Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مساع حكومية يمنية لاستعادة الآثار المنهوبة

مستشرقون ودبلوماسيون غربيون إضافة إلى الحوثيين متورطون في الاتجار غير الشرعي بقطع تراثية

منطقة جبل حراز اليمنية الأثرية (غيتي)

تعتزم مجموعة من المؤسسات الأميركية المعنية بحماية الآثار، عقد دورة تدريبية خاصة بحماية المتاحف والآثار اليمنية، في إطار تعاونها مع الحكومة بهدف وقف تهريب الآثار التي يعود تاريخها إلى ما يقرب من 4000 عام.

تهديد الإرث اليمني

وقال بيان صادر عن مجلس المراكز الأميركية للبحوث الخارجية، ومبادرة الإنقاذ الثقافي لمعهد سميثسونيان، والمؤسسة الأميركية للدراسات بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف الأميركية، إن الدورة تأتي في وقت تتهدد المتاحف اليمنية مخاطر نتيجة الحرب الدائرة في البلاد، التي أدت إلى تعرض إرثها الحضاري إلى أضرار وخسائر كثيرة ومتنوعة لم تقتصر على المواقع الأثرية، بل تعدتها لتشمل المتاحف الوطنية، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ".

ويأتي ذلك بالتزامن مع جملة من الخطوات التي اتخذتها الحكومة اليمنية مؤخراً، التي تهدف إلى استعادة الآثار المهربة إلى الخارج، المقدرة وفق جهات ثقافية دولية بأكثر من مليون قطعة.

وخلصت ورشة عمل خاصة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، اختتمت أعمالها قبل ثلاثة أيام في جيبوتي، إلى ضرورة استرجاع الآثار والقطع النادرة المسروقة من اليمن وتسجيل الممتلكات الثقافية والتاريخية والآثار غير المسجلة حتى يسهل متابعتها في حال سرقتها.

وأكدت الورشة، التي أدارتها منظمة اليونسكو بمشاركة منظمة الإنتربول والأيكوم واليودنروا، ووزارة الثقافة الجيبوتية وغيرها من الجهات، أهمية تدريب بعض عناصر الشرطة على حماية الممتلكات داخل اليمن، والقيام بما يسهم في صون الموروث الثقافي والحفاظ عليه في ظل ظروف الصراعات والحروب.

وناقشت الورشة أوضاع تهريب الآثار والمتاجرة بها من اليمن، ووسائل الحفاظ عليها، وطرق استرجاعها من الدول التي ذهبت إليها وذلك بالتعاون مع بعض الجهات والمنظمات الدولية مثل الإنتربول والأيكوم بمشاركة وفد حكومي يمني، وعشرة من مديري فروع الهيئة العامة للآثار والمتاحف من مختلف محافظات البلاد، إلى جانب مشاركة عدد من ممثلي وزارة الثقافة الجيبوتية.

مستشرقون لصوص

وكشف الباحث الأميركي من مؤسسة سميثسونيان ألكسندر ناجيل، المشارك في الورشة، عن سرقة الآثار اليمنية بواسطة مستكشفين غربيين.

وقال ناجيل إن معظم المستشرقين الذين زاروا اليمن منذ مدة طويلة، خصوصاً من أميركا، كانوا يقومون بأعمال دراسات وتنقيب، لكنهم "كاذبون، فهم تجار آثار"، على حد تعبيره.

وأضاف "لقد عملوا على تهريب عدد كبير من الآثار إلى أميركا، يصل عددها إلى أكثر من مليون قطعة أثرية، وهم يملكون متاحف ومجموعات تقدر قيمتها بملايين الدولارات"، مشيراً إلى أن ثروة أحدهم، التي جناها من الآثار، تقدر بحوالى 34 مليون دولار.

وبحسب ما نشر رئيس هيئة آثار حضرموت الوادي حسين العيدروس، ورئيس هيئة آثار حضرموت الساحل رياض باكرموم، اللذين شاركا في الورشة، عبر صفحتيهما في "فيسبوك"، فقد أكد ناجيل تورط "العديد من المستكشفين والأكاديميين والدبلوماسيين بتهريب الآثار من اليمن".

بيع الآثار اليمنية

واستند ناجيل في عرضه التقديمي إلى العديد من القطع والوثائق وبعض المنشورات في صفحة "نقوش مسندية"، وصفحة الباحث عبدالله محسن، الذي نشر على صفحته في 4 يوليو (تموز) 2018 عن إحدى تلك القطع وقال إنها من آثار "تمنع"، عاصمة دولة قتبان، التي أهديت مع عدد من الآثار الأخرى كعربون صداقة إلى السير تشارلز جونستون، من قبل صالح حسين الهبيلي، ابن أمير بيحان، كما هو مذكور أسفل التمثال.

وأشار محسن إلى أن الأب حسين بن أحمد بن محسن الهبيلي قد باع مجموعة من الآثار الذهبية عام 1977 إلى المتحف البريطاني.

فيما ذكر كواردو كاتيسي، من الإنتربول، أن الإبلاغ عن القطع الأثرية المسروقة قد يزيد من فرص العثور عليها واستعادتها بنسبة 50 في المئة. إذ "يتم تجميدها بعد الإبلاغ عنها خلال ساعتين من عرضها على الإنترنت". وأضاف كاتيسي "لدينا فقط قطعة واحدة مسجلة من اليمن".

تورط الحوثي والقاعدة

حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع مسؤولي وزارة الثقافة اليمنية الذين تجاهلوا استفساراتنا المتكررة، غير أن صحيفة "نيويورك تايمز"، التي سلطت الضوء على الآثار اليمنية المسروقة تحدثت عن تورط الحوثيين وتنظيم القاعدة في عمليات تهريب الآثار إلى خارج البلاد.

وفي رؤية لجزء من الحل، تأمل الحكومة اليمنية الشرعية أن تفرض الولايات المتحدة قواعد قانونية جديدة تطالب المستوردين بإثبات أن هذه القطع قد تم الحصول عليها بشكل قانوني، كأن يكون هذا الإثبات في صورة إذن حكومي أو مستندات تثبت أن هذه القطع كانت لها بلاد منشأ راسخ يعود تاريخه إلى ما قبل الحرب الأهلية.

وفي محاولة لاستعادة بعض تلك القطع، زار مسؤولون يمنيون كلاً من مدينتي واشنطن ونيويورك مؤخراً، لطلب المساعدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والأمم المتحدة، للحيلولة دون تشتت تراث البلاد. وكان طلبهم الأساسي هو أن تصدر الولايات المتحدة أمراً طارئاً يمنع استيراد القطع الأثرية اليمنية التي لا تحمل وثائق خاصة.

تعميم وحصر

وبحسب "نيويورك تايمز"، قام وزير الثقافة اليمني، مروان دماج، خلال زيارته للولايات المتحدة، بنشر تعميم مكون من 290 صفحة باللغتين العربية والإنجليزية يورد تفاصيل عمليات النهب التي تعرض لها متحف عدن الوطني ومتحف تعز الوطني والمتحف الوطني في زنجبار بمحافظة أبين.

وأرفق الوزير اليمني كتالوغاً يضم 1631 صورة لقطع أثرية فُقدت من المتاحف. وتشمل القائمة عناصر تمتد إلى أعماق الحضارة في منطقة تعرف باسم "مفترق طرق تجاري حيوي قديم"، بما في ذلك تماثيل عاجية من مملكة سبأ القديمة، وعملات ذهبية من العصر الروماني وتماثيل رخامية، ومخطوطات نحاسية ومخطوطات عبرية مرت عليها عدة قرون، عندما كان اليهود يسكنون ما يعرف الآن بجنوب شبه الجزيرة العربية.

وقال دماج، الذي التقى بمسؤولي وزارة الخارجية والخزانة وسلطات إنفاذ القانون الأميركية وكذا الأمم المتحدة، إنه "من الواضح أن المتطرفين العنيفين ينهبون كنوزنا ويهربونها إلى الخارج".

وكشف وزير الثقافة عن إلقاء القبض عدة مرات على حوثيين متورطين في عمليات تهريب الآثار، مؤكداً أنه تم كشفهم وهم يفتشون المواقع الأثرية وينهبونها.

نهب الآثار الإسلامية

وفي تأكيد على مستوى استهتارهم بالإرث التاريخي اليمني، اتهمت المنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة، ومقرها ماليزيا، الحوثيين، الشهر الماضي، بنهب النصوص التاريخية والآثار الإسلامية من مكتبة زبيد، التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر وحتى القرن الخامس عشر.

وقالت ديبورا لير، رئيسة تحالف الآثار، وهي جماعة في واشنطن تحارب الابتزاز الثقافي وتساعد اليمن على تجميع ونشر النسخة الإنكليزية من تقريرها، إن مجموعتها كانت على اتصال مع علماء الآثار الأجانب الموجودين على الأرض في اليمن الذين أبلغوا عن أدلة تؤكد نهب الحوثيين للآثار.

تجريف وتهريب

يتحدث كثير من اليمنيين بشكل دائم عن سرقة الآثار من قبل تجار متخصصين في هذا المجال بالتعاون مع سماسرة محليين.

يقول أمين صالح، وهو المسؤول عن حماية الموقع الأثري في مدينة تمنع (تقع شمال مديرية عسيلان بمحافظة شبوة)، إن موقع هجر كحلان، عاصمة دولة قتبان، تعرض في مراحل متعددة للنهب والتجريف والسرقة من قبل نافذين وتجار آثار.

وأوضح خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الاستهتار بالإرث اليمني القديم بلغ لدى لصوص الآثار حد الاستعانة بالجرافات بحثاً عن القطع الأثرية والعملات الذهبية القديمة التي تدر عليهم مبالغ طائلة جداً.

وأكد صالح ضعف الدور الحكومي ومن أبرز جوانبه، غياب الحماية الأمنية الكافية.

حماية مجتمعية

مثل هذا الأمر، دفع بباحثين ومهتمين يمنيين بالآثار، إلى تشكيل لجنة وطنية مستقلة لاستعادة الآثار اليمنية المنهوبة والمهربة إلى خارج البلاد.

وقال عبدالله محسن، وهو باحث يمني متخصص بالآثار، في بيان نشره مؤخراً في "فيسبوك"، إنه "نظراً لمحدودية إمكانات وزارة الثقافة والسياحة وهيئة الآثار والمتاحف، ولوجود ضغوط تمنعهما من ممارسة دورهما في تتبع واستعادة آثار اليمن المنهوبة والمهربة، اتفقت آراء عدد من المهتمين في الداخل والخارج على تشكيل لجنة وطنية غير حكومية تعنى بهذا الجانب".

وأضاف أن اللجنة ستتخذ من مدينة بون الألمانية أو باريس في فرنسا مقراً مؤقتاً، لافتاً إلى أن الاجتماع التأسيسي سيكون في القاهرة أو سلطنة عمان أو أي مدينة سيتم الاتفاق عليها لاحقاً، داعياً الباحثين والمهتمين وأساتذة الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات إلى المشاركة في اللجنة.

واقترح محسن إنشاء متحف يمني مؤقت خارج البلاد، مخصص للآثار التي سيتم استردادها، مشيراً إلى وجود آثار جاهزة للاسترداد في ثلاث دول على الأقل، إضافة إلى الآثار التي سيتم استردادها لاحقاً.

قطع أثرية مهددة بالخطر

وكان المجلس الدولي للمتاحف وحماية التراث الثقافي "ICOM" نشر عام 2018 قائمة أسماها بقائمة "الطوارئ الحمراء للممتلكات الثقافية اليمنية المهددة بالخطر"، وتضم صور 46 قطعة أثرية يمنية وتماثيل وعملات معدنية وأختام وأكسسوارات وأدوات حربية ونقوش ومخطوطات.

وأشار المجلس الدولي إلى أن هذه القطع ليست مسروقة، بل مسجلة ضمن مجموعات تعود إلى مؤسسات مرموقة وأن الهدف منها هو إعطاء أمثلة على القطع الثقافية الأكثر عرضة للاتجار غير المشروع.

وقال المجلس في قائمته الحمراء إن الصراع الدائر في اليمن يعرض الإرث الثقافي للخطر عبر الاتجار غير المشروع، نظراً إلى أن هناك قطعاً أثرية يتم التنقيب عنها بطرق غير شرعية.

تجدر الإشارة إلى أن اليمن من ضمن الدول الموقعة على اتفاقية لاهاي لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954، إضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2000.

المزيد من تحقيقات ومطولات