Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حانوتي الأمم!

هي اليوم ليست لعبة فحسب بل أيضاً سلعة في "لعبة الأسواق"

آثار دمار جراء الحرب في العاصمة الليبية طرابلس (أ. ف. ب.)

كان يا ما كان "لعبة الأمم" لمايلز كوبلاند، كتابٌ ليس كالكتب، كان كأنما كتاب "ألف ليلة ليلة"، "دولة البصاصين"، يُمكِنكَ من التلصص على لعبة الخفاء، مثلما عالم الجنّ والأنس، حيث يصبح العالم رقعة شطرنج، والشرق الأوسط بيادق، ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) اللاعب المُطلق: كاليغولا.
كتاب ستينيات القرن العشرين هذا، بات مع الأيام، لعبةً كما الضحك والنسيان، لا يُفصح عما يُخفي، إلا ليُخفي عما يُفصح، لعبة مكعبات بلاستيكية، اللعبة التي يروج لها والمحتوى كما فيلم رعب كرتوني، يسلي الأطفال ويُضحكهم.
لكن الأمم اليوم، ليست لعبة فحسب، بل أيضاً سلعة في "لعبة الأسواق"، فالأمم المتحدة ذاتها، تعتمد بنحو متزايد، على شركات مرتزقة غير خاضعة للمساءلة، مثل شركة "دين كروب" وشركة "جي فور أس"، (وهما شركتان تملكان سجلات مريبة). وتوظف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في أفغانستان، حوالى 40 ألف مقاول، فالحرب هناك، لا يلوح لها أفق نهاية.
الأمم اليوم في خراب مزدهر، تستثمره الرأسمالية، كما تفعل ذلك المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، فكلما كبر حجم الاستثمار في الخراب، تضخم أجر موظفيها ومندوبيها في مناطق الكوارث في العالم، فالحروب المصغّرة المسخّرة غدت، ما يشد بالنواجذ على استمرارها واستفحالها، بل والعمل لأجل انبثاقها، كحلّ لا بدّ منه لمشاكل العالم، بخاصة لقلبه المريض والوهِن: الشرق الأوسط... وما شابهه من حال.
لعبة الأمم، أضحت تجارة مربحة، فالحروب بالوكالة، غير أنها تجارب مجانية، وأنها حروب صغيرة تحت "الكنترول" (التحكّم) فإن هذه الحروب "جلّابة كوارث"، حيث يمكن تحويلها إلى "هجرة غير شرعية"، لتزويد الأسواق الكبرى في القارة العجوز، بالعمالة الفنية والعادية الرخيصة، والتخلص في الطريق من تلك المتردية.
ثقب الأزون، الحروب الأهلية، الإرهاب، الثورات المجهضة، الدول الإسبارطية، كما المترادفات لمفردة، الاستثمار المؤكد الناجح، لرجال الأعمال، كما رجال الدول الكبرى الإمبريالية، فرجال المنظمات الدولية والإقليمية، والرجال ساسة الشعبوية، ورجال ما تبقى من ديكتاتوريات تقليدية، وجميعهم أفراد وزرافات فرحون فحريصون، على استمراء واستمرار حال الأمم، بين ميوعة الافتراضي، والواقعية الفجة، فالحرب كأنما ليست حرباً، والإرهاب سفاح ديني، والثورات ينخرها سوس جيني، والدول الإسبارطية تكتسب ديمومتها من قوة ميتافزيقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لعبة الأمم ولدت فرانكشتاين: لعبة السوق

ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001، بدأت لعبة أمم على المكشوف، ووجِدت "رأسمالية الكوارث"، بحسب اصطلاح أنتوني لوينشتاين، المجال فسيحاً، فمحاربة الإرهاب تبرر كل أنواع الحروب وسبل استثمار الكوارث. لذلك بادر (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما إلى الإعلان، أن هذه الحرب ستستغرق جيلاً، وأكد ذلك مسؤولون من كل حدب وصوب. وفي هكذا ظرف، عمل مبعوثو الأمم المتحدة إلى مناطق الاقتتال والكوارث، على اعتبار أن الحلّ الأفضل والممكن هو اللا حلّ، إذ إن اللا حلّ هو الحفاظة على الأوضاع من التدهور، والكوارث من التفاقم.
لنأخذ ليبيا مثالاً، فالأوضاع على الأرض، تفيد بأن التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أسهم في إسقاط النظام من قبل جماهير ثائرة من دون قيادة فعلية، ولما تحقق هدف التحالف الدولي، القوة القائدة، دخلت في تنافس حول جني الأرباح، فالمصالح والنفوذ فرطا التحالف، ما غدا قوةً منقسمة متصارعة، حينها، جاء مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا (غسان سلامة)، للحفاظ على الأوضاع من التدهور ليس إلا، ففي حال غياب الحلّ أصبح اللاحل مكسباً، وفي هذا فليتبارز المتبارزون.
شركات النفط تتنافس، شركات السلاح المهرَّب تتكاثر، وبقدرة قادر حُوِّلت ليبيا إلى ساحة حرب، لكن في الوقت ذاته "ساحة إيواء"، لغير المرغوب فيهم، ممَن وسِموا بـ"المهاجرين غير الشرعيين"، هذه المفارقة ساعدت "رأسمالية الكوارث" العالم على ابتلاعها، وذلك بدعم من حكومات كبرى، بخاصة في فرنسا وإيطاليا، "المتنافسين العلنيين" في ليبيا، ما وفّر الغطاء لاستمرار هذه الحرب، وللكوارث المحاذية لها ككارثة الهجرة. وحرص مندوب الأمم المتحدة على دوره، وتداعت المنظمات الإقليمية والدولية إلى لعب دور "المنقذ من الضلال".
"رأسمالية الكوارث"، المُستثمر الرئيس، أحاط استثماره بالميديا (وسائل الإعلام)، التي جعلت مهمتها التركيز على تجزئة المسائل، بتسليط الضوء، على مشاهد الرعب في السيناريو، وعلى النتائج من دون ذكر أي مسبب.
ولا بأس من استعادة مصطلحات تاريخية كـ"تجارة العبيد"، واختراع مصطلحات جديدة كـ"طائرات مجهولة" وهلمّ جرّا، جعل من وسائل التواصل الاجتماعي "الرّب الافتراضي"، مَن يخلق المشكل، مَن يروّج له، هو المصدر والمرجعية، وتغريدة تكفي لسبر أغوار كل كارثة على حدة، حتى أن "داعش" كمنظمة ارهابية إعلامها "السوشال ميديا"، على الرغم من أنها "الدولة" الأكبر في التاريخ البشري التي تحاربها البشرية جملةً وتفصيلاً، ولا حليف لها غير "إبليس"، ما لا كنه له حتى. 
"رأسمالية الكوارث"، القوى العظمى التي تلعب "لعبة أمم" مستحدَثة، فهي "حانوتي العالم الجديد" في الألفية الثالثة، يوظف المنظمات الدولية والإقليمية للندب والعويل على حال العالم الكارثي، وجعل مهمة وسائل الإعلام الرئيسة، تنحصر في الحرص على التغطية الحية، بمواكبة من قبل محلليين للحدث، يتكلمون كثيراً كي لا يقولوا شيئاً.
لذلك ثقب الأوزن يتوسع، والحروب تتوالد، أو يتم التهديد بقيامها، كما في مضيق هرمز...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب "رأسمالية الكوارث- كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحاً طائلة، من ويلات الحروب ومصائب البشر"- تأليف أنتوني لوينشتاين – ترجمة أحمد عبدالحليم. عالم المعرفة 478- نوفمبر 2019.                

المزيد من آراء