Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مكتبة المنزل... رفوف العلم والمعرفة ومتعة القراءة

أرواح مصفوفة تسند بعضها بعضاً على الرغم من اختلافها وجنسيات كتّابها

مكتبة تحتضن عشرات الكتب (بيكساباي)

في الفترة الأخيرة اعتدت شراء الكتب المستعملة، أجهل كيف تخلّى عنها أصحابها، أفضّل الاعتقاد أنهم رحلوا وتركوها وراءهم لأقتنيها.

الكتاب المستعمل مسكون بأرواح كثيرة، مَن كتبه، ومَن اشتراه، ومَن أهداه، ومَن قرأه ومَن استعاره، أكان أعاده أم احتفظ به أم أضاعه؟ الأكيد أن الكتاب مسكون بعيون صاحبه ولمساته العالقة على الصفحات. أجمل الصفحات تلك التي وضع قرّاؤها سطوراً تحت أفكار معينة. أتقمص حينها شخصية القارئ الذي يكون غالباً هو مَن اشترى الكتاب، فليس من اللياقة بمكان أن نستعير كتاباً ونسطّر عليه ما يعجبنا وما يفاجئنا!

لذا لا أحب استعارة الكتب، أحب أن أملكها بشدّة، وأسطّر وأكتب بعض الملاحظات بالحبر على هوامش السطور لأعود إليها مراراً.

أرواح مصفوفة

الكتب، هذه الأرواح المصفوفة في مكتبتنا بألوانها واتزانها في وقوفها تسند بعضها بعضاً على الرغم من اختلافها واهتماماتها وجنسيات كتّابها، إنها أجمل ما يطالعني في بيتنا الصغير، مع أنني أهجرها لفترات ولم أقرأ بعضها بعد، إلا أنها تجعلني أشعر أنني أسند روحي إلى عمود مقدّس. وعندما آتيها بجوع مفرط أجمع حولي عشرة كتب أخشى ألا يتسع عمري للاطلاع عليها كلها وكأنني أريد تناول جرعة حياة، جرعة معرفة، جرعة ثقة، بأن الدنيا على ما يرام.

لم يأتِ عشقي للكتب ومكتبة المنزل صدفة، فلقد كان أبي يبني مكتبة المنزل منذ طفولتنا، وكان يعتبر أن سرقة الكتب وحدها مقبولة، وكان أصدقاؤه يعلمون ذلك، فيفتشونه عند أبواب بيوتهم!

العلاقة مع الكتب المطبوعة أكثر عاطفة وحناناً وحميمية بالنسبة إليّ من الكتب الإلكترونية، مكتوبة كانت أم مسموعة، وعلى الرغم من علاقتي الجيدة بالكتب الإلكترونية قراءة وبحثاً، إلا أنني اعتبرها محايدة بعض الشيء، وأفضّل ملمس الورق ورائحته و"فلفشة" الكتب المطبوعة ووضع علامات التعجب والإعجاب والاستنكار وأدوّن الملاحظات.

فما علاقة الناس بمكتباتهم الخاصة؟ وكيف أنشأوها؟ وما هي علاقتهم بالكتب الإلكترونية؟

دمّرت الحرب مكتبتي

نايف الذي خسر مكتبته في حرب يوليو (تموز) عام 2006، يخبر "اندبندنت عربية" أنه حصل على أول كتاب كهدية من خاله، وهو "قصة العلم"، وكانت أول مرة زار معرض الكتاب عام 1979 وكان عمره 15 عاماً عندما اكتشفه بالصدفة حين كان يعرض في القاعة الزجاجية التابعة لوزارة الإعلام في الحمرا في بيروت، فأخذ مالاً من أبيه وأمه وخاله واشترى مجموعة من الكتب المتنوعة وكان بعضها علمياً والبعض الآخر حول الفضاء. ثم أضاف بعض الكتب القليلة الدينية الموجودة في بيت العائلة وأنشأ مكتبته الخاصة، بعد أن جمع ألواحاً من الخشب وقصّها وألصق رفوفها بالمسامير وكانت عبارة عن ثلاثة رفوف من أنواع خشب مختلفة، واشترى ورقاً بنياً لاصقاً يتناسب لونه ولون الصالون.

بعدها بدأ التردد سنوياً إلى معرض الكتاب وتجميع الكتب وقراءتها، والتي نقلها لاحقا إلى بيته. ثم اشترى عدداً من الموسوعات والكتب المرجعية، وبوّب مكتبته التي كان عدد كتبها يناهز الـ3000 كتاب، إضافة إلى أرشيف الصحف الضخم وأرشيف مرئي (أشرطة فيديو) ومسموع (كاسيت)، والوثائق النادرة التي استحصل عليها من رحلاته، جُمعت كلها في مكتبة منزلية خشبية جميلة مع درف زجاجية احتلّت جدران الصالون كاملة، من الأرض وحتى السقف.

فقدان التاريخ

في حرب يوليو 2006 كان بيته من البيوت التي قصفت في حارة حريك، ولم يسلم إلا نحو 20 كتاباً كانت تحت الركام بعضها محروق، كما اكتشف لاحقاً أن بعضها الآخر لم يكن له!

حينها شعر نايف أنه فقد تاريخه كله الذي جمعه، وقال "لم أحزن على شيء في البيت إلا المكتبة، فجهد 25 عاماً ذهب هباءً، وأوّل ردّة فعل كانت عدم رغبتي في شراء كتب بعد ذلك، ولكني وجدت نفسي أعود وأشتري الكتب لأنشئ مكتبة". وكان قد أخذ عدداً من الكتب إلى دبي، وعاد ليطالب مَن استعار كتاباً منه لاسترداده.

ويقول إنه مع حلول عام 2006 أصبحت بعض الكتب موجودة على الإنترنت، وأنّه خلال سنتين أنشأ مكتبة من تنزيل الكتب الإلكترونية على الكومبيوتر.

عندما أصبحت الكتب موجودة على الموبايل لم يعد لدى نايف مشكلة، إن كان الكتاب ورقياً أو إلكترونياً، حتى أنه يقرأ أكثر على الموبايل لأنه عملي. مع أنه يفتقد لميزة الكتابة على الكتب الورقية، التي تفيد في المراجعة. ويقول إن "من حسنات الكتب الإلكترونية أيضاً إمكانية نقل مقطع وإرساله أو حفظه". ويعتبر أن الكتاب هو أفضل هدية قد يحصل عليها.

مَهري... مكتبة!

مي الخطيب التي لا تحبّذ مبدأ المهر والمقدم والمؤخر لأن الارتباط بنظرها هو شراكة، وليس على الزوج دفع المال بحال الانفصال، فكل شيء شراكة الزواج والانفصال والأولاد ومسؤوليات الحياة، لذا تفضّل أن يكون المهر رمزياً، وهكذا وجدت أن أغلى ما لدى زوجها أحمد، مكتبته التي جمعاها كتاباً كتاباً، ولها رمزية معنوية كبيرة، لذا طلبت أن تكون هذه المكتبة هي المؤخر. وأثناء عقد القران تفاجأ رجل الدين أولاً بطلب العصمة بيدها، ثم بمهرها الذي هو عبارة عن مكتبة. وسألها ماذا تحتوي المكتبة، فقال أحمد إنها منوّعة، فعاد الشيخ وقال يجب أن (تقرّش) أي احتساب ثمنها أو قيمتها المادية فاتفقوا أن يكون 1000 دولار.

أما ماذا تحتوي المكتبة بالفعل التي نصف كتبها لمي ونصفها الآخر لأحمد، ففيها كتب فلسفة ودين وروايات عالمية ومحلية وقصص وموسوعات وكتب جمعاها من بسطات قيمتها عالية جداً، على الرغم من سعرها المنخفض، كأن تكون طبعة أولى قديمة. بعض الكتب تقول مي إنها اشترتها من دمشق طبعة أولى من كتب نزار قباني، قيمتها معنوية جداً بالنسبة إليهما.

والمكتبة هي القطعة الوحيدة التي فصّلتها مي وزوجها في منزلهما، ومن أثمن القطع من نوع خشب ممتاز، وتمتد على طول الحائط، وعلى الرغم من ذلك لم تتسع للكتب بل بقي الكثير منها موضباً في صناديق، وينويان توسيعها بطريقة عملية وجميلة في آن.

وتقول مي "المكتبة ليست فقط لنا، بل لابننا فنحن نريد أن تكون أمامه طوال الوقت، وتكون فكرة الكتاب الورقي في حياته وليس أن يكون الاكتفاء لديه بالإلكتروني".

أما عن قراءاتها، فتقول إنها مرنة في التعاطي مع القراءة ورقياً أو إلكترونياً، ويهمها المضمون والأرشفة، وتضيف بأن ميزة الكتب الورقية أنها تشغل الحواس أكثر، والإلكترونية عملية أكثر وتحفظ على الهاتف والعودة إليها أسهل ولا تحتاج مكاناً للأرشفة والتخزين.

مكتبة في صندوق السيارة

من جهته، زاهر العريضي لديه أربع مكتبات، مكتبة في بيت الأهل وأخرى في بيته الخاص وفي العمل، ومكتبة أيضاً في صندوق السيارة، عديدها مجتمعة نحو 1000 كتاب. ويتابع "علاقته بالكتب بدأت في سن المراهقة، ويعود ذلك لوجود مكتبة في البيت". فجده كان صحافياً ولغوياً وكاتباً، لديه مكتبة لا بأس بها وكتب قديمة تشكل مراجع وأرشيفاً قيّماً، ويعتبر أن هذا العامل فتح له الباب لتصفّح الكتب وخلق علاقة مع الكتاب بشكل عام. وفي هذه المرحلة أيضاً، اكتشف زاهر موهبة الكتابة التي جعلته "يتورط أكثر مع الكتاب"، كما يقول.

ثم بدأ في سن مبكرة في تجميع الكتب كهواية، وأنشأ مكتبته في منزل أهله، وشارك في إنشاء مكتبة في رابطة القرية أيضاً، وأصبح يتردد إلى المعارض لشراء وتبادل الكتب.

لم تكن علاقة زاهر بالكتب أحادية، بل تشارك مع مجموعة من الأصدقاء لقاءً لقراءة الكتب وتلخيصها ومناقشتها كنشاط دائم.

متعة الورق

وعلى الرغم من التغيرات التكنولوجية والسرعة، يقول زاهر "لم يتغير معي شيء بالنسبة إلى الكتاب، ولكنني بت أكثر معرفة بما أريد وأي نوع من الكتب تستهويني وأي منها المفيد، لذلك أصبح اقتناء الكتاب لديّ انتقائياً لإنشاء مكتبة أخرى لي في منزلي الخاص والتي تختلف عن مكتبة أهلي. وعلى الرغم من وجود الكتاب الإلكتروني ما زال الكتاب الورقي يحمل في طياته روح الكلمات ونبض الكاتب ومتعة الورق".

ويخبر أن قراءاته المتعلقة بالعمل يأخذها من مصدر إلكتروني، أما قراءاته الخاصة فهي ورقية من الكتب التي يقتنيها.

مكتبته تحتوي على أنواع مختلفة من الكتب الأدبية والتاريخية والسياسية والعلمية.

ويعتبر زاهر أنه على الرغم من كلّ أنواع التطور والتكنولوجيا لا نزال بحاجة إلى حضور المكتبة والكتاب في بيوتنا والأماكن العامة والخاصة، لأنها "مدخل إلى التحريض على القراءة وباب المعرفة الأول".

المزيد من كتب