Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العبادي... حذار "الجحر" ثانية!

"المطلوب من رئيس الوزراء الأسبق ألاّ يُلدغ مرة أخرى"

"رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قدّم رؤية تشكّل منطلقاً لصياغة مشروع وطني إصلاحي" (رويترز)

صدف أنني كنتُ في مرحلة من المراحل قريباً ومقرباً من رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، ما سمح لي أن أواكب عن قرب، جانباً من النقاشات والجدل الذي سبق ورافق التحضيرات للانتخابات البرلمانية الأخيرة، خصوصاً في ما يتعلق بالحوارات التي أجرتها القوى السياسية والأحزاب المختلفة حول تشكيل القوائم والكتل والتكتلات.

ومن غير المبالغ فيه القول إن رئيس الوزراء حينها حيدر العبادي كان محور هذه النقاشات ورغبة كل من الأطراف في أن يكون حليفاً له أو متحالفاً أو على تفاهم معه، لضمان عودته أو دخوله إلى الندوة البرلمانية والمشاركة في الحياة السياسية والسلطوية، انطلاقاً من كونه، العبادي، صاحب الإنجاز الوطني الأبرز في تلك المرحلة، عندما استطاع تحقيق هدفين أساسيين على المستوى الأمني الداخلي، بقيادة معركة الانتصار على تنظيم "داعش" واستعادة مدينة الموصل التي تُعتبر آخر معاقله، ثم عزّزها بمعركة إعادة فرض سيطرة الدولة والحكومة المركزية على مدينة كركوك والمناطق المختلف عليها مع إقليم كردستان، الأمر الذي أسهم في قطع الطريق أو أعاق مشروع انفصال الإقليم الذي برز إلى الواجهة وتحوّل إلى تحدٍّ جدي للحكومة الاتحادية أو المركزية بعد استفتاء الانفصال الذي أجرته قيادة الإقليم.

وفي موازاة هذه المعركة العسكرية والأمنية وجهود الحفاظ على وحدة الدولة الفيدرالية العراقية، خاض العبادي معركة التوازن في العلاقات الدولية والإقليمية للبلاد، منطلقاً من إدراك واضح لخصوصية موقع العراق الجيوسياسي والجيوستراتيجي في المنطقة وفي المعادلات الدولية والإقليمية، والسعي لعدم تحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية والأمنية بين القوى الفاعلة في المنطقة، إن كان على خط الصراع المفتوح بين الولايات المتحدة الأميركية والنظام الإيراني، وإن كان في لعبة التوزان في مساحات النفوذ بين القوى الإقليمية، إيران من جهة والحاضنة العربية من جهة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه المعركة على حساسيتها لم تكن أقل صعوبة من المعركة العسكرية ضد الإرهاب و"داعش"، لأنها شكلت مواجهة مفتوحة بين منطق الدولة والوطنية العراقية وبين منطق الاستحواذ ومصادرة العراق وجرّه، إما إلى الفلك الأميركي أو الحضن والمحور الإيراني، ولعل التحدي الأبرز في هذا المسار كانت الجهود التي بذلت لدفع القوى السياسية والحزبية المستظلة بفصائل الحشد الشعبي لتغليب المشروع الوطني على حساب المشاريع الإقليمية أو الدولية.

في المقابل، شهدت تلك المرحلة نوعاً آخر من الصراع السياسي، توزع اللاعبون فيها بين فريقين يمكن تصنيفهما تحت عنوان أحزاب الإسلام السياسي، الأول يضم حزب الدعوة والمجلس الأعلى وتيار الحكمة، والثاني التيار الصدري المتحالف مع قوى المجتمع المدني والعلمانيين بمن فيهم الحزب الشيوعي.

وبينما انشغل الفريق الأول في معركة الدفاع عن المصالح والحصص والاستحواذ على السلطة والنفوذ، كان الفريق الثاني يعمل على إخراج القوى المنافسة من السباق السياسي والتأسيس لدوره المقبل في القبض على مراكز القرار ومفاصل السلطة والتحكم بها على حساب الآخرين أو على الأقل أن يكون المقرر الأول والأخير في التركيبة السياسية للدولة ومراكز القرار فيها.

واستطاع مقتدى الصدر أن يعطل آليات التوافق بين الأحزاب والكتل السياسية بتشكيل تحالف انتخابي واسع قبل الانتخابات، يؤسس لمسار سهل يسمح بتسمية رئيس الوزراء المقبل، ولجأ بعد الانتخابات إلى الدفع باتجاه تشكيل تحالف مع تحالف النصر برئاسة العبادي والوطني بقيادة إياد علاوي، كان الهدف منه إيجاد كتلة برلمانية وازنة وقادرة على تعطيل أي مسار لا يتوافق مع المشروع الذي يخدم مصالحه، مع احتفاظه بالقدرة على تعطيل هذا التحالف أو تفعيله، والاستعداد الدائم للانقلاب عليه وعلى المتحالفين معه في اللحظة التي يعتقد فيها أن الأمور تسير بعكس الاتجاه الذي يرغب فيه.

الأمر الذي سمح له بتعطيل آلية اختيار الكتلة الأكبر التي تملك الحق الدستوري في تحديد اسم رئيس الوزراء عندما أدرك وجود إمكانية لتشكيل هذا التكتل خارج إرادته وعلى حساب الحجم التمثيلي الذي يمتلكه، وبالتالي لم يتردد في التضحية بحليفه رئيس تكتل النصر حيدر العبادي والذهاب إلى توافق مع تحالف الفتح الممثل لفصائل الحشد الشعبي واستبعاد كتلة دولة القانون في رسم المعالم السياسية للرئاسات الثلاث والشخصيات التي تتولى هذه المناصب، مع الاحتفاظ بحق الاعتراض على آلية تشكيل الحكومة وتوزيع المواقع الأولى إلى جانب الحصول على الحصة الأكبر منها.

واستطاع تكتل "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر وتياره تحقيق الهدف الأول والأساسي الذي يشكل الهاجس الأبرز له، أي استبعاد  حزب الدعوة وإخراجه من الواجهة السياسية في السلطة، من خلال قطع الطريق على تسمية أي من الشخصيات القادرة على قيادة المرحلة ومحسوبة على رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أو المقربة منه ومن تكتله، والثاني بإخراج العبادي من السباق الرئاسي، بعدما فضل الصدر الابتعاد عن إمكانية الدخول في تسميته انطلاقاً من خلفيته الحزبية في الدعوة، على الرغم من التباين الواضح في المواقف بين العبادي والآلية الحزبية، إلاّ أنّه (الصدر) تذرع بعدم إعلان العبادي الخروج علناً من الحزب باعتباره شرطاً من قبل "الصدر" لتبني ترشيحه للرئاسة.

وبعد الأحداث الأخيرة التي شهدها العراق والتظاهرات التي عمت محافظات بغداد والفرات الأوسط والجنوب، وما أدت إليه من مواجهات دموية بين المتظاهرين والقوات الأمنية، وانتهت بإجبار عادل عبد المهدي على إعلان استقالته من رئاسة الوزراء، لم تعمد القوى السياسية المعنية بالأزمة إلى تقديم رؤية واضحة لآليات الحل الممكنة لإخراج العراق من هذا النفق المعقد، باستثناء العبادي الذي، وإن كان كما يؤكد، أنه غير راغب في العودة إلى موقع المسؤولية في رئاسة الحكومة، إلاّ أنه قدم رؤية وخريطة طريق قادرة على أن تشكّل اللبنة الأولى والأساس لصياغة مشروع وطني إصلاحي على صعيد الأزمة السياسية والإدارية والعسكرية والإقليمية والدولية، بوابتها إخراج السلطة القضائية من هيمنة القوى السياسية وتأثيراتها في طريق محاسبة جدية للفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة.

وعلى الرغم من هذه المبادرة، فإن موازين المصالح لم تتغير لدى القوى السياسية المقررة في العملية السياسية العراقية، خصوصاً في ما يتعلق بإمكانية أن يكون العبادي أحد المرشحين المحتملين لإخراج العراق من هذا المأزق الوجودي بالاعتماد على قدرة الأخير في إدارة المعركة العسكرية مع داعش والإرهاب، إلاّ أنّ المطلوب من العبادي أن يكون على حذر من ألاّ يُلدغ مرة أخرى ومن الجحر ذاته الذي ضحى به في المرة الأولى من أجل مصالحه الضيقة، خصوصاً أن التيار الصدري، بات أحد الأطراف المقررة وشريكاً بارزاً للحراك الشعبي في تقرير مصير المرحلة المقبلة في العراق واستعداده الدائم للدخول في تسويات سياسية وأمنية تضمن له البقاء شريكاً مقرراً في المستقبل على حساب كل القوى والأحزاب، بما يؤسس لترجمة طموحه بأن يستفرد بالقرار العراقي على المستويين السياسي والديني.

وهذا ما يستدعي من قوى الحراك أولاً، والقوى الوطنية ثانية، اليقظة ومراقبة المؤشرات التي تصدر عن زعيم هذا التيار وإلى الاتجاهات التي يسعى أن يفرضها كحلول للأزمة العراقية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء