Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيد الصحافة الأميركية تقييم علاقتها المهينة والمسيئة بالرئيس، بعد اعتداء مشجعي ترمب على صحافيين؟

 ترمب قد يتوقف عن تنظيم تجمعات إذا لم تتناولها وسائل الإعلام. فهو يزدهر تحت الأضواء

تجمع مؤيدي ترمب (غيتي)

تولي الصحافة اهتمامها الأشخاص النافذين. وبدأ دونالد ترمب يستفيد من هذا الانتباه في الثمانينات، ويمكن القول إنه لم يكن ليصبح رئيساً لو لم يكن شخصية من بنات وسائل الإعلام. ولكنه ينكر فضلها عليه، ومؤيدوه أدركوا ذلك. ولطالما ربطت بين الشخصيات السياسية وبين الصحافة علاقةُ مصالح متبادلة. وإثر مهاجمة أحد مشجعي ترمب في إل باسو بتكساس مصوراً في قناة "بي بي سي"، ثبت أن الرئيس صار شريكاً مسيئاً في هذه العلاقة.

يحتاج الرؤساء الأميركيون إلى الصحافة لترويج مبادراتهم، وتسليط الضوء عليهم، ومدّ الجسور مع عموم الناس. وترضى الصحافة بهذا الدور لأنها تعرف أو تفترض أن جمهورها يهتم بمتابعة الرئيس. وقد يقول كثيرون في القطاع الإخباري إنهم يريدون مساءلة النافذين.

وحصل أن أخفقت الصحافة، على سبيل المثل حين لم يتحدَّ الصحافيون، على قدر كافٍ، مساعي جورج دبليو بوش وتوني بلير قبيل اجتياح العراق في 2003. ولكن عموماً، تتسم العلاقة بين الرئيس والصحافة باحترام متبادل، ولو كانت علاقة متوترة.

غير أن ترمب أطاح هذا العرف. فهو يندّد على الدوام بوسائل إعلام "الأخبار الكاذبة"، ووصف بعض هذه الوسائل بـ "عدو الشعب". وعلى رغم الشتائم، لا يزال، شأن أسلافه من الرؤساء الأميركيين، يعتمد على الصحافة.

وقد يتوقف ترمب عن تنظيم تجمعات إذا لم تتناولها وسائل الإعلام. فهو يزدهر تحت الأضواء. وحين يعلو المسرح، يشير على الدوام إلى الانتباه المُسلط عليه. فهو تبجّح في إل باسو قائلاً "أنظروا إلى كل هذه الصحافة... هل يسعكم تصديق ذلك؟" وردّ الجمهور بصوت استهجان.

ويرى مؤيدوه أن الصحافة، على رغم تنوّع ما ترفعه من إيديولوجيات سياسية، صارت تجسيداً فعلياً لليبرالية، ويقتنصون الفرص للإساءة إليها. والإساءة قد تتخذ شكل صرخات استهجان متواصلة، أو كيل الشتائم أمام عدسة الكاميرا وقد تنتهي إلى اعتداءات فعلية، على غرار الاعتداء في إل باسو. وحرفياً ومجازياً، صارت الصحافة مثل كيس ملاكمة يوجه إليه كثير من الغاضبين الذين يرتدون قبعات عليها شعار "لنجعل أميركا عظيمة" الضربات. والتجمعات السياسية في طبيعتها قد تنزلق إلى اعتداء حزبي. ولكن لا يؤجّج عادة من هو في سدة المسؤولية التوترات. وذات مرة، توجه باراك أوباما إلى الجمهور حين كان يشجب الجمهوريين قائلاً "لا تستهجن، بل صوّت". وحين كان جون ماكين مرشحاً إلى الرئاسة، صادر المذياع من أحد مؤيديه الذي وصف أوباما بالعربي غير الجدير بالثقة دفاعاً عن منافسه.

والتباين بين مثل هذه التجمعات وبين تجمعات ترمب، صارخ. وربما هذه الغاية من قرار ترمب مواصلة حملته في 2016 بعد بلوغه الرئاسة وتأجيجه العداء الذي أفضى إلى العنف في بعض الحالات. ويواصل ترمب ونوابه إبلاغ المؤيدين بأن العالم ضدهم. وفي إل باسو، قال ترمب الابن إن الليبراليين يكرهون قطاع الأعمال. وهذا ما روّجت له طوال سنوات، مصادر محافظة مثل فوكس نيوز (وهي طبعاً ترى أن ثمة حرباً تشن على عيد الميلاد). ويوجه ترمب ارتياب المحافظين الشامل إلى الصحافة. فالصحافيون كبش فداء في المتناول، على خلاف الخصوم السياسيين.

وهذه العلاقة المسيئة تتواصل. والوسائل الإخبارية تواصل الدوران في هذه الحلقة المفرغة حين تنقل أخبار العداء والشتائم وتذيعها، وتتوجه إلى كل تجمع ترمبي طالبةً مزيداً من هذا العدوان. وترمب ومؤيدوه هم مادة دسمة للأخبار السياسية واللقطات الجيدة، وهم مادة تدرّ العوائد، ومن العسير الاستغناء عنهم وتغير الأحوال. فوسائل الإعلام شأن السياسة هي قطاع قاسٍ، النجاح فيه مهم مهما كان الثمن ومهما كان الضرر اللاحق بالآخرين. وليس في المتناول حلّ يسيرٌ يداوي ما خلّفه ترمب والمحافظون قبله من أضرار حين اعتبروا الصحافة خصماً لهم. وهذا الحادث الأخير، يُنبئ بما نعرفه: مرحلة ترمب السياسية أنشأت جناحاً ديدنه ازدراء المؤسسات الليبرالية وفكرة الليبرالية نفسها والخوف منها.

د.ليندسي بلومل هو محاضر في الصحافة في سيتي -جامعة لندن.

© The Independent

المزيد من آراء