Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 70 عاما... أكثر التحالفات العسكرية نجاحا في التاريخ مُعرض للخطر

أردوغان وماكرون يفسدان احتفالات حلف الناتو وترمب يحذّر من الصين

الأمين العام لحلف (الناتو) ينس ستولتنبرغ يعقد مؤتمراً صحافياً قبيل قمة قادة الحلف في بروكسل (رويترز)

ما كان من المفترض أن يكون احتفالاً لأفضل تحالف دفاعي في العالم على مدار التاريخ، أصبح علامة على حال التشرذم والشقاق بين قياداته، ليس بسبب تصريحات جديدة أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه المرة، ولكن لأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يعاني من رئيسين آخرين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تسبب في إرباك الحلف بإرسال قواته لغزو شمال سوريا وبشراء صواريخ دفاعية من روسيا خصم الحلف الرئيس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أثار لغطاً واسعاً بتساؤله قبل أيام عما إذا كان الحلف في حال موت دماغي، ولكي تصبح الأمور أكثر سوءاً، تبادل أردوغان وماكرون الإهانات علناً.

وتغيرت أمور كثيرة في حلف (الناتو) منذ أن وجهت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي الدعوة للاحتفال بالذكرى الـ 70 لتأسيس الحلف، إلى الدرجة التي سوف يلتمس فيها الناس العذر لخليفتها بوريس جونسون إذ تمنى ألا تكون "ماي" قد غامرت باستضافة قمة الحلف التي تبدأ في الثالث والرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ويوم الجمعة الماضي وجه أردوغان، المثير للجدل داخل الحلف، انتقادات مباشرة للرئيس الفرنسي حين طالبه بفحص ما إذا كان يعاني من موت دماغي، في إشارة لتعليقات ماكرون التي انتقد فيها التصرفات التركية واصفاً تحالف (الناتو) بأنه يعاني من حال موت دماغي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحديات ومخاطر

وفي ظل وجود ثلاثة من القادة يحملون أجندات متصارعة على طاولة اجتماعات القمة، بدا مستقبل التحالف الأطلسي في خطر بعدما كان قادة الحلف في الماضي يتفاخرون بأنه أكثر التحالفات العسكرية في العالم نجاحاً في التاريخ وأطولها استمراراً، ولم يُخف المسؤولون في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى قلقهم حيال عدد من التطورات الأخيرة، بما في ذلك الحاجة لتجديد التزام الأعضاء بأهداف الحلف منذ اعتداء روسيا على أوكرانيا عام 2014 وضم روسيا شبه جزيرة القرم.

ويواجه الحلف تحديات عديدة منها ارتفاع الإنفاق الدفاعي، واتساع رقعة مكافحة الإرهاب، وتزايد النفقات على الأمن المعلوماتي السيبراني، وتحول الدفاع الفضائي ليصبح من الأولويات على أجندة الحلف، فضلاً عن دخول أعضاء جدد مثل مقدونيا التي ستنضم إلى الحلف العام المقبل ليصبح عدد أعضاء الحلف 30 دولة بعدما كان 15 فقط عند سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة عام 1989.

نزاع الأولويات

لكن هذا التوسع يستنزفه النزاع العلني المتصاعد حول أولويات الحلف والغرض منه، وبحسب مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، سوف يحضّ الرئيس ترمب قادة الحلف خلال القمة، على رفض النفوذ المتنامي للصين وعدم قبول التعامل مع الشركات الصينية مثل شركة هواوي التي تقدم خدمات شبكات الجيل الخامس والتي تدفع بكين لنشرها في القارة الأوروبية، وهو ما يحذر ترمب من خطره لأنه سيجعل القادة والسياسيين الأوروبيين مُعَرضين للتجسس من قِبل الحزب الشيوعي الصيني.

لكن بدلاً من التركيز على احتواء الصين، يرغب الرئيس الفرنسي ماكرون في الاهتمام بمكافحة الإرهاب بعدما قُتل 13 جندياً فرنسياً خلال هجوم إرهابي في مالي، ومقتل مدنيّين بريطانيّين في لندن على يد إرهابي آخر، ما ينذر بموجة جديدة من الإرهاب، كما سيضغط ماكرون من أجل تحمل عبء أكبر في العمليات العسكرية للحلف كنوع من الاستجابة لطلب ترمب تحمل أوروبا عبئاً أكبر داخل الحلف.

أما أردوغان، فيسير عكس التيار ويطالب الحلف الأطلسي بدعم الأهداف التركية في شمالي سوريا بما في ذلك مساعيه لتصنيف القوات الكردية، التي حاربت جنباً إلى جنب مع حلف (الناتو)، ميليشيات إرهابية، كما صب أردوغان الملح على جرح مفتوح بإجراء اختبارات على منظومة صواريخ (إس 400) الروسية التي لا تتوافق مع أنظمة التسليح لطائرات (الناتو) وتهددها بالخطر.

زيادة الإنفاق الدفاعي

وفي حين يؤكد ينس ستولتنبرغ الأمين العام للحلف تحقيق تسع دول فقط الحد المستهدف من إسهام كل دولة في الإنفاق الدفاعي للحلف وهو اثنان في المئة من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية العام الحالي، يعتقد البعض أن الرئيس ترمب سيثير من جديد هذه القضية تأكيداً على مواقفه السابقة ولإرضاء قاعدته الشعبية في الولايات المتحدة التي تنفق بنسبة أكبر تصل إلى 3.4 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي وبما يشكل 69 في المئة من إجمالي إنفاق الدول الأعضاء في الحلف، غير أن أميركا تُنفق على الدفاع أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ووصل إجمالي نفقاتها الدفاعية إلى  649 مليار دولار عام 2018 بما يشكل 36 في المئة من إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي وفقاً لما نشره موقع الحلف على موقعه الإليكتروني.

وبينما وافق أعضاء الحلف على خفض المساهمة الأميركية بمقدار 2.4 مليار دولار ما سيعطي ترمب فرصة جيدة للتباهي أمام مؤيديه بتحقيق إنجازات لم تحدث من قبل، يتوقع الحلف الأطلسي أن ترتفع المساهمات الأوروبية إضافة إلى كندا داخل الحلف في الفترة من 2020 إلى 2024 لتصل إلى 400 مليار دولار.

احتواء الخلافات

محاولات احتواء الخلافات الناشئة في أكبر تحالف عسكري دولي في العالم، بدأت بالفعل، واقترحت ألمانيا إنشاء مجموعة عمل من الخبراء لصوغ تقرير حول الشكل السياسي للحلف مستقبلاً، كما دفع ماكرون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للدفاع عن التحالف حين قالت إن الحفاظ على حلف (الناتو) من أولويات اهتمام ألمانيا وفرنسا، أكثر مما كان عليه الحال وقت الحرب الباردة، لأن أوروبا لا تستطيع حالياً الدفاع عن نفسها بشكل منفرد.

تحذير من المبالغات

وفي الوقت الذي تتردد أصداء الخلافات داخل (الناتو)، حذر مراقبون من المبالغة في توصيف أخطار التوترات الداخلية بين أعضاء الحلف والتي يرونها ليست بجديدة على تحالف يضم دولاً من أقاليم جغرافية مختلفة وأولويات أمنية متباينة. ويرى هؤلاء أن تساؤلات ماكرون حول مدى الالتزام الدفاعي الجماعي للحلف، على الرغم من خطورتها، إلا أنها تأتي في سياق النظرة التاريخية الفرنسية للحلف الذي انسحبت من شقه العسكري عام 1966 خلال عهد الرئيس شارل ديغول ولم تنضم مرة أخرى إلا عام 2009.

ويشير آدم طومسون المبعوث السابق للمملكة المتحدة لدى الحلف، إلى أن الأخير نجح في إدارة الأزمات في أماكن مختلفة حول العالم مثل أفغانستان، وحسم النزاعات بين الأعضاء المحتملين في الحلف شرق أوروبا، كما تمكن من بناء شراكات مع عشرات الدول غير الأعضاء في الحلف.

بداية ونهاية

ولأن لندن كانت المقر الأول لقيادة حلف شمال الأطلسي وقت إنشائه عام 1949، كان من الطبيعي أن يكون الاحتفال بالذكرى الـ 70 في المكان نفسه الذي شهد انطلاقته الأولى قبل أن ينتقل المقر لاحقاً إلى العاصمة البلجيكية بروكسل.

غير أن الانتخابات العامة التي ستجرى في بريطانيا بعد أسبوع من عودة قادة الحلف إلى عواصمهم، تُشكل نقطة مثيرة أخرى تتعلق بمستقبل (الناتو) بشكل أو آخر، فالانتخابات تجرى بسبب خلاف مرير حول كيفية وشروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يضم معظم دول تحالف الأطلسي، كما قد يخسر رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون أمام زعيم حزب العمال جيريمي كوربين الذي سبق ووصف حلف (الناتو) بأنه خطر على السلام والأمن العالميين.

وعلى الرغم من التزام كوربين أخيراً بسياسة حزبه التي تفضل الإبقاء على عضوية بريطانيا داخل الحلف، إلا أن قمة الأطلسي عام 2014 قال فيها أمام حشد من المعارضين للحلف، إن نهاية الحرب الباردة كانت تستلزم إنهاء وجود (الناتو)، الأمر الذي يعد سبباً آخر يدعو الملتزمين داخل الحزب إلى القلق من انضمام زعيم آخر إلى مثيري الخلافات والصراعات داخل جسد أقدم تحالف عسكري قائم على سطح الأرض.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات