي المحتجين، الذين يرون أن القائد العام للقوات المسلحة، وباقي القيادات الأمنية يتحمّلون المسؤولية الأكبر، فضلاً عن اتهامهم ميليشيات مسلحة مرتبطة بكتل سياسية بقتل المحتجين.

ويرى خبراء أن عدم قدرة القضاء العراقي على فك ارتباطه بالقيادات السياسية يصعّب من إمكانية محاسبة المتورطين بقتل المحتجين، وفي حين أشاروا إلى أن استقلالية رئيس الوزراء المقبل ستتيح أمامه إمكانية فتح تلك الملفات، ورجحوا أن تقوم الميليشيات بتصعيد موقفها، فيما لو اُختير رئيس وزراء مستقل.

رهان صعب

يرجح مراقبون أن الكتل السياسية ستقوم بمحاولة التضليل على مسألة محاسبة المتهمين بقتل المحتجين، فيما بينوا أنه من الصعب الرهان على قدرة الحكومة المقبلة على القيام بكل إجراءات المحاسبة.

 في المقابل، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة أياد العنبر، إن "قضية محاسبة المتورطين الكبار بقتل المتظاهرين، تتعلق باستكمال الإجراءات القانونية وجمع الأدلة، لكن محاسبة القيادات الدنيا ليست بهذا التعقيد، حيث إن التقرير الحكومي الأول يدين العديد من القيادات الميدانية والمحافظين".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "ما زال القضاء غير قادر على فكّ ارتباطه تماماً مع القيادات السياسية وإرادتهم، وهذا يزيد من تعقيد مسألة المحاسبة".

ويشير إلى أن "المحاسبة معتمدة على شخصية وقدرة رئيس الوزراء المقبل، إذا كان من النوع الذي يعتقد أنه يرتكز على إرادة الشارع العراقي من دون الالتفات إلى مطالب الكتل واتفاقاتها"، لافتا إلى أن "من أهم ما ستقوم به الكتل السياسية هو محاولة التضليل على مسألة محاسبة المتهمين بقتل المحتجين".

ويوضح العنبر أن "مجرد طرح أسماء المتورطين من القيادات العليا في قتل المتظاهرين يعد انجازاً لأي شخص يحاول استعادة هيبة مؤسسات الدولة والاعتبارات القانونية التي تتعلق بحقوق الإنسان وقمع الحريات"، مضيفاً أن "المنجز الكبير هو استكمال جميع الإجراءات القانونية المتعلقة بإدانة من هم في السلطة، ومن الصعب الرهان على قدرة الحكومة المقبلة على القيام بكل تلك الإجراءات".

فوبيا "الحرب الأهلية"

وتستمر بعض القيادات السياسية بالتحذير من احتمالية انفلات الوضع الأمني والانجرار إلى حرب أهلية، ويقلل خبراء من احتمالية الذهاب نحو هذا الخيار، مبينين أن الأرضية الاجتماعية "متماسكة"، ولا وجود لعوامل الاحتراب الأهلي.

في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن "المحاسبة مرتبطة برئيس الوزراء المقبل، إذا كان من داخل معادلة السلطة، فلا أعتقد أن  محاسبة المتسببين بالقمع ستكون ممكنة".

وتابع، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن "اختيار رئيس وزراء مستقل خارج إطار الأحزاب السياسية سيمكنه من الشروع في مهمة محاسبة القتلة، لكن الأحزاب السياسية ستقف حائلاً أمامه".

وعن التهديدات المتكررة بالحرب الأهلية، بيّن الشمري أن "خلق فوبيا الحرب الأهلية هي واحدة من الوسائل التي يستخدمها المتورطون بقتل المتظاهرين"، مشيراً إلى أن "أرضية الحرب الأهلية غير متوفرة اجتماعياً، والبيئة المجتمعية بشكل عام نافرة من الطبقة السياسية"، مرجحاً أن يكون هناك احتكاك مسلح بين بعض الجهات السياسية.

دعم دولي لرئيس مستقل

في السياق ذاته، قال الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي، إن "استقلالية رئيس الوزراء المقبل ستتيح أمامه إمكانية فتح كل الملفات المتعلقة بالفساد والإرهاب، وليس فقط قتل المحتجين".

وأوضح، أن "تحديات كبرى أمام العراق في المرحلة المقبلة، إذ إن اختيار قائد ضعيف قد يقود البلاد إلى التقسيم"، مرجحاً أن "تقوم الميليشيات بتصعيد موقفها فيما لو اُختير رئيس وزراء مستقل".

وأشار إلى أن "مؤسسات الدولة مبنية على المحاصصة لن تتجاوب مع الرئيس المقبل بحكم هيمنة الأحزاب على المؤسسات، وتحكمها بمسار الدولة، لذلك هناك ضرورة بوجود دعم دولي لرئيس الوزراء المقبل"، مبيناً أن "الدعم الدولي هو الذي بإمكانه تأمين وسائل وأدوات النجاح".

جرائم ضد الإنسانية

في المقابل، يؤكد قانونيون أن القانون العراقي يحمّل رئيس الوزراء مسؤولية ما حصل من جرائم بحق المتظاهرين، مشيرين إلى أن الادعاء العام "قادر على تحريك تلك الدعاوى"، باعتبارها "جرائم ضد الإنسانية".

من جانبه قال الخبير القانوني علي التميمي، إن "الجرائم التي حصلت بحق المتظاهرين، لا تسقط بالتقادم، لا وفق القانون العراقي ولا القانون الدولي".

وأوضح "القانون العراقي يعتبر رئيس الوزراء مسؤولاً عما تقوم به القيادات والأفراد ممن هم أدنى"، لافتاً إلى أن "رئيس الوزراء المقبل يستطيع أن يحرك إجراءات المحاسبة، فضلاً عن قدرة الادعاء العام أيضاً".

وبين أن "هذه القضايا لا تشترط فقط تحريكها من قبل المدعين بالحق الشخصي، لأن فيها حقاً عاماً، ويستطيع المدعي العام أن يحرك هذه الدعاوى، لأنها جرائم ضد الإنسانية".

وكانت القوات الأمنية العراقية استخدمت الذخيرة الحية والقنابل الصوتية، إلى جانب قنابل الغاز في تفريقها التظاهرات، فضلاً عن استهداف متظاهرين في الموجة الأولى للتظاهرات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) من قناصين "مجهولين" فيما لم تتوصل التحقيقات الحكومية إلى أي نتائج بخصوصهم، فضلاً عن استهداف المتظاهرين من قبل جماعات مسلحة تتهم بأنها موالية لأحزاب سياسية.

وارتفع عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى 475 قتيلاً على الأقل، ونحو 27 ألف جريح.

المزيد من العالم العربي