Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رزّ بلاستيكي يغزو الأطباق الموريتانية وسط ضعف الرقابة على الاستيراد

يظهر على شكل كريات متماسكة لا تتطاير حبيباتها حتى لو رُمي على الأرض بقوة، مع ملاحظة أن فيه ما يشبه طعم الرزّ.

أكياس رزّ في أحد مخازن نواكشوط (إندبندنت عربية)

حين أجاز البرلمان الموريتاني في 6 أغسطس (آب) 2015، قانوناً يعاقب على صناعة واستيراد وتوزيع وتسويق واستخدام الأكياس والأغلفة البلاستيكية المرنة على خلفية دعم حماية البيئة، لم يخطر ببال أي موريتاني أنه قد يتناول البلاستيك كطبق غذائي، وفق ما تناقلته وسائل إعلام محلية ومنصات التواصل الاجتماعي أخيراً. فليونة البلاستيك، دفعت مصنّعين جشعين إلى تعليبه رزّاً ناصع البياض للاستهلاك البشري. وانتشرت هذه المادة الضارة كالنار في الهشيم في بعض أسواق غرب إفريقيا مستغلةً ضعف الرقابة وغياب الرادع القانوني.

بداية القصة

يقول رئيس جمعية حماية المستهلك في موريتانيا الخليل ولد خيري إن المعطيات تشير إلى أن الرزّ المغشوش بشوائب بلاستيكية يصل إلى البلاد عبر أسواق أفريقية تارةً، وضمن مساعدات خيرية تارةً أخرى. ويروي ولد خيري "بداية اكتشافنا قصة الرزّ البلاستيكي، تعود إلى يناير (كانون الثاني) 2017 عندما حضرت إلى مقرنا في العاصمة نواكشوط سيدة تحمل بقية كيس من رزّ معروف محلياً باسم الزنكلوني، وبدأ فريق الرصد والتحسيس في الجمعية التحقّق من الموضوع وتمّ فوراً إبلاغ وزارة التجارة التي تحرّت عن الموضوع، وأكدت وجود شوائب بنسبة محدودة، وفق مصادر من داخلها، الأمر الذي نفاه لاحقاً الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك". إلا أن الجدل حول الرزّ البلاستيكي عاد إلى الواجهة بقوة حين تحدثت وسائل إعلامية محلية الأسبوع الماضي، عن تعرّض أسرة في مقاطعة ﺍﻟﺴﺒﺨﺔ الواقعة في ﻮﻻﻳﺔ نوﺍﻛﺸﻮﻁ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ، ﻟﺤالاﺕ ﺗﺴمّم جراء ﺗﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻭﺟﺒﺔ ﺭﺯّ ﺗﺒﻴّﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﺗضمّ ﺧﺼﺎئص ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ. وذكر موقع "صحراء ميديا" الإخباري، إن الأسرة احتُجزت أياماً عدة في أحد المراكز الصحية وخضعت لفحوصات مكّنت الأطباء من ترجيح فرضية تناول أفرادها كميات من «الرزّ البلاستيكيّ» الخطير على الصحة. إلا أن والي نواكشوط الغربية ماحي ولد حامد نفى في اتصال مع "اندبندنت عربية" علمه بالقضية. وأفادت مصادر بأن السلطات فتحت تحقيقاً أمنياً، على الرغم من أن الوزير الناطق باسم الحكومة لم يعلّق نفياً أو تأكيداً على الموضوع بخلاف المرة السابقة. وروى مصدر فضل عدم ذكر اسمه، أن ﺗﺤﻘﻴﻘﺎﺕ الشرطة ﻗﺎﺩﺕ ﺇﻟﻰ كشف نوﻉ ﻣﻦ الرزّ البلاستيكي دخلت ﻛﻤﻴﺎﺕ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﻤﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻴﺔ ﻋﺒﺮ مدينة ﺭﻭﺻﻮ، المحاذية للحدود مع الجارة الجنوبية السنغال. ونُقل عن مصدر قضائي، مصادرة كميات كبيرة من الرزّ البلاستيكي من ميناء العاصمة نواكشوط وبعض الأسواق في البلاد.

 

 

لا وجود للرز البلاستيكي

في آخر تطورات الملف، نفي رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين زين العابدين الخميس 14 فبراير (شباط) وجود أرز بلاستيكي في الأسواق الموريتانية. وأضاف أن الجهات الرسمية المكلفة بالعمل الرقابي في وزارات التجارة والصحة والبيئة، باشرت عملها وتأكدت من عدم وجود أي كميات من الأرز البلاستيكي في السوق الموريتانية على الرغم من معاينة نوعية مادة الأرز المشتبه بها

وجبة بلاستيكية؟

وعلى الرغم من ذلك، صرح رئيس جمعية حماية المستهلك، أنه تلقى شكاوى إضافية من أسر موريتانية في شأن الرزّ المغشوش بالبلاستيك، واصطحبنا إلى أسرة تسكن في حيّ عرفات الشعبي جنوب نواكشوط. وقالت ربة المنزل أسماء محمد، إنها اشترت كميات من الرزّ البلاستيكي، قبل أن تكتشف أنه يتحوّل بعد الطبخ إلى كرة صلبة قوية لا تشبه ما ألفته من الرزّ العادي. وبدا فعلاً ما حضّرته أمامنا، كوجبة على شكل كريات متماسكة، لا تتطاير حبيباتها حتى لو رُمي على الأرض بقوة، مع ملاحظة أن فيه ما يشبه طعم الرزّ.

تعدد الأسماء التجارية

يقول الخليل ولد خيري، إن هذا النوع من الرزّ المغشوش يُعرف تحت أسماء تجارية مختلفة، منها ما يُطلق عليه محلياً اسم "يبرك". ونقل تجربة أحد التجار مع الرزّ البلاستيكيّ حيث لاحظ بعد فتحه أكياساً عدة منه وجود حبيبات بلاستيكية في الجانب العلوي من الكيس متسائلاً ما إذا كان الهدف منها حماية الرزّ الموجود في الكيس أصلاً. وخلص رئيس جمعية حماية المستهلك إلى أن الرزّ ملوّث نسبياً في أحسن الأحوال، وأدى ذلك برأيه إلى انتشار أمراض خطيرة. وأضاف "نحن في جمعية حماية المستهلك ندقّ ناقوس الخطر في هذا الخصوص ونطالب السلطات الموريتانية، بتحمل مسؤولياتها في حماية الناس كما ندعو منظمات المجتمع المدني والإعلام إلى مناصرة المستهلكين وتوعيتهم إلى مخاطر الرزّ المغشوش والفاسد، حتى تتحول هذه المعضلة إلى قضية رأي عام".

منافسة غير شريفة

لم تصمد قصة الرزّ البلاستيكي طويلاً عندما أُثيرت للمرة الأولى في العام 2016، بعد أن وضعها بعضهم في خانة الصراع بين باعة الرزّ المحلي وتجار الرزّ المستورد. وذكر المدوّن الموريتاني حبيب الله أحمد، أن "هناك حملة منظَّمة تتحدث عن وجود كميات من هذا الرزّ المزوّر في البلاد، وهنا لابد من الانتباه جيداً إلى أن هناك أنواعاً من الرزّ المحليّ والمستورد وبينهما حرب منافسة شرسة وأفضل طريقة لخوض تلك الحرب هي الحملات الإعلامية المتضادة. والحديث عن وجود رزّ بلاستيكي ضروريّ لضرب الرزّ المستورد وأنواع من الرزّ المحلي على حدّ سواء. ثمة منافسة غير شريفة يُستخدم فيها الإعلام مع بث إشاعات".

رزّ فاسد

وأورد بيان صادر عن جمعية حماية المستهلك، إنه لا يستبعد أن يكون اشتعال الجدل بهذه الحدة حول الرزّ البلاستيكي من أجل التغطية على دخول شحنات رزّ فاسد إلى السوق الموريتاني. يأتي ذلك عقب ما تردد عن بيع شركة الاستيراد والتصدير التابعة للدولة، 23 ألف طن من الرزّ الفاسد خلال تصفيتها إيذاناً بانتهاء وجودها القانوني والمؤسسي. وذكرت "جمعية حماية المستهلك" أن الجهات الرسمية لم تتجاوب مع إخطار جمعية حماية المستهلك، في شأن عمليات بيع الرزّ التالف الذي لا يصلح للاستخدام البشري على حد وصفها.

مؤشرات الرزّ البلاستيكي

من جهة أخرى، أكد طباخون محترفون أن ملمس رزّ البلاستيك وطعمه لا يجعلان المرء يكتشف مصدره بل يعتقد بأنه مجرد نوعية رديئة من الرزّ فقط. ويقول متخصصون إن ابتلاع مادة «البوليمر» الكيماوية تجعل آكلها يلفظها بمجرد أن تحتك بأضراسه. ويقول فيزيائيون آخرون إن حبات رزّ البلاستيك تطفو على الماء إذا خُلطت معه لعجزها الموقت عن اختراق تيار سطح الماء، مع ملاحظة أن حبيبات البلاستيك أكبر حجماً من حبيبات الرزّ الطبيعي وتعريضها للنار يؤدي إلى زيادة صلابتها فهي مصنّعة بطريقة تحميها من الذوبان.

صناعات موازية

وتشير معلومات إلى وجود صناعات موازية للرزّ المخلوط بمواد بلاستيكية في دول آسيوية عدة. كما أن كميات كبيرة منه أُدخلت إلى أسواق عدة في غرب القارة الأفريقية. وصادرت السلطات الجمركية في نيجيريا العام الماضي، كميات من الرزّ البلاستيكي، فيما تأكد تسرّب كميات من تلك المواد إلى أسواق أفريقية أخرى قد تكون موريتانيا إحداها. ويرى مراقبون أن "ضعف الرقابة وجشع التجار وواقع أن الرزّ يشكل طبق الغذاء الرئيس، كلها عوامل قد تسهم في ازدهار تجارة الرزّ البلاستيكي، تماماً كما تنتشر تجارة الأدوية المزوّرة والمواد الغذائية الفاسدة والمنتهية الصلاحية. ولا يُستغرَب صمت السلطات إزاء هذه الظاهرة أو التعتيم عليها، نظراً لأن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية يسعى النظام إلى إنجاح مرشحه فيها".

المزيد من العالم العربي