Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاجئون ومهاجرون في المغرب بين رحلة المجهول وأمل العبور

تحوّل المغرب منذ عام 2014 إلى أرضٍ لاستقبال المهاجرين واللاجئين بعدما اعتمدت الحكومة "إستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء".

لاجئون ومهاجرون من دول وجنسيات وثقافات عدة، هجروا بيوتهم وأرضهم وممتلكاتهم هرباً من مرارة الحرب وقسوتها ليتفرقوا في كل بقاع العالم، جزء كبير منهم اتخذ المغرب محطةً في انتظار "أرض الميعاد"، من بين هؤلاء مَن استطاع الاندماج في النسيج المجتمعي المغربي وآخرون لا يزالون يتوقون للوصول الى القارة الأوروبية. مامادو مهاجر سنغالي، صامبا مهاجر غيني، حياة مهاجرة سنغالية، زكية لاجئة سورية، تتعدّد قِصصهم وتجاربهم، لكن ظروف الحياة الصعبة جمعتهم وشردتهم الحروب ولم يبق أمامهم حلّ سوى الرحيل. بعضهم وصل بطريقة غير شرعية عبر الحدود الجزائرية والبعض الآخر قدم من جنوب الصحراء، ومن لبنان أو الاردن أو مصر.
لقمة العيش
عائلات سورية من حلب وحمص وحماة، تبحث في الطرقات وعلى اشارات المرور عن لقمة العيش. تحمل زكية اللاجئة السورية من حمص جواز سفرها على قارعة الطريق، تشبه قصتها آلاف القصص التي يرويها سوريون فارون من أهوال الحرب في بلدهم، وصلوا الى المغرب بصعوبة بعد رحلات محفوفة بالمخاطر. تمضي زكية يومها في انتظار مساعدات أو اكراميات من المارة. أما زينب فكلفها الأمر تذكرة طائرة إلى بيروت، وأخرى إلى الجزائر، لتحط لاحقاً الرحال في المغرب، لكن هدفها هو بلوغ القارة الأوروبية. وتعمل في المنازل لإعالة أبنائها.
تختلف أسباب مكوث المهاجرين الأفارقة في المغرب من شخص إلى آخر، يقول مامادو (25 سنة) القادم من غينيا كوناكري "حاولت كثيراً أن أعبر إلى أوروبا، لكني لم أستطع. جرّبت القارب لكنني لم أفلح. لن أيأس، سأحاول حتى أصل".  تروي المهاجرة السنغالية حياة المقيمة في مدينة طنجة المغربية منذ ثلاث سنوات، أنها حاولت العبور الى أوروبا مرات عدة وفشلت "والآن كما ترون أصبح لدي طفلان وأعيش على مساعدات المغاربة". وتعتبر حياة التي أنجبت أحد أطفالها في المغرب، طفليها أيضاً مصدراً للرزق، فبفضلهما يمكنها الحصول على بطاقة إقامة. وتضيف "الشرطة تتجنب مضايقتي والناس يقدمون لي ولطفلَيّ اللباس والطعام، ولكن لا بد من أن يأتي يوم وألتحق بأصدقائي في إسبانيا".
السياسة المغربية في مجال الهجرة واللجوء 
تحوّل المغرب منذ عام 2014 إلى أرضٍ لاستقبال المهاجرين واللاجئين بعدما اعتمدت الحكومة "إستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء" لتوفير الأمن والحماية لتلك الفئات من خلال تيسير ظروف اندماجهم واستفادتهم من التغطية الصحية والتعليم والعمل، إضافةً إلى دعم مقاولاتهم.
وسبقت هذه الخطة عملية التسوية الاستثنائية التي أطلقتها السلطات المغربية عام 2013، بعدما تقدَم أكثر من 2800 لاجئ سوري بطلب الحصول على تصريح للإقامة. في سياق حديثه في رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان قبل أيام، قال جان بول كافالييري، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المغرب، "إن رؤية مشاريع اللاجئين الصغيرة أمر مرضٍ، كذلك تبادلهم الحديث مع زملائهم في الرباط والدار البيضاء وطنجة"، موضّحاً أن المغرب جعل مكاناً للمهاجرين في المجتمع. ويضيف رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في مدينة أكادير المغربية محمد شارف "المغرب حقق خطوات متقدمة جداً على مستوى دمج المهاجرين منذ تفعيل سياسة الهجرة". كذلك رأى أحمد سكيم المسؤول في الوزارة المنتدبة المكلفة شؤون المغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة "أن عدد المهاجرين غير القانونيين المقيمين في المغرب، الذين تمّت تسوية طلباتهم، بلغ أكثر من 50 ألفاً، من أصل 56 ألفاً تقدموا بطلبات تسوية، يتحدرون من 13 دولة". واعتبر أن هذه خطوة أولى من أجل الادماج إذ تمكِّن المهاجر من الحصول على بطاقة إقامة تخوله الاستفادة من برامج إدماج في مختلف ميادين الحياة".
بين حلم العبور وواقع الحدود
على صعيد آخر، تؤكد شيرين البحنوني، وهي مهتمة بالتواصل في جمعية الأيادي المتضامنة (جمعية تعنى بشؤون المهاجرين وتأمين حاجاتهم ودمجهم في الحياة داخل المغرب) أن حصول المهاجرين على أوراق إقامة لا يكفي. وتلخّص وضع المهاجرين في المغرب، بخاصة المنتشرين في شمال البلاد، بـ "الصعبة والمزرية" وتفتقر إلى أبسط ضروريات الحياة والعيش في العراء والشارع، فضلاً عن المشكلات الاجتماعية، بخاصة بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة الذين ينتشرون في "غابة بنيونش" (بمحاذاة سياج محيط بمدينة سبتة الخاضعة للسيطرة الإسبانية)، حيث يتمركز آلاف المهاجرين في خيم بلاستيكية. تقول البحنوني إن وضع هؤلاء أصعب من المهاجرين داخل المدن الذين استطاعوا أن يتعايشوا مع السكان.

الاستقرار في المغرب
إذا كان عدد من اللاجئين السوريين أو المهاجرين الأفارقة يتسولون في الشوارع ويستعطفون قلوب المارة، فهناك من استطاع أن يندمج ويستقر. أميناتو شابة من ساحل العاج (23 سنة) مقيمة في طنجة (شمال المغرب)، تروي قصتها قائلةً "هربت من أزمة اقتصادية في بلادي في العام 2014، وقدمت إلى هنا بحثاً عن عمل". وهي الآن تعمل بصالون للحلاقة. وتتقن "الراستا" (تسريحة افريقية مشهورة) وبات لديها دخل ثابت وزبونات من جنسيات عدة.  أما "مامادو" فيعرض في السوق الشعبية بطنجة طاولته المزينة بأكسسوارات وقلائد وخواتم. ويقول إنه أتى بها من السنغال، "إنها مصدر رزقي الوحيد".
الشامي والمغربي
يقول المثل السوري "اش لم الشامي عالمغربي" في إشارة إلى البعد الجغرافي واختلاف الثقافة والتقاليد والعادات، وأن لا شيء يجمع بين الشعبين، لكن يبدو أن المثل لا يصح دائماً، فعلى أرض المغرب اليوم ما يذّكر السوريين بوطنهم. وانتشرت في طنجة، على غرار مدن مغربية أخرى، مطاعم "يا مال الشام" و"مطعم بابا علي" و"عصائر الشام" التي تقدم أشهى الاطباق السورية وتشهد اقبالاً كبيراً من المغاربة والأجانب الذين حفظوا عن ظهر قلب أشهر تلك الأكلات. أما سامي، وهو سوري مقيم في طنجة منذ حوالي أربع سنوات، ويملك مطعماً، فتحدث إلينا بلهجة مشرقية جميلة تخللتها عبارات مغربية أحياناً. يقول إن علاقة السوريين بالمغاربة قديمة ويشهد عليها مسجد السوريين الذي أسسته عام 1975 عائلات سورية، تخليداً للمشاركة المغربية في حرب الجولان ضد اسرائيل. ويضيف "أعيش في المغرب منذ مدة، لا ينقصني شيء، لكن لدي حنين إلى الوطن".
نهاية المسيرة. الأما المغرب بالنسبة إلى غالبية هؤلاء ليس "نهاية المسيرة". تائهون على غير هدى، جلّ هؤلاء المهاجرين أو اللاجئين يعتبر طنجة، التي تبعد عن الحلم الأوروبي مسافة 14 كيلومتراً مجرد محطة عبور، أو ممراً تقليدياً لا بُد لهم من المرور به مهما يكن الثمن.

المزيد من تحقيقات ومطولات