Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من الغرق والعطش... حملة شعبية سودانية ضد سد النهضة الإثيوبي

عضو مستقيل من وفد التفاوض السوداني: ملء السد إعلان حرب... و"بني شنقول": شُيّد على أراضينا "المحتلة"

سد النهضة الإثيوبي المقام بالقرب من الحدود مع السودان (رويترز)

على الرغم من أن لسد النهضة تداعيات مماثلة على كل من مصر والسودان على اعتبار أنهما "دولتا مصب" في حوض نهر النيل، فإن الخرطوم كان لها دائما موقف مؤيد للمشروع الإثيوبي الضخم، الذي لا يبتعد سوى عدة كيلومترات عن حدودها، فقد جادل مسؤولون سودانيون بأن السد سيمنع عن السودان أخطار الفيضانات المدمرة، بل وسيوفر الكهرباء للبلد الذي عاني خلال الصيف الماضي من انقطاعات دامت لنحو 12 ساعة يوميا في بعض المناطق، ولا سيما في ظل اتفاقيات التبادل والربط الكهربائي بين البلدين، حيث أعلنت الحكومة السودانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن إثيوبيا وافقت على تزويدها بـ300 ميغاواط من الكهرباء يوميا، بعد تفعيل اتفاقية التبادل الكهربائي بين البلدين، ومن المتوقع زيادة التبادل الكهربائي مع تشغيل السد المخصص لتوليد الكهرباء وتصديرها.

لقد ساد الموقف السوداني المؤيد للسد خلال فترة حكم الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، لكن الآراء المعارضة التي ظلت خافتة لسنوات، عادت إلى الواجهة اليوم لتطالب الحكم الانتقالي في السودان بتغيير موقفه من الأزمة نظرا لسوء إدارة الملف خلال حكم "البشير" وتعامله مع القضية بـ"طريقة كيدية"، كورقة ضغط على مصر وإثيوبيا على حد سواء، بغض النظر عن انعكاساتها على أمن السودان المائي ومصالحه الاستراتيجية، بحسب مراقبين.

وترى الأصوات السودانية المعارضة للمشروع الإثيوبي أن تداعيات السد ستكون "مُدمرة" على السودان، بدرجة تتجاوز تأثيراته المحتملة على مصر، مما يُحتّم على الخرطوم أن تتخذ موقفا أكثر تشددا في المفاوضات الحالية بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي للوصول إلى حل قبل انتهاء المهلة التي حددها "اجتماع واشنطن" في منتصف يناير (كانون الثاني) 2020.

 

حملة سودانية للتوعية بمخاطر السد

تتصاعد حاليا فعاليات حملة شعبية في السودان للتحذير من مخاطر سد النهضة الإثيوبي على دولتي المصّب، مصر والسودان، وذلك من خلال سلسلة ندوات يحاضر فيها خبراء ومسؤولون سابقون في ملف المياه بالسودان، من أعضاء مجموعة "مخاطر السد الإثيوبي"، التي حذرت من "غرق السودان" إذا لم تُراجع اتفاقيات سد النهضة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن جانبه، قال محمد عثمان، مؤسس "مجموعة مخاطر السد الإثيوبي"، لـ"اندبندنت عربية"، إن المجموعة تضم عددا كبيرا من خبراء الري والقانون الدولي والحقوقيين والإعلاميين للتوعية بمخاطر "سد النهضة"، رغم تحفظ المجموعة المستمر على هذه التسمية، مضيفا "نعتبره سد الدمار، ومنذ سنوات نشطنا في هذا المجال، ولم يكن أحد يستمع إلينا في الحكومة السابقة، واليوم نجحنا في إيصال صوتنا، وبخاصة أننا نتحدث للرأي العام والمسؤولين في السودان من منظور علمي، وفقا لتقديرات خبراء المياه والري والقانون الدولي".

وتابع "كنا نتوقع أن يصل السياسيون في البلدان الثلاثة إلى اتفاق يجنّب السودان، وبخاصة شعب بني شنقول (إقليم حدودي بين البلدين حيث يقام السد، تحتل إثيوبيا جزءا منه) مخاطر السد، لكن حتى الآن لا توجد دراسة واحدة لتحديد المخاطر وإمكانيات السودان للتعامل مع تداعياته، في الوقت الذي حاول فيه المكتب الاستشاري الفرنسي تحديد ذلك على دولتي المصب، ولكن إثيوبيا رفضت التقرير الاستهلالي ووصلت المفاوضات إلى طريق مسدود كما تابعنا".

 

وأوضح عثمان أن خطر سد النهضة الإثيوبي على السودان يتجاوز بدرجة عالية أضرار السد العالي وقت إنشائه، حيث يتركز خطر السد الإثيوبي على السودان تحديدا، "لأنه يقام في منطقة حدودية بما لا يدع للسودان فترة زمنية كافية لاستقبال المياه في حالة المخاطر، وبخاصة أن السودان ليس لديه بحيرات لتصريف المياه الزائدة إذا تعرض السد لمخاطر، وقانونيا ليس من حق إثيوبيا بناءه في إقليم بني شنقول السوداني المحتل وعلى النيل الأزرق دون موافقة، فالاتفاقية الموقعة عام 1902 تحظر على إثيوبيا بناء أي إنشاءات على السد مقابل السماح لها بإدارة إقليم بني شنقول الذي تمتد حدوده إلى بحيرة تانا، وعليه فإن جزءا كبيرا من مياه النيل الأزرق التي تصل مصر والسودان بالأساس تنبع من الإقليم السوداني المُحتل".

وأوضح عثمان أن الحملة تواصل نشاطها من خلال عدد من المؤتمرات والفعاليات الجماهيرية وورش العمل التي سيشارك بها عدد من العلماء والباحثين المتخصصين، فضلا عن تشكيل عدة لجان إعلامية وسياسية وعلمية وقانونية ضمن الحملة للضغط باتجاه الحفاظ على المصالح السودانية.

مخاوف من غرق البلاد

وقال الدكتور أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الرسمية السودانية حول سد النهضة، إن بدء ملء السد، من دون موافقة دولتي المصب (مصر والسودان)، يمثل "عملا من أعمال الحرب"، لأنه يهدد وجود الدولتين، مطالبا حكومة الخرطوم الانتقالية بسحب التوقيع على إعلان المبادئ الموقع عام 2015، وطلب إعادة التفاوض، مع الاعتراف بحق إثيوبيا في تشييد السد وتوليد الكهرباء منه، ولكن بشروط جديدة، تكفل لدولتي المصب الأمن المائي وأمان السد، والمطالبة بإعادة التفاوض على أساس الالتزامات القانونية الدولية والإقليمية والثنائية للأطراف، على أن تتم عملية إعادة التفاوض خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، مع إيقاف التشييد وكل الأعمال التي تتعلق بالسد، بخاصة الملء، إلى حين الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.

ودعا المفتي، في قائمة مطالب أرسلها إلى الحكومة السودانية، إلى أن تشرف على إعادة التفاوض الجهات الدولية الـ13، التي كانت ترعى وتموّل مفاوضات اتفاقية عنتيبي 1995-2012، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي، لأن لها خبرة كافية في المفاوضات بين دول حوض النيل، ولأن الأمر يتعلق بالسلم والأمن الدولي.

وتابع المفتي "نتمني أن تتخذ الحكومة السودانية فورا هذه الخطوات، لأننا نعتقد أن الموضوع بالنسبة إلى السودان مسألة حياة أو موت، لأن كل اجتماع مقبل سيرسخ ويقنن الوضع الحالي، الذي يسلب السودان أمنه المائي، ويعرضه للغرق. ونهيب بجماهير الشعب السوداني دعم مطالبنا، لحمل الحكومة على وضعها موضع التنفيذ، قبل فوات الأوان، لأن بدء ملء السد عمل من أعمال الحرب، كما أشرنا، لأنه أكثر ضراوة من العمل العسكري المباشر، حيث إنه يعرّض كل السودان للهلاك الشامل غرقا أو عطشا".

واعتبر الخبير السوداني أنه "إذا فشلت وساطة الجهات الدولية المشاركة حاليا، وأيضا التي شاركت في اتفاقية عنتيبي، في هذه الحالة يمكن رفع الأمر إلى مجلس الأمن"، مشددا على أنه لا يمكن الاستمرار في "المفاوضات العبثية" التي دخلها النظام السابق.

مقاومة "احتلال بني شنقول"

ويطالب سودانيون بمعارضة مشروع السد الإثيوبي لتأثيره على "شعب بني شنقول"، وهم جماعة عرقية تعيش على الحدود الإثيوبية السودانية، وهو أحد الأقاليم المكونة للفيدرالية الإثيوبية، والتي أصبحت عشرة أقاليم بعد تصويت غالبية أفراد قومية "سيداما" الإثيوبية لصالح استحداث إقليم جديد يتمتع بالحكم الذاتي، حسبما أعلن المجلس الانتخابي الوطني يوم السبت. ويقع السد الإثيوبي في إقليم بني شنقول، الذي يعتبره السودانيون إقليما خاضعا لـ"الاحتلال الإثيوبي"، ويعيش في الإقليم نحو 4 ملايين نسمة، معظمهم من أصول سودانية.

وفي عام 2017 أعلنت الحكومة الإثيوبية أن "أجهزتها الأمنية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة، وكانت المجموعة المهاجمة تتكون من 20 فردا، انطلقوا من إريتريا، كان هدفهم الاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية تصدت لهم وقتلت 13 مهاجما وهرب 7 من المهاجمين إلى داخل الأراضي السودانية، ولكن الحكومة السودانية سلّمت المهاجمين فوراً إلى نظيرتها الإثيوبية، والتي تحقق معهم لمعرفة تفاصيل أخرى عن الحادث".

من جانبه، قال إبراهيم الخناقي، رئيس مؤسسة بني شنقول لحقوق الإنسان، إن "الشعب السوداني مغيّب عن تاريخه الذي يذكر أن بني شنقول كان أحد أهم المراكز الحضرية في السودان تاريخيا، لأنه كان منبع النيل الأزرق ومركز للثروات المعدنية، وبخاصة من الذهب، وكل أراضي بني شنقول تتبع السودان، وبذلك فإن الاعتراف بالسد يعني إعطاء إثيوبيا حقا لا تملكه وتنازلا عن سودانيّة إقليم بني شنقول المُحتل من إثيوبيا، والموافقة على ذلك تعني تكريس احتلال بني شنقول".

وطالب الخناقي حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بتغيير نهجها الراهن إزاء سد النهضة نظرا لأضراره "المدمرة" على السودان وسيادته، معتبرا أن "وزير الري السوداني ياسر عباس كان أحد مهندسي المفاوضات مع إثيوبيا، بما في ذلك إعلان المبادئ عام 2015 خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، الذي كان حريصا على إرضاء إثيوبيا التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي لضمان دعم الاتحاد له في رفض تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية".

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط