Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأراضي الأميركية لن تكون آمنة في حروب المستقبل

التكنولوجيا الحديثة ستُمكن روسيا والصين من تدمير القواعد العسكرية داخل البلاد

طائرة إف-35 تحلق في سماء العاصمة الأميركية واشنطن (غيتي)

في معظم تجاربها التاريخية، تمتعت الولايات المتحدة برفاهية خوض حروبها خارج الأراضي الرئيسية للقارة الأميركية بين المحيطين الأطلسي والهادئ (الباسيفيكي). فلم تقع أي معركة كبرى على هذه الأراضي خلال القرنين الماضيين، ولم تعان من هجمات خطيرة منذ قصف اليابان لميناء بيرل هاربور الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية. كما لم تواجه القواعد العسكرية الأميركية على أراض أجنبية سوى قليل من التهديدات، لكن ذلك سيصبح جزءاً من الماضي وفقاً لباحثين أميركيين أطلقوا صيحة تحذير من أن جميع أراضي البلاد لن تكون في مأمن من أي هجمات روسية أو صينية خلال حروب المستقبل، بسبب التطور الهائل في التكنولوجيا الحديثة.

وبحسب مايكل بيكلي، البروفيسور في جامعة "تافتس" بولاية ماساتشوستس الأميركية، فقد أتاح الوضع الآمن غير المسبوق للولايات المتحدة في الماضي، شن حروب على طريقتها، تتضمن توجيه هجمات ضخمة من مناطق محصنة وآمنة بعيدة جغرافياً وغير مُعرضة للهجوم. فعلى سبيل المثال، استخدمت القيادة الأميركية خلال الحروب الأخيرة في أفغانستان والعراق وليبيا وصربيا قواعد آمنة وشبكات لوجستية تمتد من قلب الأراضي القارية الأميركية إلى حدود العدو. وعبر تلك المساحات الشاسعة، كانت القيادة العسكرية قادرة على اختيار معاركها بشكل استراتيجي وشن ضربات جوية وصاروخية بكفاءة تصبح معها النتائج الفورية والتالية للحرب مضمونة.

مفاجآت حروب الغد

ولكن في حروب المستقبل، ستُمكن التكنولوجيا الحديثة القوى العسكرية الكبرى المعادية للولايات المتحدة، مثل روسيا والصين، من شن هجمات مدمرة ودقيقة للغاية ضد القواعد الأميركية والشبكات اللوجستية، بما فيها تلك الموجودة داخل البلاد.

ويحذر بيكلي، الذي ألّف العام الماضي كتاباً مثيراً بعنوان "لماذا ستبقى الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم"، من أن التقدم التكنولوجي السريع في علوم الفضاء والروبوت ومواد النانو والطباعة الثلاثية الأبعاد وتطبيقات الذكاء الصناعي التي تجعل الماكينات قادرة على التعلم من خبراتها تلقائياً من دون إعادة برمجتها، سيؤدي إلى تطوير أنواع جديدة من الصواريخ والطائرات المُسيّرة القاتلة (درون) التي تُطلق في هدوء وتكتم لتطير مسافات بعيدة جداً لتقتل وتعطل كتلاً من القوات والآليات، وبتكلفة أقل بكثير من الأسلحة التقليدية التي يقودها طيارون أو جنود.

وعلى سبيل المثال، فإن صواريخ الفرط صوتية (هايبرسونيك) التي تتراوح سرعتها بين 10 و25 ضعف سرعة الصوت، تجمع في قدراتها بين مدى وسرعة الصواريخ الباليستية مع دقة ومناورة صواريخ كروز المُبرمجة. كما أن الطائرات العسكرية المُسيرة والغواصات المبرمجة غير المأهولة بالبشر وصل مداها إلى عبور المحيط، في حين أن اللوغاريتمات المطورة تستطيع تنسيق تحليق أكثر من ألف طائرة درون في وقت واحد. وبوسع تكنولوجيا الطباعة الثلاثية الأبعاد إنتاج 1000 هيكل من طائرات الدرون بتكلفة تقل عن 10 دولارات لكل منها، بينما تتولى تكنولوجيا مواد النانو تجهيز وتسليح الدرون برؤوس حربية تصل قوتها التدميرية إلى ضعف قوة المتفجرات التقليدية.

سيناريوات يوم القيامة

ويعني ذلك أن نشر هذه التكنولوجيا سيجعل الأسلوب الحالي الذي تستخدمه الولايات المتحدة في حروبها بلا فائدة. إذ إن تعزيز روسيا والصين للصواريخ بعيدة المدى وطائرات الدرون المسلحة بأعداد كبيرة سيهدد الملاذ الآمن للعمليات العسكرية الأميركية.

وبينما كان ضرب القواعد الأميركية بتكنولوجيا العهود السابقة، يتطلب من القوات المعادية شن غارات جريئة، عادة ما تكون صغيرة ومتقطعة في مواجهة قوة قتالية أميركية ضخمة، أو أن تُوجه القوات المعادية ضربات بالصواريخ النووية وما يستتبعه ذلك من رد انتقامي عنيف من الولايات المتحدة، فإن الصين وروسيا تستطيعان الآن باستخدام التكنولوجيات الحديثة إطلاق أسراب من الصواريخ التقليدية وطائرات الدرون بعيدة المدى كي تشل الشبكات الأميركية وتدمر منصات الأسلحة في قواعدها على الأرض وتقطع الاتصالات وتشعل مستودعات الوقود والذخيرة اللازمة لأي حرب.

وفي هذه الحال، فإن القيادة العسكرية الأميركية ستواجه مشكلة في الرد السريع على هذه الهجمات لأنها غير مستعدة لها حالياً. ذلك أن غالبية القواعد العسكرية الأميركية لديها القليل من نظم الدفاع الصاروخي أو الملاجئ المُحصنة. كما أن الطائرات الأميركية المقاتلة والسفن والقطع البحرية توجد في أماكن مفتوحة.

أكثر من ذلك، فإن الاتصالات بين مراكز القيادة العسكرية الأميركية والقوات في ميادين القتال تعتمد بشكل كبير على الأقمار الصناعية التي تُحلق في مسارات يمكن التنبؤ بها، أو تتم عبر كوابل تحت مياه البحار وضعت وفق خرائط مفتوحة المصدر حيث من السهل التعرف إلى مساراتها. كما أن عمليات النقل اللوجستية الأميركية تتكون في الأساس من سفن غير مسلحة تعمل بالبخار سيخرج معظمها من الخدمة في غضون 15 عاماً، في حين أن السفن الحربية الأميركية والغواصات لا يمكنها إعادة التزود بالوقود أو السلاح في البحر، ويتعيّن عليها في وقت الحرب التنقل بين مسرح القتال وعدد محدود من الموانئ في الولايات المتحدة أو على أراضي الدول الحليفة.

 ليس الكابوس الأحمر

ومع هذه الهوة التي تجعل الولايات المتحدة معرضة للهجوم بالتوازي مع تغييرات تكنولوجية سريعة، تنشأ تعقيدات كثيرة. فالقوة العسكرية الأميركية هي الأقوى في العالم وبهامش كبير عن القوى التالية لها، ولكنها في حروب المحاكاة عبر برامج الكومبيوتر التي أجرتها مراكز أبحاث أميركية مثل تلك التي أجراها مركز "راند" في وقت سابق من هذا العام بمشاركة البنتاغون، لم تستطع الولايات المتحدة منع الصين أو روسيا من تحقيق أهدافها في معارك افتراضية، مثل غزو الصين لتايوان أو هجوم روسيا على دول البلطيق باستخدام هجمات صاروخية أو طائرات الدرون.

وعلى الرغم من أن البعض لم يبدِ انزعاجاً، لأن هذا السيناريو لا يماثل تصورات الكابوس الأحمر في الأدبيات الأميركية خلال الحرب الباردة، الذي يتمثل في غزو سوفياتي لولاية كولورادو، إلا أن سيناريوات كهذه إن وجدت طريقها إلى التنفيذ ستضع نهاية للنظام العالمي الحالي الذي أرسته وشكلته واشنطن عقب الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك انهيار الاقتصاد العالمي بحسب ما يقول ديفيد أوشمانيك من معهد "راند".

وقد تصبح المشكلة أكثر سوءاً في حال تمكن روسيا والصين من امتلاك شبكات أسلحة لمنع الخصم من احتلال منطقة ما. فعلى الرغم من إنفاق الولايات المتحدة مليارات الدولارات لإنتاج قاذفة شبحية جديدة (بي-21) تستطيع اختراق الشبكات الروسية أو الصينية، إلا أن هذه القاذفة لن تتمكن من الدخول إلى مسرح العمليات إلا بعد عشر سنوات. كما أن روسيا والصين قد تتمكنا من تدمير هذه الطائرات على الأرض، إذا تمكنتا من وضع صواريخ كروز متقدمة في حاويات شحن في خليج المكسيك على سبيل المثال.

كيف ستواجه أميركا الخطر؟

يرى بيكلي أن الوقت قد فات بالنسبة إلى القيادة العسكرية الأميركية كي تستعد لخوض معركة من دون ملاذات آمنة. وينصح بدلاً من ذلك بنشر منصات إطلاق صواريخ وطائرات درون مسلحة على أراضي الدول الحليفة وعلى متن سفن تجارية في مناطق الصراع المحتملة وهي قرب بحر البلطيق بالنسبة إلى روسيا، وبحر الصين الجنوبي والشرقي بالنسبة إلى بكين.

ويشير الخبير الأميركي إلى أن الولايات المتحدة لديها التكنولوجيا اللازمة لتنفيذ هذه الاستراتيجية وإنجاحها، لكنه يحذر في الوقت نفسه من التراخي في التنفيذ. ويستدل على ذلك بأن التردد في تطوير هذه النوعية من الأسلحة، يرجع إلى أطراف محليين داخل الولايات المتحدة، حيث ترغب البحرية الأميركية في امتلاك سفن ضخمة وليس قاذفات صواريخ أو طائرات درون من دون طيارين. كما تفضل شركات إنتاج الأسلحة الأميركية المتعاقدة مع البنتاغون، بناء قاذفات وغواصات وسفن وطائرات استراتيجية، وليس ذخيرة منخفضة التكاليف. ويشاركهم هذا الرأي الكثير من أعضاء الكونغرس، بهدف المساهمة في خلق وظائف جديدة للعاملين في دوائرهم الانتخابية.

ولهذا فإن تحديث الطريقة التي ستحارب بها الولايات المتحدة أعداءها في حروب المستقبل، يتطلب التزاماً قوياً من كبار المسؤولين في البنتاغون مع ضغط متواصل من النخبة المثقفة في المجتمع الأميركي، وليس من الصواب أن تُصدَم واشنطن على وقع خسارة معركة ضخمة من طرف أضعف عسكرياً، لكنه يمتلك معرفة وأسلحة تكنولوجية أكثر حسماً وأسرع تأثيراً.

المزيد من دوليات