Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا قال رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" عن مستقبل الاقتصاد العالمي قبل وفاته؟

يُنسب إلى بول فولكر الذي تُوفي الأحد في 8 ديسمبر، الفضل في إنقاذ الاقتصاد العالمي من التضخم الذي اجتاح السبعينيات. لكن كيف كان سيواجه التحديات الراهنة؟

كان فولكر معادياً لسياسة التوسل بالتضخم وتحديد نسبته المرجوة لتحفيز النمو (غيتي)

يُعدّ بول فولكر الذي تُوفّي يوم الأحد عن عمر ناهز 92 عاماً، الشخص الذي كان له فضلٌ أكثر من غيره في إنقاذ الاقتصاد العالمي من التضخّم المنفلت من عقاله في السبعينيّات. وقد يصعب اليوم فهم حجم التهديد الذي مثّله التضخّم آنذاك ما لم يعاد تذكير الناس بمؤشّر أسعار التجزئة الذي ارتفع بنسبة 24.9 في المئة في العام 1975، أو بلجوء العمّال إلى الإضراب خلال سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي، في محاولة لاستعادة الخسائر الكبيرة التي لحقت بقيمة أجورهم.

وكان التضخّم مشكلة عالمية، ولكن الولايات المتّحدة كانت تهيمن على العالم المالي أكثر مما تفعل اليوم. وإذا استطاعت أميركا خفض التضخّم، فسيلحق بها العالم. لذلك عندما اختار الرئيس الأميركي جيمي كارتر بول فولكر ليكون على رأس مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" في العام 1979، آلت إليه هذه المسؤولية.

قام بذلك من خلال زيادة أسعار الفائدة، دافعاً بسعر الفائدة القصير الأجل، وهي الفائدة على سندات "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي، إلى 20 في المئة في العام 1980، وكرّر ذلك مرة أخرى في العام 1981. وارتفعت أسعار الفائدة كذلك في جميع أنحاء العالم. وفي نهاية العام 1979، كان سعر الفائدة الأساسي لبنك إنجلترا 17في المئة، ما يعني أن أي شخص لديه فائدة رهن عقاري متغيّرة كان يدفع 18% على قرضه أو أكثر. وكانت المعدّلات المرتفعة من أسباب الركود في أوائل الثمانينيات، لكن هذه السياسة المالية نجحت. وفي نهاية المطاف، سُحق التضخّم وانتعش الاقتصاد العالمي، وازدهر في نهاية الثمانينيّات من القرن الماضي.

إذن ما الذي يمكن أن يقوله بول فولكر عن وضعنا الراهن، حيث يُعدّ التضخّم في أوروبا (وإن لم يكن كذلك في الولايات المتحدة أو المملكة المتّحدة) منخفضاً للغاية، وأسعار الفائدة الرسمية سلبية بالفعل؟

يمكن الوقوف على بعضٍ ممّا يعتقده في كتابه Keeping At It، الذي شاركت في كتابته كريستين هاربر. لكن من قبيل المصادفة، تمكّنتُ من تكوين لمحة شخصية عن آرائه في ما يتعلّق بالتضخّم عندما أتى وعمل معنا في أوكسفورد في العام 2005.

كان قد جاء لإلقاء "محاضرة كيرنكروس" في كلية سانت بيتر التي كان يترأسها والد زوجتي الاقتصادي السير أليك كيرنكروس. ودعته زوجتي فرانسيس كيرنكروس التي كانت في حينه رئيسةً جامعة إكسيتر، إلى البقاء معنا في المنزل بدلاً من الذهاب إلى مكان آخر، فقد كان طوله نحو مترين وأعتقد أنه كان لدينا سرير أطول. وفي وقت لاحق من ذلك المساء، جلسنا حول المدفأة حيث مدّ ساقيه وتحدّث عن دور البنوك المركزية.

النقطة الرئيسية التي أتذكرها من الحديث، كانت مدى عدائه للتوسل بأهداف التضخم (التوسل بالتضخم وتحديد نسبته المرجوة لتحفيز النمو)، المؤشّر الموجّه لسياسة سعر الفائدة، حينها كما اليوم. فقد شعر بأن البنوك المركزية أصبحت مهووسة به، ما سيؤدّي حتماً إلى ارتكاب أخطاء. لكن ما الذي يجب أن يرموا إليه عوض ذلك؟ فأجاب: الاستقرار.

ويجب تذكر سياق الاحداث. ففي العام 2005، كان العالم على مسافة أقل من ثلاث سنواتٍ عن أخطر انهيار مالي منذ الثلاثينيّات. ويمكننا الآن أن نرى أنه في ذلك الوقت، كانت البنوك المركزية تعيش في حالٍ من الرضا عن انفجار الائتمان لأن التضخّم كان يُعد حميدا. لكن الأسعار العالمية تراجعت بسبب تدفّق السلع رخيصة الثمن المصنّعة في الصين، على العالم المتقدّم وتحديداً على الولايات المتّحدة. وكانت البنوك المركزية، ولا سيما منها "الاحتياطي الفيدرالي" غافلة وتنظر إلى الاتّجاه الخاطئ.

لكن ماذا عن الوضع الراهن؟ كتب فولكر مقالاتٍ وتحدّث في مقابلات عن الاعتماد المفرط من البنوك المركزية على أرقام التضخّم في مناسبات أخرى. لكنه لم يعلّق علناً بحسب علمي، على سياسة البنك المركزي الأوروبي المتعلّقة بأسعار الفائدة السلبية، حيث يتعيّن على البنوك أن تدفع من أجل إبقاء السيولة مودعةً في البنك المركزي الأوروبي. وفي الأحوال كلها، من غير المناسب أن ينتقد رئيسٌ سابق لبنك مركزي سياسات بنك آخر.

ومع ذلك، أعتقد أن في إمكاننا أن نستنتج ما كان قد عناه، النقطة الأولى مفادها أن سبب التضخم ما دون المستوى المستهدف في أوروبا يعود، جزئياً على الأقل، إلى هبوط التكاليف نتيجة ثورة الاتّصالات. فالتكنولوجيا تقوم الآن بما فعلته الصين بالأسعار قبل 15 عاماً. وأهم الأسئلة المطروحة هي: هل تدني التضخّم للغاية في أوروبا مجدٍ؟ وهل ترتجى فائدة فعلية من نيل الناس تحسناً في مستويات معيشتهم نتيجة انخفاض الأسعار؟

أما النقطة الثانية فتتمثّل في التأكيد على الحاجة إلى الاستقرار. ففي العام 2009 طُلب منه أن يقدّم توصياته لطريقة إصلاح النظام المصرفي بحيث يمكن الحؤول دون حدوث انهيار آخر، فتوصّل إلى ما سُمّي في حينه "قاعدة فولكر" التي تحظر على البنوك القيام بأنشطة المضاربة.

لكن هذه ليست هي المشكلة في أوروبا اليوم. فالمعضلة الراهنة التي تنطبق أيضاً على الولايات المتّحدة إلى حدّ ما، تعود جزئياً إلى أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية شجّعت المستثمرين على الخوض في مشاريع أكثر خطورة، وتعود جزئياً كذلك إلى أن الأموال الرخيصة دفعت بأسعار الأصول إلى الارتفاع، ربما إلى مستويات لا يمكن تحمّلها.

ومن غير مواربة إن الأموال الرخيصة للغاية هي التي تهدّد الاستقرار. وكما كتب في مقالٍ نشرته له "بلومبورغ" قبل نحو عام، فإن "الخطر الحقيقي يأتي من تشجيع ارتفاع معدّلات التضخّم أو التساهل غير المقصود مع ارتفاعها ومع مسألة مشابهة، وهي المضاربات الشديدة والمجازفات، أو في عدم معالجة الفقاعات والتجاوزات التي تهدّد الأسواق المالية. زمن المفارقة أن الأموال السهلة التي تسعى إلى تضخّم ضئيل وسيلةً للحؤول دون الانكماش، قد تكون في نهاية الأمر ما يؤدي إليه".

© The Independent

المزيد من اقتصاد