Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رصد ضوء فائق الطاقة خلّفه أضخم انفجار كونيّ

يساعد الاكتشاف هذا العلماء على فهم تلك الظواهر العنيفة

 وميض ناجم عن انفجار قوي (اندنبندنت) 

رصد علماء الفلك إشعاعاً يكتنز الطاقة الأعلى على الإطلاق بين الإشعاعات المُكتشفة، بعدما خلّفه أضخم انفجار كونيّ في العالم.

وظهر انفجار الإشعاع، المعروف باسم أشعة غاما، في ومضتين وصلتا إلى كوكب الأرض تحتويان على طاقة أكبر بمقدار 100 مليار مرة من طاقة الضوء المرئيّ بالعين البشريّة.

بعد عقود من البحث شهد العلماء أقوى انفجار على الإطلاق من انفجارات أشعة غاما، أو ما يُعرف اختصاراً بـ"جي. آر. بي". تشكِّل تلك الانفجارات الظواهر ذات الطاقة الأكثر كثافة في الكون، إذ تظهر فجأة في السماء ولا تلبث أن تختفي بعد فترة وجيزة فقط ولكنها تحرِّر في ثوان قليلة الكمية نفسها من الطاقة التي ستطلقها الشمس طوال حياتها.

تذكيراً، انفجارات أشعة غاما هي الانفجارات الأكثر قوة في الكون، ويُعتقد أنّها تنبعث من النجوم الضخمة جداً عندما تتداعى في نهاية حياتها، أو عندما تندمج النجوم الثنائيّة مع نجوم أصغر منها بكثير. خلال ذلك، تطلق وميضاً من الإشعاع الذي يسافر عبر الكون برمّته.

خلال عملية مراقبتها، لاحظ العلماء أنّ تلك الانفجارات تبدأ بوميض ساطع يتبعه "توهّج". وعقب ذلك، يلقي ذلك التوهّج انبعاثات ذات نطاق واسع من الطاقات المختلفة، من بينها أشعة "غاما إلكترون فولت" شديدة الكثافة، والتي لم يسبق أن رأينا منها سوى القليل.

ورُصدت انفجارات أشعة غاما للمرة الأولى إبان الحرب الباردة. خلال تلك الفترة، كان لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق كلاهما أقمار اصطناعيّة تدور في الفلك في الفضاء الخارجيّ، بحثاً عن أشعة غاما ناجمة من انفجار قنبلة نوويّة.

بين الحين والآخر، كان الخبراء يرسلون إشارة تفيد بأنّهم رصدوا زيادة هائلة في تلك الأشعة. غير أنّهم لم يجدوا يوماً دليلاً على حدوث انفجار نوويّ، وتبين تالياً أنّ الإشارات في الواقع كانت تأتي من الفضاء الخارجيّ.

هكذا، عثر العلماء على انفجارات أشعة غاما للمرة الأولى. لكنّ الغموض ظلّ يكتنفها في السنوات اللاحقة. من جهة، يعزا ذلك إلى أنّ البيانات صنِّفت بأنها سريّة للغاية، وإلى صعوبة تعقّب تلك الانفجارات من جهة أخرى.

في الوقت الحاضر، يأمل العلماء في البحث عميقاً عن حلّ لذلك اللغز بعد اكتشاف الانفجار الأخير المُكتنز بالطاقة، وذلك بعد سنوات عدة من المحاولات. وتمكّنت التلسكوبات المتخصِّصة من رؤية انفجار الفوتونات الضوئيّة التي وصلت إلى قرابة 100 مليار أضعاف مستوى الضوء المرئي بالعين البشريّة.

في مقالة ترافقت مع إصدار ثلاث أوراق بحثيّة عن انفجارات أشعة غاما الأخيرة نُشرت في مجلة "نيتشر" العلميّة، قال الأستاذ في جامعة نيفادا الأميركيّة بينغ تشانغ إنّ الاكتشاف شكّل "اختراقاً علمياً" مزدوجاً. كانت النتائج بمثابة "انتصار" للمراصد التي كانت تترقّب تلك النتيجة على مدى عقد من الزمن ويزيد، وكذلك "انتصار" للنظريات بشأن انفجارات أشعة غاما، التي تتيح لنا الآن معرفة كيفية تشكّل تلك الانفجارات القويّة".

كانت انطلاقة ذلك الاختراق العلميّ عندما رصدت أقمار مخصّصة لدراسة هذه الظاهرة تابعة لوكالة الفضاء الأميركيّة "ناسا" ما بدا أنه انفجار أشعة غاما، وأرسلت إخطاراً إلى مراصد أخرى كانت تبحث عن أشعة غاما كذلك الأمر. حدث ذلك مرتين، في تموز (يوليو) 2018 وكانون الثاني (يناير) 2019، ما سمح لفريقين من علماء الفلك برؤية حدثين من انفجارات أشعة غاما من على سطح الأرض للمرة الأولى.

وقال كوزيمو نيجرو من مركز "سينكروترون الإلكترونات الألماني" الذي ساعد في العثور على الانفجار، "تمكنّا سريعاً من رصد المنطقة حيث نشأ الانفجار لنشرع في عملية المراقبة بعد 57 ثانية فقط من الاكتشاف الأوليّ للانفجار". وخلال بضع دقائق، شاهد البحّاثة في مركز "ديزي" زهاء ألف من الفوتونات التي حررَّها الانفجار، المعروف باسم "جي. آر. بي 180720 بي".

هكذا توصّل العلماء إلى رؤية أشدّ انفجار للضوء رُصد على الإطلاق من "انفجارات أشعة غاما"، وهي تعدّ في حدّ ذاتها الظواهر الأكثر طاقة التي عرفتها البشرية. وقد تلاشى في غضون نصف ساعة.

وقال ماساهيرو تيشيما من "معهد أبحاث الأشعة الكونيّة" في جامعة طوكيو، "نظريّاً تنبأنا بأشعة غاما فائقة بطاقات عند نطاق تيرا إلكترون فولت (تريليونات إلكترون فولت). في الحقيقة، بحث علماء الفلك عن هذه الانفجارات الضخمة طوال 15 عاماً. فريقي الدوليّ وأنا نفتخر بالإعلان عن رصد أول انفجار لأشعة غاما يكتنز طاقات تصل إلى 1 تيرا إلكترون فولت، وهي حتى الآن أعلى فوتونات طاقة تُكتشف على الإطلاق من انفجارات أشعة غاما".

كان انفجار أشعة غاما الموضوع قيد البحث، المعروف باسم 180720 بي، قويّاً جداً واستمر حوالي 50 ثانية. ويعتبر ذلك وقتاً طويلاً نسبياً لمثل هذا الانفجار، كذلك يشير إلى أنّه تحرَّر من جراء موت نجم هائل الحجم، خلال انهيار مركزه الذي يتشكّل عنه ثقب أسود حائم.

ويُعتقد أنّ الانفجار يحدث عندما يتحوّل الغاز المحيط بالثقب الأسود إلى قرص يحوق بحوافه، ويترافق ذلك مع انبعاثات من الغاز تُقذف وتشكِّل الومضات. أمّا تلك الومضات فتولد عندما تتسارع الجزيئات لتصل إلى سرعة الضوء، مشكلةً أشعة غاما خلال تفاعلها مع المادة والإشعاع المحيط بها.

ويقول العلماء إن اكتشاف إشعاع غاما عالي الطاقة لا يدلّ فحسب على وجود جزيئات متسارعة جداً في انفجارات أشعة غاما، ولكنه يشكِّل أيضاً دليلاً على أنّ الجزيئات تبقى موجودة بعد الانفجار الأوليّ. سابقاً، افترض العلماء أنّه لا يمكن رؤية الومضات إلا في غضون الثواني والدقائق التي تعقب الانفجار، ولكن في أحدث اختراق، شوهدت الومضات بعد ساعات من الانفجار.

تحدّث في هذا الشأن ديفيد بيرج، رئيس قسم "الدراسات الفلكيّة لأشعة غاما" في مركز "ديزي" (مركز أبحاث تسريع الجزيئات في ألمانيا)، وقال إنّ " المرصدين تمكّنا للمرة الأولى من قياس إشعاع غاما ناتج من دفقات أشعة غاما من على سطح الأرض. رسّخت عمليتا الرصد الرائدتان دفقات أشعة غاما كمراجع للتلسكوبات الأرضيّة المصممة للكشف عن أشعة غاما. ينطوي ذلك على تعزيز فهمنا لهذه الظواهر العنيفة بصورة كبيرة".

ويأمل علماء الفلك الآن في استخدام هذا الاكتشاف لمعرفة المزيد عن السياق الذي يؤدي إلى مثل تلك الانفجارات الشديدة. ويأمل علماء الفلك في أن يتمكّنوا من اكتشاف ما يصل إلى عشرة من الانفجارات في السنة عند اشتغالهم على مصفوفة تلسكوب "شيرينكوف"، التي تتكوَّن من أكثر من 100 منظار فردي ستبحث عن مثل تلك الأشعة، لكن ذلك لن يحدث قبل 2023 على أقل تقدير .

وختم البروفيسور تشيما، إنّه "على الرغم من أنّنا انتظرنا ذلك طويلاً، كان رصد انبعاثات أشعة غاما ضمن نطاق تيرا إلكترون فولت من انفجارات أشعة غاما مسعىً بالغ الصعوبة. تحقَّق أخيراً من دون وجود هامش للخطأ للمرة الأولى، وذلك بعد سنوات عدة من التحسينات التقنية والجهود المتفانية. تُعد الجهود المستمرّة التي تبذلها مقاريب أشعة غاما المتوفّرة في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى مجموعة تلسكوب "شيرينكوف" الجديدة قيد الإنشاء حاليّاً، بتقديم رؤية ملموسة جديدة ومتقدِّمة لأحدث الانفجارات الكهرومغناطيسية المضيئة في الكون".

© The Independent

المزيد من علوم