Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصير عائلات الإرهابيين... بين السيئ والأسوأ

عشيّة القضاء على داعش، تتخبّط الدول في معالجة مصير الإرهابيين ونسائهم وأطفالهم، والإخفاق في هذا الملف لن يرحم

نساء يحملن أولادهن وحاجياتهنّ ويهربن من آخر أراضي "داعش" في بلدة باغوز شرق دير الزور بإشراف قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن 12/2/2019 (أ.ف.ب.)

القضاء المرتقب على تنظيم "داعش" الإرهابي لن يكون النهاية الجميلة لسنوات مرعبة من الإجرام والتعذيب، بل هو خاتمة جزئية لملف ستبقى تداعياته تتفاعل في أرواح أطفال وأمّهات وعائلات، شاءت الأقدار، أو ربّما الخيارات أو الظروف، أن تُدمغ سجلّاتهم بوصمة التنظيم. فترى العالم اليوم حائراً أين يذهب بهؤلاء وكيف يرسم مصير أطفال لا ذنب لهم سوى أنّهم أبصروا الحياة، وأهاليهم "داعشيون".

تمتلئ الشاحنات الخارجة من آخر أراضي "داعش" في شرق الفرات بأطفال من مختلف الأعمار، يلتصقون بأمّهاتهم المتّشحات بالنقاب الأسود، واللواتي غالباً ما يكبرنهنّ ببضع سنوات فقط، ويسيطر عليهم الإرهاق جرّاء البرد والجوع ويقلقهم مصيرٌ مجهول.

مستقبل الإرهابيين وعائلاتهم ما بعد القضاء على التنظيم، يضع دول العالم أمام معضلة جديدة هي كيفية التعامل معهم، خصوصاً أنّهم آتون من بلدان مختلفة، كتونس والمغرب والسعودية وتركيا وروسيا، إضافة إلى عدد من الدول الأوروبية مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وبلجيكا. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 800 مقاتل إرهابي أجنبي حالياً في أيدي قوات سوريا الديموقراطية، إضافة إلى نساء غير مقاتلات وأطفال.

 

واشنطن جاهزة للمساعدة لكن ليس طويلاً

بعد خروجهم من أراضي سيطرة التنظيم، التي انحسرت في بضعة كيلومترات على الحدود السورية العراقية، تعمد قوّات سوريا الديموقراطية (قسد) مدعومة من التحالف الدولي على رأسه الولايات المتحدة الأميركية، إلى فرزهم وإرسالهم إلى مخيّم الهول شرق الحسكة. ولكن، ماذا بعد هذه المخيّمات؟

بما أنّ عدداً من هؤلاء الأشخاص يحمل جنسيّات أجنبية، يُفترض بدولهم السعي إلى إعادتهم إلى بلدانهم إن أرادوا ومساعدتهم. وفي هذا الصدد، تؤكّد الولايات المتحدة استعدادها لمساعدة الدول التي تريد إعادة الإرهابيين المعتقلين من مواطنيها مع عائلاتهم من سوريا إلى بلدانهم، لكنها تشدّد في الوقت نفسه على ضرورة إتمام الأمر سريعاً وعلى أنّها غير معنية بإيجاد حلول لهم.

وقال مسؤول أميركي لوكالة "فرانس برس"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إنّ الوقت يضيق أمام الولايات المتحدة للمساعدة في هذا الأمر، داعياً كل الدول إلى العمل سريعاً جداً "لتحمّل مسؤولية مواطنيها الذين توجّهوا إلى سوريا للقتال إلى جانب التنظيم". خصوصاً أنّ قرار واشنطن الانسحاب من سوريا قد يعرقل لاحقاً هذا النوع من المساعي مع قوات سوريا الديموقراطية، التي باشرت السبت الماضي ما سمته العملية الأخيرة للقضاء على "داعش"، وإنّ صحّ الأمر سيكون عندها الانسحاب الأميركي وشيكاً.

وأوضح المسؤول نفسه، أنّ القيام بعمليات لنقل الإرهابيين لا يقتصر على مجرد إرسال طائرة لنقلهم إلى بلدانهم الأصلية، بل "هناك مشاكل تقنية ولوجستية معقدة لا بد من تذليلها، مثل التأكّد من جنسية كل مقاتل وجمع المحتجزين والحصول على أذونات تحليق، وتنسيق كل هذه الأمور لضمان سير العملية بالشكل المناسب". مضيفاً أنّ الشرط الأميركي الأساسي للإسهام في هذه العملية هو "عدم تحمّل واشنطن، تحت أي ذريعة، مسؤولية حراسة المقاتلين الإرهابيين الأجانب خلال هذه العمليات".

وقال ناتان سيلز، منسّق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية في حديث إلى "فرانس برس"، إنّ "نقل المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية وتوجيه الاتهامات إليهم هناك، هو أفضل طريقة لتجنب عودتهم إلى القتال". إلا أنّ الإدارة الأميركية وقوات سوريا الديموقراطية "ليست مسؤولة عن إيجاد حلول لمئات المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، وفق سيلز الذي دعا البلدان المعنية إلى "عدم انتظار الآخرين لإيجاد حلول لهم".

 

دول مضطربة ومساع خجولة

العديد من الدول التي كانت اختارت إبقاء الإرهابيين من مواطنيها في سجون قوات سوريا الديموقراطية، مثل فرنسا، تواجه اليوم معضلة لها تشعّبات دبلوماسية وقانونية وسياسية: إذ كيف يمكن دولة أن تترك مواطنيها محتجزين لدى قوّات تسيطر على أراض في دولة أخرى من دون أن تكون لها صفة الدولة، ومصير هذه القوات نفسه مجهول؟ هذه العوائق دفعت بعض الدول، وبينها فرنسا، لاتخاذ قرار إعادة مواطنيها إلى بلادهم.

وأكّد مصدر في باريس لـ "فرانس برس" أنّه من المحتمل جداً أن يُستعان بطائرات أميركية لنقل الفرنسيين من إرهابيين وغير مقاتلين إلى فرنسا، ويقدر عددهم بأكثر من مئة غالبيتهم من القاصرين. وكان قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزف فوتيل قال مطلع فبراير (شباط) إنّ الولايات المتحدة تتحمل "مسؤولية تسهيل" هذه المهمة، مضيفاً "في إمكاننا التوصّل إلى اتفاقات".

علماً أنّ واشنطن سبق وسيّرت رحلات جوية من سوريا لنقل إرهابيين إلى بلدانهم، وأعربت عن استعدادها للبحث في خيارات لوجستية عدة تساعد بعض الحكومات على تجنب قيود قانونية وسياسية تكبّلها، مثل المرور ببلد ثالث قبل الوصول إلى البلد الأم.

ويشتكي بعض الإرهابيين الأجانب الموقوفين لدى قوات سوريا الديموقراطية من تركهم لمصيرهم، وفق قول الإرهابي الكندي محمد علي لـ "فرانس برس"، الذي ناشد دولته التدخل لمساعدته. في المقابل أعلنت وزارة الخارجية الكندية فتح قنوات اتصال مع قسد، من دون التوصل إلى اتفاق في شأن ترحيل مواطنيها. وتفيد بيانات منظمة "عائلات ضد التطرّف العنيف" غير الحكومية التي تتابع ملف الإرهابيين الكنديين، عن وجود 25 كندياً محتجزين لدى قسد.

أمّا تونس، فقد باشرت أخيراً مساعي خجولة لاسترجاع عدد من أطفال الإرهابيين في ظلّ رفض جزء كبير من الرأي العام والحكومة الأمر، علماً أنّ السلطات التونسية كشفت أنّ هناك حوالي ثلاثة آلاف تونسي التحق بالتنظيمات الإرهابية خارج البلاد، بينما تقدّر منظّمة "هيومن رايتس ووتش" عددهم بنحو خمسة آلاف شخص، منتقدةً تقاعس الدولة في إعادة الأطفال والأمّهات المحتجزين في سجون دول عربية. وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أعلن أنه إذا كان هناك مقاتلون يريدون العودة إلى تونس "فالدستور يفرض قبول كل التونسيين، ولكن يجب أن يمروا عبر القضاء مع احتمال السجن".

 

المحاكمات في العراق حلّ أم مشكلة؟

من جهة أخرى، تقلق عائلات الإرهابيين الأجانب ومدافعون عن حقوق الإنسان من إمكان محاكمة هؤلاء في العراق، تجنّباً لإعادتهم إلى موطنهم واستحالة محاكمتهم في سوريا. وقد سبق للعراق أن حاكم مئات الأجانب من مقاتلي "داعش" واستقبل إرهابيين اعتقلوا على الأراضي السورية.

وترى فيرونيك روي، وهي عضو في "مجموعة العائلات المتحدة" التي تضم 70 عائلة فرنسية التحق قريب لها بمناطق التنظيم، أن محاكمة أكثر من 60 فرنسيّاً في العراق "ستكون مأساويّة".

وتؤكد بلقيس ويلي من "هيومن رايتس ووتش" لـ "فرانس برس" أنه بمجرد وصول الإرهابيين إلى العراق "هناك خطر أن يتعرضوا للتعذيب وأن يخضعوا لمحاكمات غير عادلة". مضيفةً أنه سبق للقوات الأميركية أن سلّمت معتقلين أجانب إلى قوات مكافحة الإرهاب العراقية، وهي المسؤولة في العراق عن عمليات التحقيق والاستجواب قبل المحاكمة، لتستقي ما أمكن من معلومات عن تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان يحتل ما يقارب ثلث مساحة البلاد.

وأعادت روسيا من جهتها، الأحد في 10 فبراير، 27 طفلاً لأمّهات روسيات محكومات في العراق بتهمة الانتماء إلى "داعش" وقُتل آباؤهم في معارك التنظيم ضد القوات العراقية، وفق ما قالت مندوبة حقوق الطفل في روسيا آنا كوزنتسوفا لـ "فرانس برس". وكانت روسيا أعادت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي 30 طفلاً، معلنةً بقاء 123 آخرين في العراق، مع تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ العمل جار على إعادتهم، إذ لا يسمح القانون العراقي للنساء المحكومات بالاحتفاظ بأطفالهن بعد بلوغهم سن الثلاث سنوات. إلّا أنّ الناشطة الشيشانية خيدا ساراتوفا تقول إنّ هناك "أكثر من ألفي طفل وامرأة روسيّين في سوريا والعراق"، حيث انضمّ آلاف الروس في السنوات الأخيرة إلى صفوف الإرهابيين، بعض منهم مع عائلاته، وفق تقديرات أجهزة الأمن الروسية.

الوقت يتسارع، والتخبّط في معالجة مصير عائلات وأطفال الإرهابيين سيّد الموقف. والإخفاق في معالجة هذا الملف لن يرحم، ما يزيد من ضرورة تحمّل دول العالم مسؤوليّاتها تجاه الإنسانيّة أوّلاً، ولتجنيب عالم الغد "داعشيين" جدداً من نسل القدماء، نتيجة الإهمال.

المزيد من دوليات