Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاتفاقية التجارية بين القاهرة وأنقرة... أسيرة التوتر السياسي

الغموض يطوِّق الـ"زيرو جمارك" على سيارات المنشأ التركي... وانقسام بشأنها بين الخبراء والمستثمرين

"رينو"، أحد أنواع السيارات التي يتم إنتاجها في الأراضي التركية (رويترز)

أيام قليلة تفصل بين تطبيق المرحلة الأخيرة من الاتفاقية "المصرية-التركية" على الصادرات والواردات، التي تتيح رفع الجمارك بشكل كامل عن السيارات ذات المنشأ التركي، أو التي تصل نسبة المكون التركي المحلي فيها إلى 60%، لكي تصل إلى "صفر جمارك" بداية العام المقبل 2020، إذ إن القاهرة لم تحسم قرارها بعد في هذا الشأن، وحتى الآن يغلف الضباب موقف الاتفاقية، في ظل توترات دبلوماسية وحرب سياسية بين أنقرة والقاهرة تتصاعد يوماً بعد يوم، وتنذر باندلاع معركة بحرية حول غاز البحر الأبيض المتوسط في أي وقت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اتفاقية التجارة الحرة

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا وُقعت منذ 14 عاماً، وتحديداً في 27 ديسمبر (كانون الأول) منذ عام 2005، بينما طُبقت فعلياً في مارس (آذار) 2007، وتنص على خفض الرسوم الجمركية على الواردات والصادرات بين البلدين، التي تبلغ نسبة المكون المحلي فيها 60% في الدولتين، بشكل تدريجي بنسبة 10% حتى تصل في عام 2020 إلى مرحلة "الزيرو جمارك".

ونفذّت مصلحة الجمارك المصرية تخفيضات جمركية بنسبة 90% في يناير (كانون الثاني) 2019 لتصل إلى المرحلة الأخيرة (زيرو جمارك) بعد أسبوعين فقط، في ظل موقف غامض من الحكومة المصرية واختلاف وجهات النظر بين الخبراء والمستثمرين المستوردين والمصدرين، فبعضهم طالب بإلغاء الاتفاقية بناء على التوترات السياسية بين البلدين، رداً على المحاولات التركية لضرب استقرار مصر في شتى المجالات وإيقاف مسيرتها الاقتصادية والسياسية، بينما طالب البعض الآخر بضرورة الفصل بين العلاقات السياسية والاقتصادية، نتيجة الضرر الذي سيطول الطرفين في حال الخلط بين السياسة والاقتصاد.

لجنة لتقييم الاتفاقيات التجارية المصرية الخارجية

ولا يزال موقف الحكومة المصرية غامضاً فيما يتعلق بتنفيذ المرحلة الأخيرة من الاتفاقية، ويبدو أنها لم تحسم أمرها بعد، ولا تزال في مرحلة مباحثات حول هذا الأمر، فيما أكد وزير المالية المصري محمد معيط، في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية" أن المجموعة الوزارية الاقتصادية شكّلت لجنة وزارية برئاسة وزارته لدراسة وتقييم جميع الاتفاقيات التجارية الثنائية التي وقّعتها الحكومة مع الدول الأخرى أو الاتحادات الدولية والمناطق الاقتصادية، موضحا أن الاتفاقية (المصرية – التركية) من بين الاتفاقيات التي ستُراجع قطعاً.

وبحسب معيط، سيكون هدف اللجنة مراجعة الاتفاقيات للوقوف على مدى استفادة مصر منها، وكذلك ضمان استفادة كل طرف فيها، قائلاً، "هناك اتفاقيات أضاعت عشرات المليارات من الجنيهات، وأخرى كانت تكلفتها كبيرة على الخزانة العامة للدولة، لكنها في الوقت نفسه وفرت الآلاف من فرص العمل أمام الشباب".

تأثير تطبيق الاتفاقية محدود

فيما قال عفت عبد العاطي، رئيس شعبة السيارات في الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، "إن وصول الجمارك على السيارات الواردة من تركيا إلى مرحلة (الزيرو)، تسهم في خفض الأسعار إلى نحو أربع سيارات فقط تَرِد من تركيا"، موضحاً "أن نسبة الخفض تتراوح في حال تطبيقها بين 4 و6% عن الأسعار في الوقت الحالي، بينما ستتراوح أسعار السيارات التركية بين 300 و500 ألف جنيه (نحو 31 ألف دولار أميركي)، مشيراً إلى قيمة انخفاض أسعارها لن تزيد على 10 آلاف جنيه (نحو 622 دولارا).

وأكد رئيس الشعبة أن تأثير تطبيق آخر مرحلة من الاتفاقية على السيارات "وارد تركيا" من عدمه سيكون محدوداً على أسعار السيارات في السوق المحلية، نظراً إلى محدودية السيارات التركية في مصر، مقارنة بالسيارات الكورية أو الأوروبية، رافضاً الربط بين خفض الجمارك على السيارات التركية، والخفض المماثل بالنسبة إلى السيارات الأوروبية، قائلاً، "الفارق كبير وواضح"، لافتاً إلى "أن الخفض قد يطال أيضاً السيارات المنافسة للسيارات التركية، لكنه لن يتخطى الـ5%".

 

 

سيارات تركية الصنع في شوارع القاهرة

 وتتنوع السيارات التركية في مصر بين سيارات من أنواع "فيات تيبو" و"رينو ميجان" و"تويوتا كورولا" و"هيونداي إلنترا" و"أوبل أسترا"، حيث تصنعها شركات إيطالية وفرنسية ويابانية وكورية وألمانية على الأراضي التركية، وشرط إعفائها أن يصل نسبة المكون المحلي التركي من المنتج النهائي 60%، وهو البند الأساسي في اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

وأعلنت مصلحة الجمارك المصرية أن إجمالي قيمة الرسوم والضرائب عن رسائل السيارات وقطع الغيار المفرج عنها في جمارك الإسكندرية، خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على السيارات ذات المنشأ الأوروبي، بلغ نحو أربعة مليارات جنيه، حُصِّل عنها 1.2 مليار جنيه (نحو 75 مليون دولار) كضرائب ورسوم.

وأشار تقرير الجمارك إلى الإفراج عن 10983 سيارة "ملاكي" من مختلف الموديلات في جمارك الإسكندرية، تبلغ قيمتها نحو ثلاثة مليارات جنيه (187 مليون دولار) خلال نوفمبر الماضي، منوهاً إلى أن عدداً كبيراً من السيارات الملاكي استفادت من مزايا اتفاقيات الشراكة المصرية الأوروبية والتركية وأغادير، وبلغت قيمة الإعفاء أكثر من 1.6 مليار جنيه (نحو 100 مليون دولار).

وكشف مصدر مسؤول في الجمارك المصرية أن عدد السيارات التي أُفرج عنها في مرفأ الإسكندرية البحري (أكبر مرفأ للسيارات المستوردة) خلال نوفمبر الماضي بلغ 370 سيارة تركية بأنواع مختلفة.

الصراع السياسي يخيم على الملف الاقتصادي

وحول تطبيق المرحلة الأخيرة من الاتفاقية في ظل صراع سياسي (مصري-تركي) بلغ ذروته  في الفترة الأخيرة، بعد توقيع تركيا مذكرة تفاهم في المجالين الأمني والبحري مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس الليبية، وهو ما رفضته مصر واليونان وقبرص باعتبار أنه تحرك تركيا غير شرعي ومخالف للقانون الدولي والقوانين المنظمة للحدود البحرية، ما قد يشعل الموقف في البحر المتوسط في أي وقت.

وكشف مجدي عبد العزيز، مستشار وزير المالية لشؤون الجمارك، أن "مصلحة الجمارك المصرية التابعة لوزارة المالية ما هي إلا جهة تنفيذ فقط، ولم تُخطر حتى الآن سواء بتأجيل تطبيق الشريحة الأخيرة لاتفاقية الشراكة المصرية التركية بنسبة 10% لتصل إلى مرحلة (الزيرو) أو تنفيذها".

وتابع عبد العزيز "وزارة التجارة والصناعة هي المنوط بها اتخاذ القرار، وإذا لم تخطرنا بالتأجيل حتى 1 يناير 2020 تدخل المرحلة الأخيرة من الاتفاقية حيز التنفيذ تلقائياً"، مؤكداً "أنه بشكل عام، فإن القيادة السياسية لديها توجه في الوقت الراهن لتشجيع الصناعة الوطنية ومنها قطاع السيارات، كونه من القطاعات التنموية الرائدة للعديد من الدول"، متوقعاً "أن يصدر قرار بتأجيل الشريحة الأخيرة".

 

 

5 مليارات دولار حجم الميزان التجاري بين القاهرة وأنقرة

في المقابل، قال عادل لمعي، رئيس الجانب المصري في مجلس الأعمال المصري-التركي "إننا كرجال أعمال ومستثمرين من الجانبين، سواء المصريين أو الأتراك، نفصل بين العلاقات السياسية والاقتصادية منذ عام 2013، ونتيجة هذا الفصل بلغ الميزان التجاري بين مصر وتركيا نحو 5 مليارات دولار حتى نهاية يونيو (حزيران) 2019"، مؤكداً "أن حجم الاستثمارات التركية في مصر يصل إلى 3 مليارات دولار، وفي المقابل تبلغ الاستثمارات المصرية على الأراضي التركية نحو ملياري دولار".

وتابع لمعي، "لا يجب أن ننظر إلى الأمر من جانب واحد فقط"، لافتاً إلى "أن مصر تصدِّر إلى تركيا منتجات مثلما تستورد منها، وفي حالة إلغاء البند الأخير من اتفاقية السيارات قد تمنع أنقرة الصادرات المصرية من دخول أراضيها"، مطالباً بتغليب العقل والفصل التام بين الملفين الاقتصادي والسياسي حتى تستقيم الأمور.

واستشهد رئيس مجلس الأعمال المصري-التركي بالعلاقات بين مصر وأميركا من جانب، أو بين مصر وإسرائيل من جانب آخر، موضحاً "أن الدول الثلاث موقعة على اتفاقية (الكويز)، والعلاقات السياسية بينها تتقلب كل حين، وحدث ذلك في السنوات السبع الماضية، ومع ذلك لم تتأثر الاتفاقية بالتوترات السياسية بينهم.

طلب إحاطة في البرلمان المصري

ورداً على "لمعي"، طالب محمد المرشدي، رئيس شعبة الصناعات النسيجية، وعضو البرلمان المصري، بإلغاء الاتفاقية فوراً، وكشف أنه سيتقدم بطلب إحاطة تحت قبة البرلمان هذا الأسبوع لإلغاء الاتفاقية المصرية-التركية، بل ووقف التعاون الاقتصادي بالكامل بين البلدين، مرجعاً ذلك إلى الانتهاكات التركية للشأن المصري والتدخل المستفز منذ 6 سنوات تقريباً، متسائلاً "كيف نتعاون اقتصادياً مع دولة لا ينشغل رئيسها يوميا سوى بتهدد استقرار مصر ليل نهار؟".

وحول العقوبات التجارية التي قد تطال القاهرة نتيجة التراجع عن تنفيذ آخر مراحل الاتفاقية أكد المرشدي "أن الاتفاقيات الثنائية بين الدول لا توقع عليها عقوبات تجارية من منظمة التجارة العالمية، خصوصا إذا كانت مبررات الإلغاء كافية، وأعتقد أن ما تقوم به القيادة السياسية التركية ضد مصر مبرر كاف لنسف الاتفاقية تماماً".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد