Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فراق" أحلام مستغانمي يخيّب قارئاتها اللواتي انتظرن رواية حب

تتذمر من ملايينها على فيسبوك لكنها لا تتخلى عنهم

احلام مستغانمي والفراق (الصورة: غلاف الكتاب)

كانت قارئات أحلام مستغانمي ينتظرن أن تطل عليهن كاتبتهن الشهيرة برواية، بعد ست سنوات على صدور "الأسود يليق بك"، لكن الكتاب الذي فاجأتهن به لم يكن في حجم انتظارهن، مع أن عنوانه لا يخلو من الجاذبية أو التشويق: "شهياً كفراق". وعندما أطلقت أحلام كتابها في معرض الشارقة للكتاب أولاً ثم في معرض بيروت، تدفقت المعجبات لينلن توقيعها كالعادة، واصطففن أرتالاً أمام منصة التوقيع، وهذا مشهد "أحلامي" جداً. ولكن لم تمض أيام على حفلتَي التوقيع حتى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي شكاوى لطيفة طبعاً، ومن قبيل العتب، فالقارئات كنّ يتوقعن أن يكون جديد أحلام رواية، فإذا به كتاب عادي يضم ما يشبه المقالات، عطفاً على رسائل توجهها الكاتبة إلى صديقة لها تدعى كاميليا استغرقت أكثر من نصفه، مع أنها تشير في التقديم، إلى أن كاميليا لن تقرأ هذه الرسائل، وتسميها "فأرتي الصغيرة البيضاء التي اختبر فيها كل نظرياتي النسائية". 

لم تخلُ "المفاجأة" المنتظرة من خيبة ساورت قارئات أحلام اللواتي يردن منها روايات حب تسلي وتثير العواطف وتحرك لواعج القلوب، ولا يردن نصائح وإرشادات و"وصفات" عاطفية مثل تلك التي حملها كتاب "نسيان. كوم" (2009) ... إلا أن الكاتبة تستبق هذا الشعور بالخيبة وتبرر تكاسلها بما تسميه "هموم الأمة" التي سرقتها من نفسها فجفّ حبرها من الذهول (ص:18). ورداً على سؤال طرحه عليها ناشرها، الشاب الأربعيني الذي كما تقول، يرأس "أكبر جمهورية للكتب" حول تقاعسها عن كتابة الروايات، قالت إن قلة إنتاجها قد تعود إلى "كون أفكارها استحالت دموعاً"، وإنها لم تستفد من فائض حزنها لتحول مجرى دموعها إلى عمل إبداعي. ثم تعترف بأنها، إضافة إلى كل هذا، امرأة كسولة، لا تجهد نفسها في مطاردة الكلمات وإلقاء القبض على الأفكار.

ليس في هذا الكلام الطنان ما يبرر تلكؤ أحلام عن الكتابة الروائية، فهو أقرب إلى الشعارات التي استنفدها الشاعر نزار قباني، وهي ما برحت تصر على تقفي أثره بعد أعوام على غيابه. وقد لا يجوز أن تنقل على لسانه مديحاً رهيباً كاله لها بعد تأثره بها فوراً عندما دخلت مرة قاعة كان يقرأ فيها شعراً فحلت عليه وهو على المنبر كالبرق. قال لها نزار بعد انتهاء الأمسية: "رأيت برقاً... فقلت هذه أنت". ومما تسوق في كلامها الدائم عن صاحب "الرسم بالكلمات" أنها عندما التقته بعدما أصبحت روائية، لم يكن على علم بروايتها الأولى "ذاكرة الجسد".

ولا ندري لماذا تتجاهل أحلام هنا أن قباني كتب لها كلمة إطراء على الغلاف كانت بمثابة بطاقة شهرتها الكبيرة. وعلى طريقة نزار الذي كما تقول، لم تكن تفارقه قطته عند الكتابة، اقتنت أحلام قطة لتساعدها أيضاً في الكتابة، فتشعر بالسعادة لاقتنائها حتى تصبح القطة قضيتها وفق ما تكتب "الزمن تغير يا نزار، وأنت لا تدري ما صار من بعدك، لذا أعذرني إن غدت قطتي هي القضية".

بعد صدور الترجمة الفرنسية لروايتها "الأسود يليق بك" في بيروت عن دار نوفل أيضاً، ولكن بعنوان مختلف هو "النسوة لا يمتن حباً"، التقى صحافي فرنسي من جريدة "ليبراسيون" أحلام مستغانمي خلال رحلتها إلى باريس، لكنه لم يجرِ معها حواراً أدبياً بقدر ما شاءه حواراً عاماً و"استفزازياً"، وقد اختار له عنواناً مستهجناً "أحلام مستغانمي كاتبة تبشّر باللذة". أقرّ الصحافي بأنها الكاتبة الأكثر قراءة في العالم العربي، ووصف رواياتها بروايات "ماء الورد" التي راجت في الخمسينات في فرنسا لا سيما عبر سلسلة "أرلوكين" التي تضاهي سلسلة روايات "عبير" في لبنان والعالم العربي.

وهذه صفة تحط من مستوى اعمال أحلام وتأسرها بطابعها العاطفي. في أول اللقاء تبادره أحلام قائلة: "لا أحتاج إلى الصحافيين" فيفاجأ، فهو لا يعلم أن الصحافة العربية بمعظمها تنتقد أعمال أحلام وتناقشها. وتردد أمامه قولها: "المرأة العربية ضحية والرجل العربي جلاد وضحية". ويشير هو إلى تكرار قولها: "نكتب قصيدة عندما نفقد حباً، نكتب رواية عندما نفقد بلاداً". وهذا قول مرتجل وسطحي وغير حقيقي، ويعني أن الروائيين يجب ألا يكتبوا روايات إلا عندما يفقدون بلدانهم. لكنها تتباهى بأنها تملك عشرة ملايين قارئ على "فيسبوك"، يتابعونها يومياً ويرسلون لها التحيات و"اللايكات".

فوجئ الصحافي كثيراً بهذا الرقم، فالكاتبة جي. كي. رولينغ التي تعد من الأكثر مبيعاً في العالم تملك خمسة ملايين ونصف مليون من "الأصدقاء" على "فيسبوك". ويذكر الجميع أن أحلام أطفأت قبل بضعة أعوام شمعة «المليوني معجب» الذين احتلوا صفحتها الخاصة على "فايسبوك"، واحتفلت بهذا الرقم الذي لم يبلغه كاتب عربي، ووجّهت رسالة إلى هؤلاء المعجبين الخلّص، شاكرة إياهم على هذه المحبة التي هي بحسبها "نعمة لا تشترى"... وقالت إنّ "قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم"، متمنيةً أن تكون عند حسن ظن هؤلاء القراء وعند "حسن ظن الأدب بي" مثلما عبرت. الآن قفز عدد معجبي "فيسبوك" إلى عشرة ملايين، وهذا رقم رهيب لكنه لا يعني شيئاً بتاتاً على المستوى الأدبي والإبداعي والثقافي وحتى على مستوى المبيع. 

تعلم أحلام جيداً أن هؤلاء الملايين ليسوا قراء ولا يمكنهم أن يكونوا قراء، لكنها تتناسى الأمر وهمّها إدراجهم في خانة قرائها، بصفتهم أعداداً. وتعلم أحلام أن أرقام مبيعها بدأت تتراجع عما كانت عليه قبلاً، وهذا ما يعترف به بعض العاملين في سوق الكتب. يتراجع المبيع ويزداد عدد "الأصدقاء" الذين باتت تكفيهم علاقتهم الافتراضية بها. وما يفاجئ حقاً أن أحلام نفسها بدأت تضيق ذرعاً بهؤلاء الأصدقاء الذين يهدرون وقتها، وفق ما تقول في كتابها الجديد. إنها "مصيبة الإنترنت" كما تسميها، نزلت عليها في شكل "نعمة تكنولوجية"، فخرجت من عزلتها مكرهة إلى الأضواء الكاشفة وصارت تعيش مع قوم راح عددهم يتكاثر ويتضاعف في فيسبوك "حتى غدوا ملايين من المتابعين والمتتبعين لأخباري، تضاف إليهم قبائل التويتر وعشائر الانستغرام".

ولعل كلامها عن شعوبها وقبائلها وعشائرها لم يسبقها إليه أحد، حتى نزار قباني ونجيب محفوظ... لكنها تكاد تسخر من نفسها هي التي أصبح عليها أن تدير جمهورية افتراضية على الرغم من معاداتها التكنولوجيا. ورأت في هذه "النعمة"، "نعمة العيش في بيت زجاجي مع ملايين البشر"، قصاصاً من الخالق، فأمنيتها كانت أن تتفرغ للكتابة في جزيرة بعيدة. طبعاً لا تحدد أحلام موقفاً واضحاً: "فيسبوك نعمة أم لعنة؟ إنها تلعب على الحدين كما يقال، وكأنها تسعى إلى تبرير انقطاعها عن الكتابة الروائية.

في مستهل الكتاب تتذمر أحلام من "زمن الوصفات الجاهزة" وتفند هذه الأوصاف معترفة أنها لم تملك يوماً صبراً على قراءة وصفة إلى النهاية. لكن المفاجئ أنها تتكلم لاحقاً وفي الاستهلال نفسه، عن كتابها في كونه "وصفة مثالية لإنجاز كتاب ناجح". حتى رسائلها التي تحتل جزءاً كبيراً من الكتاب لم تخلُ من الوصفات المباشرة أحياناً. وتتذكر أحلام كتابها "نسيان. كوم"(2009) الذي ضمّ "وصفات للشفاء من الحبيب " كما تقول، وتعترف أنها منذ أعوام تفكر في كتابة جزء ثان لهذا الكتاب الذي وضعته ليكون سنداً في معركتها مع الهجران مع أنه وسمها بتهمة النسوية.

ولعله فعلاً كان هكذا كتاب "نسيان. كوم"، كتاباً هو بمثابة "دليل" للنسوة والفتيات، يعظهن ويرشدهن ويكيل لهن الوصفات والحكم والأمثال، حتى إذا أخذن بها، استطعن أن ينجون من أشراك الرجال وحيلهم. لم تتخل أحلام في كتابها الجديد عن شخصية "المرشد العاطفي " التي أدتها في الكتاب ذاك، ولا عن صفة "البصارة" أو "البراجة". وقد فاتها حقاً أن كتابتها كلها أضحت موسومة بـ "ثقافة الوصفات" فهي اعترفت سابقاً أن رواياتها تباع في الصيدليات مع علب الأدوية.

تقول أحلام مبررة عنوان كتابها "شهياً كفراق"، إن العصر الذي نعيشه هو "عصر الفراق" وتصف الفراق بـ "العدو الذي سيهزمنا جميعاً في نهاية المطاف"، لكنها لا توضح معنى الفراق ولاسيما إذا كان شهياً. هل تقصد فراق الأحبة أي الموت أم فراق البلاد أي النزوح والهجرة أم فراق الحبيب أي الفراق الغرامي؟ طبعاً لا جواب لديها، لكنها تتحدث في إحدى الرسائل عن "الفراق المدوي في صمته، القاتل لفرط تجاهله، الفراق الظالم وذاك القاهر...". ولكن كيف يكون مثل هذا الفراق شهياً؟ لعل أحلام نفسها لا تملك جواباً على هذا السؤال.

لن أقول: ليت أحلام مستغانمي انتظرت قليلاً حتى تطل على قارئاتها برواية وأبطال ووقائع، فهي الكاتبة الأكثر مبيعاً في العالم العربي، ولا يجوز اختراق جدار شعبيتها الكبيرة.

المزيد من ثقافة