Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المواطن اللبناني يواجه ارتفاعا في أسعار مواد استهلاكية وفقدان بعضها من الأسواق

المؤشرات تنبئ بمزيد من الغلاء في الأيام المقبلة وتفاقم الأعباء

لبنانيون يعتصمون في أحد شوارع بيروت ضد فساد الحكم في بلادهم (رويترز)

يهيمن على حياة اللبنانيين في هذه المرحلة هاجس ارتفاع أسعار السلع في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة. بدءاً من أزمة الرغيف، وصولاً إلى أزمة المحروقات وأزمة الدواء وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية وخطر فقدانها ومنها الارتفاع المرتقب الكبير في سعر اللحم، يغرق المواطن اللبناني في بحر من الهموم اللامتناهية، فيما يسعى بشكل متواصل إلى تأمين لقمة العيش وقوته اليومي. ويظهر الواقع أن الحصول على الكماليات من السلع بات اليوم من الأحلام التي لا يجرؤ كثر على الغوص فيها، حتى ممَّن هم من الطبقة المتوسطة، نظراً إلى الوضع المعيشي المتردي. لا مؤشرات اليوم تدعو إلى الاطمئنان أو إلى قرب انتهاء الأزمة، لا بل تتزايد المخاوف حول تفاقمها أكثر، وفق معظم الخبراء الاقتصاديين. انطلاقاً من ذلك، لا بد من تسليط الضوء على المسؤولية التي تقع على عاتق المواطن في مواجهة هذا الواقع الصعب، لاعتبار أن الكل لا يعرف أن ثمة دوراً بارزاً يلعبه اللبناني في هذه الأزمة، لجهة زيادتها سوءاً أو على العكس في مواجهتها والحد من وطأتها من خلال التصرف بحكمة ومسؤولية.

أزمات متتالية

تتالت الأزمات في الأشهر الأخيرة، بشكل فاقم الأعباء على المواطن اللبناني وزاد قلقه من غد مجهول، تغيب عنه أي معالم تدعو إلى الاطمئنان. أبرز هواجس اللبناني اليوم، البحث عن سبل تأمين أبسط حاجاته، خصوصاً الغذائية منها، بعدما تبيّن أن القلق حيال ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية كان مبرراً، وفق ما أظهرت المعطيات. وتزايدت الهواجس بعدما أنذرت التوقعات بأن كيلوغرام اللحمة سيتخطى الـ 30 أو 40 ألف ليرة لبنانية قريباً. وبدأ اللبناني يشهد اليوم ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار المواد الاستهلاكية عامةً، ولو بنسب متفاوتة بحسب المحلات التجارية. وتُظهر مؤشرات توقع زيادة أكبر، إضافةً إلى فقدان بعض البضائع عن رفوف المحال التجارية التي باتت تعاني منذ الآن من هذا النقص.

وللمواطن دور بارز هنا، قد يجهله، في المساهمة بمفاقمة هذه الأزمة أو الحد من وطأتها على حياته، فبحسب المدير العام لوزارة الاقتصاد علياء عباس "التبادل في السوق عبارة عن عرض وطلب، ومن البديهي أن يزيد الطلب الكبير من غلاء الأسعار فترتفع تدريجاً"، مضيفةً "من الضروري أن يطمئن المواطن ويخفف من هذا القلق والهواجس التي تسيطر عليه وتدعوه إلى تخزين السلع بشكل غير مبرر. مررنا بحروب كثيرة ولم تختف سلع، بل إن وجود ماركات عدّة يسمح دائماً بتوفير بدائل، منها تلك المصنوعة في لبنان وأيضاً تلك المستوردة والتي لا خوف من فقدانها. ثمة بدائل متوفرة دائماً لاستمرار حركة الاستيراد. أما التهافت على شراء السلع، فمن الطبيعي أن يؤدي إلى ارتفاع أسعارها. من هنا أهمية الدعوة إلى التصرف بحكمة ومسؤولية ومنطق، على الكل أن يتضامن وأن يتحمل المسؤولية للخروج من هذه الأزمة".
وأكدت عباس "ضرورة التضامن بين الكل، فثمة مسؤولية أيضاً على التاجر في الحد من معدل الأرباح المتوقعة في ظل هذه الأزمة التي تغرق فيها البلاد والتعامل بمنطق مع هذا الوضع. فكما أن المواطن يخسر جزءًا من دخله، كذلك على التاجر أن يحدَّ من أرباحه ولا يعتبر نفسه بمنأى عما يحصل، فهي سلسلة ولا بد من أن يتأثر بها الكل". ولفتت إلى أنه "من الطبيعي أن ترتفع أسعار السلع المستوردة بسبب أزمة الدولار. كما أنه بعكس ما يعتقد كثر، يمكن أن ترتفع أسعار الصناعات الوطنية بسبب استيراد نسبة مهمة من المواد الأولية، لكن بمعدل أقل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


على المواطن أن يبادر

يظهر الواقع أن المواطن اللبناني نادراً ما يبادر إلى تصويب الخطأ الذي يراه. فقد يصادف وضعاً خاطئاً يتطلّب التصحيح ونادراً ما يندفع إلى اتخاذ الخطوة المطلوبة منه. لذلك، يقع عليه اللوم ويتحمل مسؤولية تجاوزات ومخالفات عدّة يدير لها ظهره، فيما يلجأ إلى التذمر بدلاً من القيام بخطوة إيجابية.

أما بشأن الدور الذي تلعبه "مصلحة حماية المستهلك"، فأشارت عباس إلى أن "المصلحة تستقبل شكاوى المواطنين حيال كل التجاوزات التي تخصها، فيما يتولّى المراقبون التابعون للوزارة التدقيق بها وبأسبابها"، موضحةً أنّ "كثيرين اشتكوا في مرحلة ما من دفع بدل مادي مقابل الاتصال بالرقم الخاص 1737، لذلك وُضِع في الخدمة اليوم تطبيق خاص بمصلحة حماية المستهلك يستقبل شكاوى الناس مجاناً". وأضافت "بدأت الأزمة قبل الثورة وكنّا نعمل بجدية للتصدي لكل المخالفات والشكاوى التي تصلنا وإن واجهنا بعض الصعوبات بسبب عدد المراقبين غير الكافي. وقد تكون المشكلة الأساسية هنا في غياب الثقة بين المواطن والقطاع العام، لذا أطلقنا خطة تسهم في زيادة الشفافية وفي تعزيز هذه الثقة من خلال دعوة طلاب الجامعات إلى المشاركة كمراقبين متطوعين في المصلحة. ويسهم هذا أيضاً في تفعيل المراقبة وتوسيع نطاقها وندعو اليوم إلى تطوع المزيد من الطلاب لهذا الهدف، مع الإشارة إلى أن دور المراقب يقضي بمتابعة الشكاوى والتدقيق في الفواتير وفي أرباح التجار ومعدلاتها. لكن نأمل بشكل خاص في أن يشارك المواطن في مكافحة هذه المخالفات التي قد تحصل، فما من شكوى تضيع وإن تأخرت المعالجة قليلاً أحياناً. وتبقى الثقة أساسية هنا".
 
قلق مبرر ولكن...
قد تكون مخاوف اللبنانيين مبررة اليوم إلى حد ما في ظل الوضع المعيشي المتردي والأزمة الاقتصادية التي تُغرق البلاد. وبشكل خاص، يبدو واضحاً أن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وفقدانها يشكّل هاجساً للعائلات التي لديها أطفال، إذ سمعنا احتمالات عن  فقدان الحفاضات للأطفال والحليب وغيرها من الحاجات الأساسية. وفي ظل هذه المخاوف ومن بداية الأزمة، تزايدت الحملات الداعية إلى التركيز على الصناعات الوطنية الكفيلة بتأمين معظم البدائل التي يحتاجها المواطن اللبناني. ويُصار اليوم إلى التركيز على الصناعات الوطنية بشكل لم نشهده سابقاً، علّها تكون الحل للمواطن في مواجهة هذه الأزمة وارتفاع أسعار السلع، خصوصاً تلك المستوردة منها. في هذا الإطار، يشير رئيس جمعية الصناعيين الدكتور فادي الجميّل إلى أن القطاع الصناعي اللبناني يتميز بتنوع لافت للسلع وبقدرة على تأمينها. "لدينا 14 قطاعاً صناعياً وتتوفّر السلع تقليدية والمتطورة، كتلك الإلكترونية وصناعة الأدوية بالتعاون مع مختبرات عالمية وغيرها من الصناعات. نحن نصدّر إلى الدول الأكثر تطلّباً بمستوى جودة عالٍ وبمواصفات عالمية. ولعلّ الكل يشهد للقدرة اللافتة للّبناني في مجالَيْ الموضة والمجوهرات بشكل مكّنه من منافسة المصممين العالميين. لذلك، على المواطن اللبناني أن يثق بالصناعات المحلية وبجودتها وأن يتوجه إليها من دون تردد. ثمة اهتمام لافت نشهده اليوم بالسلع المصنّعة محلياً المتوفّرة بأسعار تنافسية قد تساوي نصف أسعار السلع المستوردة". لكن يشير الدكتور الجميّل إلى أن اهتمام اللبناني بالصناعات المحلية ليس وليد الأزمة، إذ يبدو واضحاً أن الضوء يُسلَّط عليها أكثر من أي وقت مضى. ومع التركيز على الصناعة المحلية، تخفّ الأعباء إلى حد كبير على المواطن اللبناني. صحيح أن ثمة مواد أولية مستوردة في هذه الحالة بنسبة 10 إلى 40 في المئة وثمة كلفة إضافية بشكل طبيعي، لكن يبقى معدل الزيادة على الأسعار أقل بقليل، مقارنةً بالسلع المستوردة.
في الوقت ذاته، يذكر الدكتور الجميل أنّ لبعض السلع كلفة عالية، منها تدوير الورق والزجاج وهذا ما يشكّل عائقاً في الصناعة ويضيف تكاليف إضافية، وهذا ما يتطلب دعماً من قبل الدولة التي لا بد من أن تركّز على هذه القطاعات الإنتاجية التي تسمح في الوقت ذاته بالحد من معدلات البطالة في لبنان. كما يطمئن رئيس جمعية الصناعيين المواطن اللبناني، مؤكداً أنه ثمة بدائل محلية لمعظم السلع الاستهلاكية الأساسية وبالتالي ما من داعٍ للقلق حيال هذا الموضوع وتبقى الزيادة على المواد الاستهلاكية المحلية، مقبولة مقارنةً بتلك المستوردة.
المطلوب في هذه المرحلة التصرف بحكمة ومسؤولية والتضامن في سبيل الخروج من الأزمة بحد أقل من الأضرار. فممّا لا شك فيه أن المواطن يتحمل أعباء كثيرة من النواحي كافة، لكن لا بد من التعاون بين الجميع للحد من تداعياتها وعلى كلٍّ منّا أن يتحمل مسؤولياته بجدية، تجنّباً للغرق أكثر بعد في الأزمة التي نعيشها اليوم.

المزيد من اقتصاد