Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكهرباء أولاً في لبنان... فهل تنجح الحكومة؟

منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية وحتى نهاية عام 2018، أُهدر على مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 38 مليار دولار، ولا تغذية كهربائية متواصلة حتى الآن

ﻣﺒﻨﻰ شركة كهرباء لبنان (غيتي)

يتحرك لبنان بعد تشكيل الحكومة على وقع وعود مؤتمر "سيدر" بملياراته الـ 11 ، التي قد تصل إلى 17 مليار دولار من القروض الميسرة في حال تنفيذه الإصلاحات المطلوبة. وأبرز العلل في لبنان هي قطاع الكهرباء، الذي بقي عصياً على الإصلاح، مكبداً وحده الدولة اللبنانية نصف قيمة الدين العام. فمنذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية وحتى نهاية عام 2018، أُهدر على مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 38 مليار دولار، ولا تغذية كهربائية متواصلة حتى الآن، يتصدر هذا الملف المتطلبات الدولية، التي وضعت إصلاحه في سلّم الأولويات، إذ إن الدول المانحة خصصت 20 في المئة من أموال "سيدر" لهذا القطاع تحديداً. لكن المشكلة في الكهرباء ليست في التخطيط، إنما في التنفيذ. فمنذ عام 2010 وضعت وزارة الطاقة خططاً وافق عليها مجلسا الوزراء والنواب، ونفذ منها القليل وبقي الكثير.

الخلافات السياسية والفساد

ويعزو الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة هذا التقصير إلى الخلافات السياسية والفساد. واستناداً إلى تصريح سابق لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، فإن كلفة المولدات الخاصة على اللبنانيين تبلغ مليار دولار سنوياً، في حين تنتج هذه المولدات حوالي 1500 ميغاوات، بينما تؤمن معامل الكهرباء الحكومية ما بين 1200 و1600 ميغاوات سنوياً كحد أقصى. فكيف ينتج القطاع الخاص 1500 ميغاوات بمليار دولار، وهو يعمل بأسعار السوق، بينما تنتج مؤسسة كهرباء لبنان 1500 ميغاوات، كمتوسط، بكلفة تقارب 2.4 مليار دولار؟

رصدت الحكومة اللبنانية، في موازنة 2018، 1.4 مليار دولار لكهرباء لبنان، أضيفت إليها اعتمادات بقيمة 430 مليون دولار، بالإضافة إلى تحصيل حوالي 500 مليون دولار من الجباية، في حين تطلب المؤسسة حالياً اعتمادات إضافية بقيمة 400 مليون دولار. وهنا تحديداً يكمن الهدر والفساد. يرى عجاقة أن خطة وزير الخارجية الحالي جبران باسيل، التي طرحت عام 2010، عندما كان وزيراً للطاقة والمياه، جيدة إذا طُبقت. لكن المخاوف اليوم تتمحور حول احتمال تضارب المشاريع المقترحة في مؤتمر "سيدر" مع خطة باسيل، الذي أعاد طرحها وزير الطاقة والمياه السابق سيزار أبي خليل، عام 2014، ولم يطبق منها إلا القليل أيضاً. وفي مضمونها، تطرح الخطة إنتاج 4 آلاف ميغاوات، تقدر كلفتها بـ4.8  مليار دولار، 1.55 مليار دولار منها تؤمن من الدولة اللبنانية و2.3 مليار دولار تؤمن من القطاع الخاص، ومليار دولار تُقدم من الجهات المانحة، إضافة إلى 1.65 مليار دولار تؤمن على المدى الأبعد.

إنشاء معمل في دير عمار لإنتاج 550 ميغاوات؟

من جهتها، توضح وزارة الطاقة والمياه أن ما تحقق، منذ عام 2010، كان شراء طاقة من باخرتين تنتجان 270 ميغاوات، بالإضافة إلى شراء كهرباء من سوريا بقدرة 138 ميغاوات، وإنشاء معامل جديدة في الزوق والجية بقدرة 272 ميغاوات، والانتهاء من دراسة الجدوى الأولية الفنية لمشروع إضافة وحدات تولد ما بين 1000 إلى 1500 ميغاوات إلى الشبكة الكهربائية وفق نظام IPP، أي نموذج المنتجين المستقلين للطاقة. وتوقيع عقد مع مؤسسة التمويل الدولية لمواكبة مشاريع الـ  IPP في معملي الزهراني 2 وسلعاتا 1، والانتهاء من خطة تطوير القطاع الكهرمائي في لبنان لتأمين ما بين 263 و368 ميغاوات ومنح تراخيص لثلاث شركات من القطاع الخاص لإنتاج طاقة من الرياح تفوق الـ200 ميغاوات وإجراء مناقصة للمشاركة في إنتاج الكهرباء من محطات شمسية تنتج حوالي 180 ميغاوات. أما ما لم يتحقق فهو إنشاء معمل في دير عمار لإنتاج 550 ميغاوات، تأهيل معمل الزوق وإنشاء معمل الجية بقدرة إنتاج تصل إلى 800 ميغاوات، زيادة دارة مركبة على التوربينات الغازية في صور وبعلبك بقدرة 70 ميغاوات وإنشاء معامل جديدة بقدرة إنتاج تصل إلى 1000 ميغاوات بطريقة الـ IPP.

وترجع وزارة الطاقة المعوقات، التي حالت من دون الوصول إلى تأمين كامل للكهرباء، إلى تأخر ديوان المحاسبة في منح الموافقات على العقود التي أبرمتها الوزارة، وتأخر وزارة المالية في دفع مستحقات المتعهدين، وتأخير معمل دير عمار مسألة تضمين الضريبة على القيمة المضافة أو عدم تضمينها، ما حرم اللبنانيين من 5 ساعات تغذية إضافية. كما أن وزارة المالية تأخرت في تمويل الاستشاري للـ IPP، بالإضافة إلى أعباء مالية وخسائر ملحوظة على الاقتصاد نتيجة التأخير في إنجاز المشاريع. يضاف إلى ذلك، الضرر الذي قد يلحق بالمال العام نتيجة مطالبة المتعهدين والاستشاريين بتعويضات مالية ناتجة عن الدعاوى المقدمة من قبلهم.

مشكلات في الجباية والنقل والتوزيع

وتواجه مؤسسة كهرباء لبنان معوقات تقنية ومشكلات في الجباية والنقل والتوزيع. فنسبة التعليق غير الشرعي على الشبكات بلغت 36 في المئة كمتوسط. فيما تخطت كلفة استهلاك النازحين السوريين المباشرة 220 مليون دولار سنوياً، تضاف إليها 110 مليون دولار كلفة على اللبنانيين من الكهرباء الفائتة. أما بالنسبة إلى قطاع النقل، فلم تستطع كهرباء لبنان إنهاء ربطة الوصل الـ 220  كيلو فولت في المنصورية، نظراً إلى اعتراض السكان، والتريث في دراسة امكانية مضاعفة السعة التحويلية لمحطة كسارة 400 كيلو فولت، وإنشاء خط نقل 66 كيلو فولت السلطانية-مرجعيون. في مجال التوزيع، استطاعت الوزارة تطبيق إجراءات تحسينية لزيادة المداخيل وإطلاق مشروع مقدمي الخدمات وتركيب مشروع تجريبي للعدادات الذكية، التي بلغ عددها حوالي 4 آلاف عداد. لكن على الرغم من ذلك، ما زالت الخسائر غير التقنية تشكل رقماً يتراوح بين 20 و25 في المئة من الكهرباء المُنتجة، وهي تشمل فواتير غير محصّلة وضعف في تأمين إدارة سليمة للقطاع. إذاً، قطاع الكهرباء بحاجة إلى إعادة تأهيل، لكن الدولة اللبنانية أثبتت فشلها على مدى عشرات السنوات في إدارة هذا المرفق الهام، الذي تتخطى أرباحه في حال أدير في شكل سليم مستوى 30 في المئة، وفق الخبراء. ومع مؤتمر "سيدر" أصبح ولوج القطاع الخاص إلى ملف الكهرباء واقعاً، خصوصاً بعد إقرار مجلس النواب اللبناني قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ومصر القريبة جغرافياً عانت لعقود من حالة التغذية الكهربائية السيئة، لكنها استطاعت بقرار سيادي افتتاح ثلاث محطات لتوليد الكهرباء، بقدرة انتاجية بلغت 14.400 ميغاوات وبكلفة 8.16 مليار دولار، في فترة لا تتجاوز 27 شهراً، لينعم 45 مليون مصري بكهرباء دائمة. ملف الكهرباء سيكون أول الملفات على طاولة مجلس الوزراء، ولن يكون بالسهولة المرجوة. لكن لعلّ الأيام القليلة المقبلة ستكون خير دليل على قدرة الحكومة اللبنانية على إدارة ملفاتها الشائكة والملحة.

المزيد من اقتصاد