Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استهداف روحاني... سلاح المحافظين في الانتخابات

حديث الإصلاحيين عن استقالة الرئيس الإيراني يستهدف تأمينهم من الخسارة المحتملة في الاستحقاق المقبل

الرئيس الإيراني حسن روحاني وسط حرس الشرف في مطار مهرباد الدولي بالعاصمة طهران (أ.ف.ب)

على الرغم من إعلان النظام تحقيق انتصار في احتواء الحركة الاحتجاجية التي شهدتها إيران في الخامس عشر من الشهر الماضي نوفمبر (تشرين الثاني)، تأكيده على حسم الموقف وإفشال المؤامرة التي كانت تستهدف النظام والثورة لإسقاطهما، فإنه استمر في التعامل مع أسباب ونتائج هذه الاحتجاجات من منطلق أمني تآمري، واستبعاد أي إمكانية لتغيير هذا السلوك، بما يوحي بوجود نوع من إدراك أو فهم الرسالة التي أرادت هذه الاحتجاجات إيصالها إلى الطبقة التي تحكم إيران وتمسك بالسلطة.

وفي استمرار لنهج إشاحة الوجه عن الأسباب الحقيقية لما يعانيه الشعب الإيراني والمأزق الذي وصلت إليه العملية السياسية للنظام، فإن التعامل مع تداعيات الأحداث الأخيرة تطغى عليه عملية البحث عن شخص أو جهة يمكن إلقاء اللوم عليها وتحميلها مسؤولية ما يواجهه النظام منذ عام 2015 وتوقيع الاتفاق النووي. وصولا إلى الاحتجاجات الأخيرة وما رافقها من تراجع كبير في المقدرات الاقتصادية والعجز عن مواجهة النتائج التي لحقت بالاقتصاد الإيراني جراء العقوبات الأميركية الخانقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الإطار، فإن رئيس الجمهورية وإدارته تواجه نوعين من الضغوط المصيرية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، الأول خارجي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية من خلال الحصار الاقتصادي والعقوبات الخانقة التي لم تترك قطاعا من القطاعات الإنتاجية والاقتصادية إلا شملته، وفرضت على المجتمع الدولي الالتزام بتطبيق هذه العقوبات من دون أن تحمل هذه السلة من العقوبات صفة أو إجماع دولي، وبالتالي فإن ذلك شكّل أزمة لحكومة روحاني التي تتمسك بالإبقاء على الاتفاق النووي واستمراره مع الدول الخمس المتبقية بعد انسحاب واشنطن من مجموعهة 5+1 من دون الحصول على المزايا التي كان من المفترض أن يقدمها هذا الاتفاق اقتصاديا وماليا وتجاريا. وهو تمسك شكل حائلا حتى الآن بين النظام وبين العودة إلى العقوبات الدولية عبر مجلس الأمن الدولي، كما ألمح لذلك أواخر شهر سبتمبر (أيلول) وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، الأمر الذي يزيد الاعتقاد بأن المجتمع الدولي بات قريبا من دائرة التفكير الجدي باللجوء إلى هذا الخيار ردا على عدم استجابة إيران لمطلب الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي.

إلى جانب هذ الضغوط الخارجية، يتعرض روحاني وإدارته إلى هجوم داخلي واسع يتخذ أشكالا وأبعادا مختلفة ومتعددة، لعل أبرزها محاولة استقطاب التيار المحافظ تحميل الرئيس وفريقه المسؤولية عن أعمال الشغب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران بعد قرار رفع أسعار الوقود (البنزين)، الذي أكد روحاني "جهله" بتاريخ وضعه قيد التنفيذ في الوقت الذي أعلن فيه أن القرار اتخذ في إطاره العام على مستوى السلطات الثلاث، وبعد موافقة المرشد الأعلى، إلا أن شريحة من التيار المحافظ والأصوليين يدفعون باتجاه استجواب رئيس الجمهورية في البرلمان على خلفية أدائه في إدارة الأزمة الاقتصادية، فضلا عن الإصرار على السير في استجواب بعض الوزراء في الحكومة وفي مقدمتهم وزيري النفط بيجن نامدار زنكنه والداخلي رحماني فضلي.

وأمام الصعوبة التي يواجهها التيار المحافظ في الدفع باستجواب الرئيس وسحب الثقة عنه برلمانيا في هذه المرحلة يعود لعدم اطمئنانه بامتلاك الأكثرية التي تساعد على الاستجواب واتهامهم للمجلس الحالي بموالاة الحكومة وعجزه عن لعب دور المراقب أو المحاسبة على الإجراءات الخاطئة، فضلا عن أن هذه المعركة تدخل في إطار التحشيد للمعركة الانتخابية التي باتت خلف الأبواب في شهر مارس (آذار) المقبل 2020، وبالتالي فإن النقاش الدائر داخل أروقة هذا التيار وخلف الكواليس تتحدث عن إمكانية ألا يسمح البرلمان الجديد – المنتظر في حال حصول التيار المحافظ على الأكثرية أو الغالبية باستمرار روحاني في موقعه الرئاسي والضغط عليه واستجوابه كمقدمة لإجباره على الاستقالة من الرئاسة وعدم استكمال الوقت المتبقي عليها والذي لا يتعدى السنتين، ما يعني حسب اعتقاد قيادات في هذا التيار أنهم سيكونون قادرين على تخفيف معاناة الشعب وقطع الطريق على استمرارها لعامين تاليين، ولعل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الحالي مجتبى ذو النوري كان أكثر وضوحا في التعبير عن هذا التوجه عندما قدم وعودا "بإسقاط روحاني واعتبار هذا الأمر واجبا عليه".

وفي موازاة ذلك يدور جدل بين قيادات إصلاحية ومعتدلة ومعهم بعض وزراء الحكومة، حول إمكانية دعوة روحاني للاستقالة من منصبه وألا يسمح للتيار المحافظ الذي يخطط للسيطرة على البرلمان المقبل باستجوابه، وبالتالي إقالته وتحويله هذا الأمر إلى انتصار يضعه في جعبته في محاربة القوى الأخرى المنافسة، انطلاقا من اعتقاد هؤلاء بأن التيار المحافظ "يخاف من الاستقالة" لأنها قد تساعد في تحويل روحاني إلى رمز وشخصية شعبية تستقطب كل الفئات المعترضة على الأوضاع الاقتصادية، وتحميل المسؤولية في هذا التراجع الاقتصادي للتيار المحافظ وقيادة النظام، على العكس مما يتيحه الاستجواب لهم برمي كرة المسؤولية على روحاني وفريقه وإبعادها عن ملعبهم. الاستقالة لا تشكل مطلبا للجماعات الثورية، والرهان على الانتخابات المقبلة والرأي الشعبي الذي يجب أن يقتنع بالخطأ الذي حصل في الانتخابات الماضية الرئاسية والبرلمانية وبالتالي عليه أن يصل إلى قناعة ذاتية بتغيير وجهة الانتخاب لصالح التيار المحافظ في إطار اللعبة الديموقراطية بما يجعل من الطرف الآخر خاسرا وليس منتصرا، وتعتقد هذه القوى "الثورية" أن حديث الإصلاحيين عن استقالة روحاني يدخل في إطار اصطناع مسافة بينهم وبين الخسارة المحتملة التي ستلحق بهم في الانتخابات المقبلة.

ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة إعادة تموضع وتغيير تكتيكي في مواقف التيارين المحافظ والإصلاحي، ومع وضوح موقف التيار المحافظ القاطع من الجماعات والقوى الإصلاحية والمعتدلة والذهاب إلى الحسم في إخراج هؤلاء من دائرة السلطة والشراكة في القرار حتى بالحد الأدنى، فإن التيار الإصلاحي قد يعود إلى دائرة تعديل موقفه المنتقد بشدة من روحاني والتيار المعتدل المؤيد والداعم له، وذلك انطلاقا من رؤية واضحة لدى هؤلاء تقوم على أن الخلاف مع روحاني لا يجب أن يصب في خدمة مشروع تيار النظام والسلطة، وأن ابتعادهم أو خلافهم مع روحاني في السابق كان نتيجة السياسة البراغماتية وسكوته ومسايرته للتيار المحافظ وعدم الوفاء بالوعود التي أطلقها عند انتخابه والتجديد له.

يبدو أن الأزمات الأخيرة الداخلية والخارجية تركت أثرها على مواقف كلا التيارين، وأسهمت في بروز وجهتي نظر داخلهما متضادتين، ففي مواجهة موقف "ذو النوري" المتحمس، والمعتقد باستجواب روحاني تمهيدا لإسقاطه، يرى محمد تقي رهبر، عضو جماعة علماء الدين المجاهدين المحافظة المتشددة، أن الاستقالة والاستجواب مستبعد عقليا ومنطقيا، ومن يطالب به غير واقعي، واستجواب الرئيس لا شك أنه حق للبرلمان والنواب أحرار في التعبير عن آرائهم، إلا أن استخدام هذا الحق يستدعي مستوى عاليا من الإدراك والرؤية العميقة وحسابات دقيقة "وأعتقد أنهم لم يأخذوا هذه الأمور بعين الاعتبار"، في المقابل فإن الرأي الغالب داخل التيار الإصلاحي لا يدعو إلى استقالة روحاني، ويرى أن الجهات التي تدعو إلى ذلك من داخل الإصلاحيين لا تعبر عن موقف هذه الجماعة السياسية. ما يعني أن كلا الطرفين لا يرى السير في واحد من هذين الخيارين (الاستقالة أو الاستجواب) قد يكون سهلا، ما يجعل المعركة حول روحاني وفريقه بين المعارضين له والمؤيدين جزءاً من مفردات المعركة الانتخابية التي يحاول كل طرف تحسين شروطه لدى الجمهور وفي صناديق الاقتراع، وفي وقت يسعى الإصلاحيون لتحسين شروط بقائهم وعودتهم إلى البرلمان، يسعى المحافظون إلى إخراج خصومهم من دائرة المنافسة والعودة إلى مشاركتهم في القرار البرلمان، وقد أبدى هؤلاء تشددا واضحا حتى في التعامل مع أشخاص تاريخيين في التيار المحافظ مثل علي لاريجاني، من خلال محاسبته على مواقفه المعرقلة لسياسات المحافظين خلال رئاسته الحالية للبرلمان ما أدى بداية إلى توجيه رسالة مباشرة له باستبعاده عن لائحة الأسماء المرشحة على لائحة التيار المحافظ عن محافظة قم، وبالتالي إجباره على عدم التسجيل للسباق الانتخابي والخروج نهائيا من دائرة المنافسة، فهل سينجح التيار المحافظ من استعادة سيطرته وإحكام قبضته على السلطة التشريعية تمهيدا لاستعادة السلطة التنفيذية وبالتالي إعادة تجميع كل مراكز القرار في السلطة والنظام في قبضته؟!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء