Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خزفيات "اثرية" لمحمد مندور تلتقي حداثة لوحات مي حشمت في قاعة بيكاسو القاهرية

آنيات اشبه بكائنات اسطورية... ورسوم تستوحي الموسيقى

لوحة للرسامة المصرية مي حشمت (اندبندنت عربية)

يحكي الخزاف المصري محمد مندور كيف تم استدعاؤه ذات مرة للتحقق من إحدى أعماله الخزفية حين تشككت سلطات المطار أنها قطعة أثرية. كانت القطعة الخزفية ضمن مقتنيات أحد المسافرين، وتم التحفظ عليها من دون أن يلاحظ أحدهم توقيع الفنان المحفور أسفل الإناء. يتذكر مندور تلك الواقعة بمشاعر مشوبة بالثقة والحماسة، ليس لبلوغه هذه الدرجة من الإتقان في إضفاء طابع القدم على أعماله، ولكن لنجاحه في الاقتراب من روح هؤلاء الخزافين الأوئل الذين استلهم منهم أعماله تلك. لا يتعمد مندور إضفاء هذا القدم على آنيته، لكنه يدرك أسباب هذا الالتباس الذي ينتاب البعض تجاهها، فهو ابن مخلص وتلميذ مثابر في مدرسة عريقة تمتد رقعتها شرقاً وغرباً، من تخوم الصين إلى المغرب العربي، مروراً بإيران والهند وبغداد ودمشق والقاهرة. يدرك مندور أن ولعه الحقيقي وإخلاصه هما لهذا القوام الذي ساهمت في تشكيل ملامحه كل تلك القرون والحقب والثقافات الغابرة. لهذا تبدو أعماله بالغة القدم، فهي حبلى بكل تلك الإسهامات، ومسكونة بأنامل الآلاف من الخزافين العظام. يعرف مندور أنه حلقة ضمن هذا الخط الممتد عبر التاريخ الذي يتشبث هو بروحه وتفاصيله.

يعد مندور واحداً من بين أبرز الخزافين المصريين المعاصرين وهو يمتلك تجربة ثرية قوامها الإصرار والعزيمة، مكنته من احتلال مكانته البارزة تلك بين المشتغلين بهذا الفن في مصر. نشأ محمد مندور في منطقة الفواخير بحي مصر القديمة، هذا الحي الشهير بصناعة الخزف، وتعرف منذ صغره على ملمس الطين وشكل به أول أعماله. إتجه اهتمام مندور منذ البداية إلى التكوين الخزفي دون الزخارف، فبرع في ذلك على نحو لافت، كما أنه أبدع وأضاف إلى مواد التلوين الخزفية. ولعل ما أثقل موهبته تلك هو اشتغاله منذ الصغر في ورش الفخار المنتشرة في الحي كصبي يقوم بإعداد الطين قبل تشكيله، ما أكسبه ألفة مبكرة بتلك الخامة. كان محمد مندور يخلط الطين بقدميه العاريتين ويرطبه بالماء وينقيه من الشوائب والحصى كي يكون معداً للتشكيل بواسطة الدولاب الدوار، ثم يتلقف هو تلك الأشكال الخزفية بعد الإنتهاء من تشكيلها ليضعها إلى جوار بعضها تحت الشمس كي تجف، منتظراً اليوم الذي يستطيع فيه الجلوس إلى هذا الدولاب ليشكل آنيته بيديه، حتى كان له ما أراد. أما المحطة الأبرز في تجربته فهي عمله مع الفنان والمثال المصري محمد هجرس، والذى إرتبط به لعدة سنوات عبر عمله في محترفه الخاص، فكان لهذه التجربة أثرها الكبير والفارق في حياته، فقد أحدثت ذلك التحول العميق في ممارساته الخزفية. تعرف مندور في محترف محمد هجرس على رونق الخزف الإسلامي وسماته، وجماليات الزخارف القبطية، كما تعلم من الحضارة المصرية القديمة الاهتمام بالفورم أو الشكل فى تناسقة ودقته وصياغاته المُدهشة.

إمتزج كل ذلك في قريحة الفنان، مضيفاً إليه رؤيته الخاصة، فبدت كل قطعة من آنيته الخزفية ككائن أسطوري خارج من رحم الأرض، في رسوخ قوامها وانحناءاتها التي تداعب الضوء. يعرض محمد مندور جانباً من تجربته الخزفية تلك في قاعة بيكاسو للفنون في القاهرة حتى نهاية نوفمبر. ضم المعرض نماذج مختلفة من أعماله الخزفية المنفذة بتقنيات وأساليب عدة، تراوح بين الملامس الخشنة والناعمة، بالإضافة إلى الأطباق المرسومة والمعالجة بالأكاسيد الملونة التي اشتهر بها.

انشودة الفرح

إلى جانب معرض محمد مندور، تستضيف قاعة بيكاسو أيضاً معرضاً للفنانة مي حشمت تحت عنوان "انشودة الفرح" قدمت خلاله أحدث إنتاجها التصويري. استلهمت الفنانة عنوان معرضها من قصيدة للشاعر الألماني يوهان شيلر التي تحمل العنوان نفسه، والتي استلهم منها بيتهوفن أيضاً سيمفونيته التاسعة، وهي السيمفونية الأبرز بين أعماله الموسيقية. هذه ليست المرة الأولى التي تستند خلالها مي حشمت على نص أدبي في أعمالها، فقد استلهمت أعمال معرضها الأول من رواية "العجوز والبحر" للكاتب الأميركي إرنست هيمنغواي. تتعامل مي حشمت في أعمالها بمنطق الباحث والمدقق في تفاصيل الثيمة التي تتناولها. في أعمالها الأخيرة تتعرض الفنانة للمشاعر المختلفة المرتبطة بالموسيقى، كالسعادة والنشوة والمشاركة الجماعية والاحتفال، وتأتي بكافة العناصر المتعلقة بهذه الثيمة، كالآلات والمغنين والمستمعين، هي تتقصى تعبيرات الوجوه والملامح وتضفي على أجواء اللوحة انفعالات البهجة وربما الأسى أحياناً. الشخوص التي ترسمها مي حشمت يبدون في غاية البرائة، كأننا أما فريق غنائي من الأطفال يؤدي أغنية واحدة، أو يعزف لحناً ممتد النغمات. تقول الفنانة أنها أرادت من خلال أعمالها تلك التعبير عن المشاعر الإنسانية في المواقف المختلفة عبر استعراض سمعي وبصري، وفي طقس احتفالي يجمع بين الموسيقى والآلات والأشخاص، وبين المحبين والمغنين والعازفين والمستمعين، ومزج كل ذلك مع تعبيرات الوجوه بكل ما تحمله هذه الوجوه من مشاعر وتناقضات. درست الفنانة مي حشمت الفن في كلية التربية الفنية وهي حاصلة على دبلوم النقد الفني من الكلية نفسها، ومعرضها الحالي هو الثاني ضمن عروضها الفردية.

المزيد من ثقافة