Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة الليبية... تركيا تخلط الأوراق فمن يقلب الطاولة؟

"الانزعاج المصري الذي بلغ حد التهديد يعكس حجم الفوضى التي أحدثتها أنقرة في المتوسط"

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصافح رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج في اسطنبول يوم 15 ديسمبر 2019 (أ.ب)

ليست تصريحات المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري، الوحيدة التي أكدت وصول دعم تركي لقوات حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، فالصحافة التركية أيضاً كشفت عن ذلك لتؤكد بدء تدفق السلاح التركي إلى طرابلس ومصراتة، هذا إلى جانب تصريحات قادة الحكومة التركية، وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه المتحفزة للتدخل في ليبيا. وكل ذلك يحدث في وقت تقترب فيه القمة الدولية في برلين من موعد انعقادها أوائل عام 2020 لإنتاج حل سلمي للأزمة الليبية.

وقال المسماري، في مؤتمر صحافي عقده ليل الاثنين 16 ديسمبر (كانون الأول)، إن "الطائرة التي أسقطتها قوات الجيش الجمعة الماضية هي طائرة تركية من الطراز الأول محملة بأسلحة، بعد دخولها منطقة الحظر الجوي"، مضيفاً أن "سلاح الجو استهدف دشماً ومخازن أسلحة وطائرات مُسيرة آتية من تركيا في مصراتة، وأن الغارات التي استهدفت مواقع في مصراتة بلغت سبع غارات جوية".

تخطيط أنقرة

وقبيل الإعلان عن مصادقة البرلمان التركي على مذكرة تفاهم أمنية موقعة مع حكومة طرابلس، سارعت صحف تركية عدة إلى الكشف عن نية تركية لبناء قاعدة عسكرية في طرابلس وإرسال أسلحة وعتاد عسكري ثقيل، مثل الدبابات والطائرات المسيرة، إلى موانئ طرابلس ومصراتة.

وللدلالة على تخطيط أنقرة المبكر للوجود العسكري في ليبيا، كشفت إحدى الصحف أن الحكومة التركية انتهت من دراسة شاملة لبناء تلك القاعدة العسكرية.

وفي هذا الإطار، أكد مصدر حكومي من طرابلس لـ"اندبندنت عربية"، أن "الدعم التركي لم يقف عند إرسال معدات عسكرية، بل أيضاً وصل ضباط وخبراء عسكريون أتراك لدراسة المنطقة والبحث عن مكان مناسب لبناء القاعدة".

وكشف المصدر أن "الفريق العسكري التركي زار مواقع عدة في طرابلس، من بينها قرية بالم ستي في جنزور (الضاحية الغربية لطرابلس)، وقاعدة بوستة البحرية ومعيتيقة، بالإضافة لمواقع عسكرية في تاجوراء، لكنه لم ينتهِ حتى الآن من تحديد موقع القاعدة بشكل قطعي".

وأردف المصدر قائلاً إن "مناطق داخل مصراتة، بعضها بين الأحياء السكنية والمنطقة الصناعية في طرق السكت جنوباً، تتلقى سلاحاً تركياً، كما أن تحركات تحصل من أجل تحديد نقاط في محيط طرابلس لبناء منصات دفاعات جوية".

حجم الفوضى في المتوسط

وفي وقت أكد فيه المصدر أن السراج "يعيش حالة استلاب القرار"، يقول إن "من يقود المعركة هم قادة من مصراتة، على رأسهم وزير الداخلية فتحي باشاغا، وهو ما يفسر تعرض موكب باشاغا لإطلاق نار، لكنه لم يصب بأي أذى".

وفيما لا تبدو النية التركية في التدخل المباشر في ليبيا خفية، يحذر المحلل السياسي حسين مفتاح، من نتائجها السلبية على جهود السلام الدولية والتي انتهت ببلورة رؤية دولية مجمع عليها بشأن الحل السياسي في ليبيا.

وفي حديث لـ"اندبندنت عربية"، قال مفتاح إن "من الجلي أن أنقرة تسعى لخلط الأوراق، فلم تكن طرابلس وحدها هدف الأتراك، وإنما إحداث إرباك كبير في كل المتوسط من خلال اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي يمسّ أغلب دول شرق المتوسط".

وأضاف "الانزعاج المصري الذي بلغ مداه لدرجة تهديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل المباشر في ليبيا يعكس حجم الفوضى التي أحدثتها أنقرة في المتوسط برمته"، لافتاً إلى أن خطورة الاقتراب التركي من طرابلس يتمثل في زيادة التصعيد وإفشال كل جهود السلام التي يبذلها المجتمع الدولي.

كبح طموح أنقرة

وتبدو موسكو من جانبها حريصة على كبح طموح أنقرة التوسعي، فسلسلة الاتصالات التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين بقيادات عدة، من بينهم أردوغان نفسه، انتهت باتصال هاتفي أجراه بوتين مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وانتهى بالاتفاق على "منع التصعيد في ليبيا"، و"ضرورة استئناف الحوار السلمي"، بحسب بيان الكرملين الاثنين.

ورأى أن "المجتمع الدولي يعرف جيداً أن منع التصعيد في ليبيا لن يحدث من دون منع تدفق السلاح، والأتراك اليوم يريدون المجاهرة بذلك بناء على اتفاق أعرج لم يحظَ بتأييد شرعي ليبي، ما يعني انحيازها لطرف ضد آخر"، مرجحاً أن تنجر المواقف الدولية إلى شكل جديد من الانقسام حول ليبيا، وهو ما يعني "تحول ليبيا إلى ساحة حرب مباشرة بين دول عدة".

وعسكرياً، تعيش جبهات القتال جنوب طرابلس حالة هدوء نسبي وسط ضربات مدفعية متقطعة، بينما تتركز أغلب الضربات الجوية التي ينفذها سلاح الجو التابع للجيش على مواقع داخل مصراتة.

مكان تخزين الأسلحة

وليل الاثنين، وسع سلاح الجو من ضرباته الجوية لتشمل مواقع في محيط مصراتة، وتحديداً في مدينة زليتن المحاذية لها غرباً، حيث من المرجح أن تكون مواقع داخل المدن الفاصلة بين مصراتة وطرابلس مكاناً لتخزين الأسلحة الآتية من تركيا، لا سيما وأن بعض هذه المدن يضم مطارات وموانئ.

ويرى الخبير العسكري ناجي حريشة أن "القيادة العامة للجيش لجأت إلى خطط عاجلة من أجل ضرب الخطوط الخلفية لقوات الحكومة، وتحديداً مخازن السلاح الجديد، في مسعى منها لتقليل أثرها على ساحة المعركة وللحد من وصولها كاملة".

لكن حريشة، وفي تصريح لـ"اندبندنت عربية"، حذّر من أن تكون بيانات "النفير العام" التي صدرت في مصراتة ومدن أخرى في غرب ليبيا، وراءها "رسائل سياسية مضمونها التقليل من شعبية الجيش، والقول إن أهالي هذه المدن يرفضون خيار الجيش في تقويض سلطة الميليشيات".

"ضوء أخضر"

كما نبّه من الصمت الدولي المريب إزاء تزايد الرغبة التركية في الوجود عسكرياً في ليبيا، قائلاً "هذا يعني أن ضوءا أخضر تلقته أنقرة من إحدى العواصم الكبرى، في ظل تخوف وقلق من أنباء حول وجود عسكري روسي قريب من صفوف الجيش"، ولا يستعبد حريشة إمكانية تأثير عواصم ذات ثقل في مضمون تقرير خبراء الأمم المتحدة الأخير، الذي خرج في شكل غير متوازن.

وبشكل أوضح، يختصر "مفتاح" سيناريوهات الوضع المقبل في مشهدين، "الأول أن تنجح تركيا في بناء وجود عسكري لها في طرابلس، ما يعني انخراط عسكري آخر إلى جانب قوات الجيش وتحول البلاد الى سيناريو سوري آخر".

والسيناريو الثاني كبح جماح أنقرة وسرعة بناء موقف دولي من رغبتها في التوغل في ليبيا، وإنجاح التحضيرات المتواصلة في برلين، لإنتاج حل سياسي.

ووسط كل ذلك، يرى أن الاقتراب التركي وانخراطه في الملف الليبي ستكون له آثار سلبية حتى في السيناريو الثاني، فهي لن تتخلى عن حكومة الوفاق وستقوي موقفها التفاوضي بعد أن أخرجتها من حصارها داخل طرابلس إلى باحة الخلاف الإقليمي في شرق المتوسط.

المزيد من تحلیل