Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عواقب خطيرة لبريكست على الاستقرار الأوروبي

خبراء: الجدال الذي تشهده حملة الانتخابات البريطانية يتجاهل لحمة النسيج الأوروبي والمخاوف تتفاقم من احتمال وقوع أعمال عنف قوميّة-إثنية

صورة العلمين البريطاني والأوروبي خارج البرلمان في لندن (غيتي) 

يُفيد بحثٍ جديد، أن من الممكن القول إنّ العنصر الأكثر أهمية في الجدال المستمر حول بريكست، (خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي) في سياق الانتخابات العامة، يتعرض لتجاهل شبه تام.

ويُبيّن هذا البحث، أو بالأحرى هذه الدّراسة الاستقصائية الشّاملة لتغطية الصّحف اليومية الوطنية والأخبار التّلفزيونية للانتخابات العامة، أنّ حوالي 3% فقط من الأخبار المتعلّقة ببريكست يتطرّق إلى التّبعات المحتملة لمغادرة المملكة المتحدة الاتّحاد الأوروبي على أمن أوروبا واستقرارها.

يقول البروفسور ديفيد ديكون، وهو خبير إعلامي في "مركز أبحاث الاتصالات والثقافة" التّابع لـجامعة لوفبوروا والمسؤول عن إعداد هذه الدّراسة، "مما لا ريب فيه أنّ التّغطية الإعلامية هي واحدة من المشكلات الأساسية ذات العلاقة ببريكست، إلا أنّ أحداً لا يرغب في الإعتراف بوجودها، على الرغم من ضخامتها، في إطار الإنتخابات البرلمانية المرتقبة التي يقال إن بريكست هو قضيتها المحورية".

عدم التّوازن في التغطية الإعلامية هو الذي يصعق الخبراء في التّاريخ والسّياسات الأوروبية ويحملهم على التّحذير من الآثار والتّبعات المحتملة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

وعلى حدّ قول البروفيسورة بياتريس هيوسر، رئيسة  قسم العلاقات الدّولية في جامعة غلاسكو، "نظراً  إلى طبيعة تاريخنا، فإننا ندرك ما هي النّتائج المروّعة التي آلت إليها الإخفاقات المتعاقبة في تحقيق التّضامن والاستقرار على المستوى الأوروبي.. لذا فإنّه من المزعج جداً أن هذه الانتخابات العامة المطعّمة بنكهة بريكست تكاد تتجاهل تماما عنصر الأمن والاستقرار الأوروبي في الجدال المستمر حول بريكست، على رغم أهميته الحاسمة فعلاً ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضيف هيوسر، الخبيرة في الأمن الأوروبي وصاحبة كتاب "بريكست في التاريخ" الذي يتناول التّطوّر السّياسي في أوروبا،  "ليس لدينا كرة بلوريّة لرؤية المستقبل، ولذا فإن سبيلنا الوحيد للتعرف على الأخطار المحتملة التي تتربص بنا ينبغي أن يقوم على فهم دّقيق لأداء السّياسات الأوروبية والعالمية في الماضي... وهذا يكشف بوضوح كبير أن انخفاض مستويات التّضامن الأوروبي وارتفاع مستويات التّنافس الاقتصادي والسّياسي واشتداد النّزعة القوميّة، من شأنها معاً أن تمثل تهديداً للجميع في أنحاء بريطانيا والقارة الأوروبية ".

ومن المحتمل أن ينهار الاستقرار في  16 منطقة على الأقل في الاتحاد الأوروبي (والأراضي المتاخمة له) على المديين المتوسط والطّويل، إذا أدى خروج المملكة المتحدة وأي توتر ناجم عن ذلك إلى إضعاف الإتحاد الأوروبي.

ومن هذه المناطق، ثماني في جنوب شرق أوروبا (رومانيا الوسطى والبوسنة وكوسوفو وشرقي بحر إيجه وجنوب بلغاريا وأوكرانيا ومولدوفا ومنطقة شرق المتوسط المحيطة بقبرص)، وثلاث في شمال شرق أوروبا (دول البلطيق وروسيا البيضاء وكالينينغراد الخاضعة لروسيا والمحصورة بين دولتين عضوتين في الاتحاد الأوروبي والناتو)، وإثنتان على الأقل في أوروبا الغربية (كاتالونيا وفلاندرز).

ويُتوقّع كذلك أن يتسبب بريكست بزعزعة استقرار بريطانيا العظمى، من خلال تعزيز احتمالات مطالبة إسكتلندا باستقلالها، وتهديد السّلام في إيرلندا الشّمالية بفعل مضاعفة الضغوط الدّاعية لإعادة توحيد جمهورية ايرلندا إلى جانب رد فعل الوحدويين في الإقليم على هذه الضغوط. كما أن بريكست قد يؤدي إلى مشاكل كبيرة تتصل بجبل طارق.

ويعتقد العديد من المؤرخين  وعلماء السياسة أنّ أحداً لن يطرح مشروعاً شبيهاً ببريكست في المستقبل القريب والمتوسط، لكنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيُغيّر تدريجياً التّوازن السّياسي في أوروبا. وهو سيُعزّز الدّور الاقتصادي المحوري لألمانيا كما سيُفاقم الاختلافات بين فرنسا وألمانيا ويزيد الإنقسامات بين الشّطرين الجنوبي والشّمالي لأوروبا. والأكثر من ذلك برأي العديد من المؤرّخين والعلماء السّياسيين، هو احتمال أن تؤدي الإنقسامات داخل الاتحاد الأوروبي (والتّوترات الإستراتيجية والسياسية المحتملة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) (وبين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مرحلة ما بعد بريكست)، إلى إضعاف حلف الناتو، علماً بأنّ الاتحاد الأوروبي والناتو هما البنيتان التوأم اللتان حافظتا على السّلام في ربوع أوروبا فترةً طويلة.

وفي الإطار ذاته، يُعرب بعض المؤرخين عن خوفهم من أن يُزكي إضعاف الاتحاد الأوروبي روح القومية الشّعبوية في العديد من الدّول الأعضاء، مع ما ينجم عن ذلك من زيادة في النّزعة الإنفصالية القائمة على أساسٍ عرقي من جانب الأقليات في بعض هذه الدّول.

عن ذلك، يقول البروفيسور كونان فيشر من "جامعة سان أندروز"، الذي يعتبر مرجعاً بارزاً في مجال التّاريخ الأوروبي المعاصر  "للأسف، يُمكن لإضعاف الاتحاد الأوروبي بأيّ شكلٍ من الأشكال أن يُضاعف تأييد بقاع كثيرة من قارتنا لحركة القومية الشعبوية اليمينية". يُشار إلى أن كونان ألّف كتاباً بعنوان "رؤيا أوروبا" يؤرّخ فيه الجهود الدّاخلية المبذولة في سبيل التغلّب على إرث الحرب العالمية الأولى ومحاربة النّزعة القومية المتعاظمة من خلال تعاون أوروبي أكبر.

فتزايد حدّة المنافسة الأوروبية واتّساع رقعة الإنقسام القائم على السياسات المتعلقة بالهوية في مرحلة ما بعد بريكست، قد يكونان بحدّ ذاتهما تخريبيين؛ لكنّ يخشى الخبراء أن الاضطرابات التي يمكن أن تتهدّد روسيا في المستقبل القريب قد تُشكل هي الأخرى مشكلة رئيسة.

في هذا السياق، تؤكّد البرفيسورة هويسر من جامعة غلاسكو "يُمكن لقرارات خاطئة من جانب روسيا أو الناتو  حول التّدخل بشكلٍ مباشر أو شبه خفي في بؤر التّوتر الأوروبية أن تؤدي إلى نتائج خطيرة جداً، سواء أكانت ناجمة عن سوء تقدير أو سوء فهم بسيط".

وتعرب البرفيسورة عن اعتقادها أن أيّ إضعاف للاتحاد الأوروبي سيؤدي على الأرجح إلى إضعاف الناتو، ما سيؤدي إلى مضاعفة فرص موسكو وسواها من الأطراف بإرتكاب الأخطاء.

وفي ظلّ التّطورات الرّاهنة، يُحكى عن الممارسة المهمة والمتنامية، المعروفة على مستوى محدود، لدولٍ تحاول إصدار جوازات سفر أو بطاقات هوية إثنيّة لأبناء مجموعات كاملة من سكان الدّول المجاورة لها أو القريبة منها. ورغم أنّ القصد هو زيادة التأثير السّياسي في هذه الأراضي وليس الاستيلاء الفعليّ عليها، فإن  الظّاهرة خطيرة وذات نتائج غير مضمونة، خصوصاً إذا عانى الاتحاد الأوروبي من الضّعف التدريجي والمحتمل في أعقاب  بريكست.  

ومن أبرز الأمثلة على هذه الممارسة: منح هنغاريا بطاقات هوية إثنية للمناطق المجرية في كلّ من رومانيا وسلوفاكيا الجنوبية وأوكرانيا الغربية وصربيا الشّمالية، وتوزيع رومانيا جوازات سفر على المولودوفيين المجاورين. ولا ننسى طبعاً، أن روسيا تصدر جوازات سفر لسكان المناطق المؤيدة لها والخاضعة لسيطرة المتمردين شرقي أوكرانيا، وبلغاريا تسعى لإعطاء جوازات سفر لشعب شمال مقدونيا وشعوب أخرى ناطقة باللغة السّلافية في مالدوفيا الجنوبية وألبانيا الشرقية، وبولندا تصدر حالياً بطاقات هوية إثنية للبولنديين المقيمين في دّول مجاورة لها، ونعني بها: أوكرانيا وروسيا البيضاء وليتوانيا.

يبدو أنّ الدّول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وسواها تستخدم الهوية الإثنية والتاريخ بصورةٍ متزايدة من أجل توسيع رقعة نفوذها، وسلطتها السّياسية الفعلية أحياناً، في دول الاتحاد الأوروبي المجاورة وغيرها، وستتجه الأمور من سيء إلى أسوأ  على هذا الصعيد في حال تدهور الاتحاد الأوروبي أو تقسيمه سياسياً.

وبالعودة إلى بحثٍ ذات صلة كانت قد نشرته صحيفة "اندبندنت" عام 2016 للدلالة على هول الاضطرابات التي يمكن أن تُصيب أوروبا في غياب أيّ عامل موحِّد وفعال، فيشير إلى هيمنة الحروب على القارة في 60% من السنوات الـ500 الماضية، ويُرجع الفضل في السلام النسبيّ الذي نعمت به أوروبا طيلة السّنوات الـ75 الأخيرة للاتحاد الأوروبي وأسلافه والناتو. ولو استثنينا هذه العقود من الحسابات، لوجدنا أنّ 70% تقريباً من الفترة الممتدة بين 1500 و1945 كانت ممزّقة بالحروب التي أودت بحياة ملايين البريطانيين والأروروبيين.

أما البحث الجديد الذي لم يُنشر بعد، فيعكس فداحة تأثير حروب القرن العشرين على المملكة المتحدة من النّاحية الإحصائية، موضّحاً أنّ النّزاع المسلّح كان السّبب الأكبر لموت الشّباب البريطاني خلال السّنوات الـ106 المنصرمة.

 وتُبيّن الأرقام الجديدة أنّ الحروب المتعاقبة قضت على حوالى نصف عدد  الرّجال (أيّ 46%) الذين لقوا مصرعهم  في عمر يتراوح بين 18 و34 عاماً في المملكة المتحدة.

من جانبه، يقول البروفيسور روجر غريفين، وهو خبير في القومية من جامعة أكسفورد بروكس، إننا "وبعكس الآمال المعقودة في نهاية الحرب الباردة، فقد دخلنا الآن حقبةً جديدة من الصّراعات السّياسية والإيديولوجية، بين أولئك  الطامحين إلى عالمٍ أفضل وموحّد من جهة، وبين المروّجين للتطرّف القومي والإثني والديني من جهة ثانية. أخشى أن تتكرر حيثيّات الأحداث الماضية نفسها، بصيغةٍ مؤذية وإن مغايرة. أخشى أن يُشجّع بريكست على المزيد من الشّعبوية اليمينية في أوروبا ويُطيح برؤانا لقارة مستقرة ترتكز على هوية أوروبية موحّدة".

ولعلّ إحجام بريطانيا عن المساهمة في الحفاظ على وحدة القارة التي تُشكل جزءاً لا يتجزأ منها، كان أحد العوامل الرئيسة التي زعزعت استقرار أوروبا في القرن العشرين.

ففي أكثر من مناسبة، كانت الإمبراطورية البريطانية قطباً سياسياً خارجياً جذب المملكة المتحدة بعيداً عن أوروبا، ما أدى إلى  نتائج مأساوية.  وسرعان ما خلق حالة لم تشأ فيها بريطانيا أن ترى نفسها  كقوة أوروبية رغم موقعها داخل أوروبا. وعلى هذا الأساس، لا يزال الوضع الذي خلّفته  الإمبراطورية، أيّ الكومنولث والعالم الناطق باللغة الإنكليزية، قادراً على تحريك أولئك يعتقدون أنّ بإمكانهم إعادة إحياء الماضي وإدارة ظهرهم للبر الرّئيسي. ولذلك يدقّ خبراء اليوم ناقوس الخطر خوفاً من أن يكون بريكست امتداداً لظاهرة "القطب الإمبريالي" الذي مهّد جزئياً للحربين العالميتين.

كانت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى تصبّ جلّ تركيزها على امبراطوريتها؛ الأمر الذي دفعها إلى تجاهل فكرة الاضطلاع بدور مهم ورئيسي في أوروبا.

وعشية الحرب، كان لدى بريطانيا في الدّاخل نحو 300 ألف عنصر فقط بين قوات احتياطية ونظاميّة مقابل 4 ملايين عنصر تقريباً في ألمانيا و3 ملايين جندي في فرنسا. فقوّة بريطانيا العسكرية كامبراطورية عظمى كانت خارج أوروبا وفي عرض البحر، ومع ذلك لم تكن بنظر ألمانيا سوى كيانٍ صغير نسبياً لجهة قدرتها على نشر عدد كبير من القوات في أنحاء أوروبا القارية.

وفي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، واصلت بريطانيا تركيزها على إمبراطوريتها، فتعمدت نسف التحركات الرّامية إلى أحقاق تعاون أوروبي أعظم، واتبّعت لسنواتٍ عدة سياسات صدئة سمحت لألمانيا بالسيطرة على أوروبا. فهي رفضت المشاركة في الدّفاع عن الدّيمقراطية في وجه ألمانيا النّازية التي دعمت فرانكو وسلّمته مقاليد الحكم في اسبانيا كما غضّت الطّرف عن الاحتلال الألماني للنمسا وتشيكوسلوفاكيا، لا بل شاركت في تيسير سيطرة ألمانيا على هذه المنطقة الثانية. وعلى خطى سياسية التهدئة التي حيّدت بريطانيا عن أوروبا في الماضي يسير اتفاق بريكست اليوم.

يقول البروفيسور فيشر من جامعة سان أندروز "كانت المشاركة البريطانية في أوروبا عنصراً أساسياً في الحفاظ على استقرار القارة وأمنها. لذا من المهم جداً أن يلعب الإعلام دوراً في الترويج لفهمٍ أفضل لذلك".

أما البروفيسور تيموثي غارتون آش المتخصص في الدّراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد، فيلفت إلى حقيقة مفادها " أنّ عضويّة أقوى ثلاث دول في أوروبا الغربية، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، في الاتحاد الأوروبي هي التي ضمنت استقرار أوروبا لعقودٍ طويلة. لذا فإنّ استبعاد المملكة المتحدة عن المعادلة الثلاثية هذه قد يُخلّ بالتوازن الدقيق بين الدّول الأعضاء ويُضعف الاتحاد".

و يضيف "والأكثر من ذلك، في حال استمرّت التوترات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى ما بعد بريكست، فقد ترى المملكة المتحدة نفسها مضطرة إلى محاولة تقسيم أوروبا والسّيطرة عليها، الأمر الذي سيُضعف القارة العجوز أكثر فأكثر".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات