Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في ذكرى "بساط الريح"... ماذا تبقى من يهود اليمن؟

العملية استغرقت عاماً كاملاً وتكلفت 5 ملايين دولار وأحيطت بالسرية... و65 ألف يهودي هاجروا إلى إسرائيل

جاءت عملية "بساط الريح" في ظروفٍ سياسية معقدة إثر تداعيات حرب نكبة فلسطين (ويكيميديا)

نحو سبعة عقود مرَّت على أكبر عملية لترحيل اليهود اليمنيين إلى إسرائيل، التي أُطلق عليها (بساط الريح) أو (البساط السحري)، ففي مثل هذا الشهر ديسمبر (كانون الأول) من العام 1948 بدأت الوكالة اليهودية بترحيلهم عبر عدة رحلات جوية، نُقِل خلالها 65 ألف يهودي يمني إلى إسرائيل.

ولم تكن تلك الهجرة الأولى من نوعها لليهود اليمنيين إلى إسرائيل ولا الأخيرة، بيد أنها كانت أكبر وأهم الهجرات، لا سيما أنها جاءت في ظروفٍ سياسية معقدة إثر تداعيات حرب نكبة فلسطين.

جذور الهجرة
يقول الباحث اليمني المتخصص في شؤون الطائفة اليمنية اليهودية محمود طه، إن "هجرة اليهود اليمنيين إلى إسرائيل عبر عملية بساط الريح لم تكن الأولى، إذ تعود بدايات هجرة اليهود اليمنيين إلى القرن التاسع عشر".

 

ويضيف "المنظمات اليهودية نشطت خلال الأعوام (1881 - 1885) في تهجير اليهود العرب، وبخاصة اليمنيين الذين كانوا أكثر القادمين إلى فلسطين عن طريق بلد ثالث وبشكل فردي وبصورة سرية".

ويوضح طه، "خلال عامي (1911 - 1912) هاجر من يهود اليمن قرابة 1500 نسمة، وارتبطت أسباب هجرتهم أساساً بضغوط خارجية، وفي الفترة (1919 - 1929) هاجر 8917 نسمة، إضافة إلى بضعة آلاف هاجروا بطريقة غير مشروعة، وقلّت تلك الهجرة عام 1939، إذ لم يغادر سوى 182 نسمة، وانخفض عام 1940 إلى 80 مهاجراً، وانخفض أكثر عام 1941 إلى 57، وعام 1942 إلى 80 مهاجراً".

احتدام الصراع العربي الإسرائيلي
ويعزو الباحث اليمني، في حديثه مع "اندبندنت عربية"، تنظيم أكبر عملية تهجير ليهود اليمن التي أطلقت عليها إسرائيل (البساط السحري أو بساط الريح)، إلى "احتدام الصراع (العربي - الإسرائيلي) وإعلان تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 على أرض فلسطين"، إذ بدأت عمليات تهجير اليهود من مختلف دول العالم.

ويتابع طه، "المنظمات اليهودية وبمساعدة السلطات البريطانية حشدت لتلك الهجرة إمكانيات هائلة، وجرى تنفيذها في أجواء من التكتم والسرية، وتكفلت لجنة التوزيع اليهودية الأميركية المشتركة (A.J.D.C) بدفع تكاليفها المقدرة بأكثر من خمسة ملايين دولار".

ويستعرض الباحث اليمني مراحل عملية بساط الريح التي تمت خلال عام كامل، قائلاً "بدأت المرحلة الأولى من بساط الريح في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 1948 نُقِل خلالها جواً 50 مهاجراً من يهود اليمن إلى أرض فلسطين، تلاها في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من عام 1949 غادر 4500 يهودي يمني، و3300 خلال مارس (آذار) من العام ذاته، وفي 55 رحلة جوية".

ويستكمل، "بلغ إجمالي المهاجرين من اليهود اليمنيين إلى أرض فلسطين خلال المرحلة الأولى من عملية البساط السحري 8000 مهاجر نهاية مارس (آذار) 1949، ونهاية المرحلة الأولى، ثم استمرت في المرحلة الثانية نقل آلاف أخرى، حتى بلغ إجمالي المهاجرين من اليهود اليمنيين شمالاً وجنوباً خلال عملية البساط السحري من 16 ديسمبر (كانون الأول) 1948 وإلى 24 ديسمبر (كانون الأول) 1950 نحو 65 ألف مهاجر".

مصالح مشتركة وتعاون وثيق
يقول الباحث علي محمد السليماني، "اليهود في جنوب اليمن كانوا يعيشون بمناطق متعددة من أراضٍ كانت تسمى في عهد الاحتلال البريطاني للجنوب (اتحاد الجنوب العربي)، ومنها على سبيل المثال عدن وحبان وبيحان ولودر والحاضنة والحضن والشعيب ولحج، إذ كانوا يعيشون مع جيرانهم العرب المسلمين في وئام وتعاون، ويتبادلون السلع والمنتجات، ومعظم المهن التي كان يعمل بها اليهود صياغة الفضة والحُلي والجنابي والسيوف وأدوات الزراعة".

وحول الهجرة إلى إسرائيل يشرح السليماني، في حديث خاص، "جُمِّع اليهود إلى حبان من مناطق مختلفة، ونقلوا إلى عدن وهم يبكون على فراق عِشرة أبناء عمومتهم العرب الجنوبيين، وكانوا ﻻ يحبذون الهجرة، بل البقاء في مناطقهم، وبالمقابل كانت الأغلبية المسلمة يبادلون اليهود الشعور نفسه".

 

ويسهب الباحث، في الحديث شارحاً العلاقات الودية والمصالح المتبادلة بين المسلمين والطائفة اليهودية في سلطنات وإمارات اتحاد الجنوب العربي قبل الاستقلال، قائلاً، "كانت علاقة ودية ومصالح واحتياجات متبادلة بين المسلمين واليهود في الجنوب، فالطرفان المسلم واليهودي كل منهما كان يكن الود والتقدير للآخر، وتربط الجميع مصالح مشتركة وتعاون وثيق".

ويضيف، "كانت الأسر تشترك في الأفراح والاحتفالات، ويتبادلون التهاني والتعازي والهدايا والطعام، وكلّ على دينه دون أن يعترض طرفٌ على دين الطرف الآخر أو يتعرض لحقوقه، حتى إن أفراد الأقلية اليهودية كانوا موزعين على أسر عربية يتبعونها وتحميهم من أي اعتداء في حالات الحروب القبلية التي تحدث بين القبائل العربية، ولم تسجّل حالة نهب واحدة، بل تجد مقابرهم وديارهم ما زالت قائمة حتى الآن، باستثناء بعض منها تضرر بسبب عوامل التعرية فيها".

أمَّا عن حال اليهود في عدن في مرحلة ما قبل استقلال الجنوب، حسب سليماني، فكان وضعهم المعيشي والعملي والثقافي "أفضل بكثير من بقية سكان المناطق الأخرى، بحكم التطور الذي عاشته مستعمرة عدن، ومع ذلك كانوا ضمن الأفواج التي هاجرت ضمن عملية بساط الريح، بعد أن تلقوا إغراءات من قبل الوكالة اليهودية للهجرة إلى إسرائيل".

ويتابع، "لكن، أبت أعداد من يهود عدن الهجرة حينها، حتى حلّ عقد الستينيات، وقتها هاجروا نتيجة الاختلال الأمني الذي عمّ الجنوب، بسبب أحداث ثورة أكتوبر (تشرين الأول) ضد الاستعمار البريطاني".

يهود حبان وأطلال شامخة
زار مراسل "اندبندنت عربية" مدينة حبان في محافظة شبوة (جنوب اليمن)، وهذه المدينة تعد إحدى أهم مناطق وجود يهود جنوب اليمن إلى فترة ما قبل عملية بساط الريح، إذ يوجد بالمدينة حيٌّ خاص باليهود ما زالت أطلاله شامخة رغم مرور سبعة عقود من الزمن، غير أن المدينة تخلو تماماً من أي وجود يهودي.

وكنت التقيت في سنوات مضت، أحد الباحثين المحليين في محافظة شبوة، وهو محمد عيدروس السليماني، الذي توفى العام الماضي، وكتب أبحاثاً مميزة عن تاريخ المنطقة، ومن ضمنها تاريخ اليهود في مناطق مثل حبان والجابية.

وتحدَّث الباحث وقتها عن عملية بساط الريح، التي قال إنها "اشتملت على شقين، الأول كان عبارة عن ترحيلهم من مناطقهم إلى عدن وتجميعهم فيها، والشق الثاني ترحيلهم جواً من عدن إلى فلسطين المحتلة".

وأضاف، "بدأت عمليات ترحيل يهود حبان والجابية (محافظة شبوة) من مناطقهم إلى عدن، بعد أن نُقِلوا أولاً من حبان والجابية على ظهور الدواب من جمال وحمير وبغال إلى ميناء بالحاف في أرض سلطنة الواحدي، وفيما يخص يهود الجابية فاستخدموا نحو ثلاثين جملاً، ورافقهم عدد من أفراد قبيلة آل الصوة إلى حبّان، ثم إلى منطقة عزان عند سكرتير السلطنة الواحدية الأمير محمد بن سعيد الواحدي، ومن ميناء بالحاف نُقِل كل اليهود بحراً إلى عدن بواسطة السفن الصغيرة، وعند وصولهم إلى ميناء عدن نُقِلوا بالسيارات من الشاطئ إلى المخيم المسمى (حاشد) في منطقة الفيوش (ضواحي عدن) الذي أقيم لتجميعهم مع باقي اليهود القادمين من اليمن".

السلطات البريطانية والوكالة اليهودية
ولفت إلى الدور الكبير للسلطات البريطانية والوكالة اليهودية في ترحيل اليهود اليمنيين، إذ "ساعدت السلطات البريطانية بشكل فعّال في عملية تجميع اليهود، وأقامت لهم المخيم المسمى (حاشد)، ونسقت الوكالة اليهودية مع إمام اليمن أحمد بن حميد الدين (حاكم شمال اليمن حينها) من أجل السماح لمواطنيه من اليهود بالمغادرة إلى عدن".

وتابع عيدروس، "حددت السلطات البريطانية ثلاث نقاط استقبال لليهود الواصلين من اليمن في كل من بيحان (إمارة بيحان)، ومكيراس ولودر (السلطنة العوذلية)، والضالع (إمارة الضالع)، كما نسقت مع السلطان الفضلي من أجل مرورهم عبر أراضيه في طريقهم إلى مخيم حاشد".

 

واستكمل، "وسخّرت السلطات البريطانية مطار عدن لاستقبال وإقلاع الطائرات، كما شارك الضابط السياسي لمحمية عدن الغربية الميجر باسل سيجر ومساعده ألن، بشكل مباشر في تلك الترتيبات، وقد بدأت أول رحلة جوية من مطار عدن يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) 1948 وآخر رحلة في نهاية 1950 وبلغ عدد الرحلات نحو أربعمئة رحلة نقلت نحو 50,000 يهودي، بلغت تكاليف نقلهم آنذاك نحو 5 ملايين دولار أميركي، ولم تتدخل دولة إسرائيل الوليدة في هذه العملية مباشرة، بل تركت الأمر للوكالة اليهودية".

الترتيبات الصحية للمهاجرين
وعن الترتيبات الصحية والسلوكية التي اُتخذت في المخيم الخاص باستقبال اليهود في عدن قال عيدروس، "عند وصولهم المخيم أتبع نظامٌ صارمٌ في التعامل معهم سواء أكانوا من اليمن (شمال)، أو من حبّان (جنوب) أو غير ذلك، فأول ما يصلون يُطعمون ويرتاحون بعض الوقت، ثم بعد ذلك يغتسلون بشكل جيد، ثم يعقمون برشهم بالبودرة، ثم يُطعَمون ضد كثير من الأمراض، وتُستخرج لهم بطاقات طبية وتموينية، ثم تعطى لهم بطانيات، وفي وقت لاحق يمنحون ملابس جديدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وأضاف، "إذ وُجِدَ منهم مريض تمنع السلطات ترحيله مع أسرته إلا بعد أن يبرأ، كما علَّموهم كيفية التعامل مع المخلفات الآدمية الصلبة والسائلة، وقد وجد أن من بين كل 250 حالة يعاينها أطباء المخيم يومياً، توجد 30 حالة فقط خالية من الأمراض، وهذا يعكس بشكل واضح الوضع الصحي العام للعرب واليهود في المناطق التي أتوا منها، كما أنهم كانوا عرضة للسخرية من قِبل اليهود المتحضرين بعد وصولهم إلى فلسطين المحتلة من جهة تعاملهم مع أدوات الحياة الحديثة التي لم يألفوها في المناطق التي أتوا منها".

بعد تلك الرحلات، لم تنقطع هجرة بقية يهود اليمن إلى إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية، وإن كان بشكل متقطع ومتفرق، ولم يتبقَ منهم حالياً سوى تجمعات صغيرة موزعة على محافظتي عمران وصنعاء شمالاً، لا تتعدى المئتي شخص، بينما أعلن بعضهم إسلامه، واندمج في المجتمع اليمني جنوباً.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي