Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإخوان" والرقص الخطير مع إيران

"كان لأردوغان دور كبير في إقناع مرسي بزيارة طهران"

الجنرال علي فدوي نائب قائد الحرس الثوري خلال مشاركته في احتفال نُظم بطهران في ذكرى تأسيس ميليشيا الباسيج (أ. ف. ب.)

بادئ ذي بدء أود أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى حدثين تاريخيين من شأنهما أن يلقيا الضوء على خلفية العلاقة الإيرانية- الإخوانية، وأنها في الواقع ليست ظاهرة جديدة.

تشير مصادر حركة الإخوان المسلمين إلى أن حسن البنا التقى آية الله الكاشاني، أثناء زيارة الحج عام 1948، واتفقا في ما بعد على نقاط عدة ستشكل أساس العلاقات بين الجانبين.

كما أن القيادي البارز بحركة "فدائيان إسلام" الإيرانية نوال صفوي، الذي كانت تربطه صلة قوية بآية الله الكاشاني، نزل ضيفاً خلال زيارته القاهرة في عام 1954، على قادة جماعة الإخوان المسلمين في حينه، وأجرى معهم مباحثات أدت إلى تطور العلاقة بين الطرفين، بل إن "الإخوان" كانوا في طليعة القائمين بالاحتجاج الكبير في مصر ضد إعدام نوال صفوي على يد نظام الشاه، عام 1957.

ولكن لم تستمر هذه العلاقة الطيبة على المستوى المطلوب بسبب عدم ملاءمة الظروف السائدة في المنطقة.

وفي عام 2012 وبعد فترة ليست بالقصيرة زار الرئيس المصري السابق محمد مرسي، العضو البارز في حركة الإخوان، إيران، ليؤشر ذلك إلى استئناف تلك العلاقة على أعلى المستويات.

وبذلك أصبح مرسي، أيضاً، أول رئيس مصري يزور إيران منذ ثورة الخميني في عام 1979.

ويجدر ألا ننسى أن رئيس الوزراء التركي (آنذاك) رجب طيب أردوغان كان له دور كبير في إقناع مرسي بزيارة إيران. وهكذا بدأ الرقص الخطير بين الإخوان وإيران من جديد. ويبدو أن هذه العلاقة استمرت في ما بعد على مستوى غير الرسمي بين إيران والإخوان.

وبالفعل، ادعت مجلة "انترسبت" وصحيفة نيويورك تايمز الأميركيتان، بأن مسؤولين إيرانيين التقوا قيادات من "الإخوان" في أبريل (نيسان) 2014، في اجتماع سري بأحد الفنادق في تركيا، بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة بين الطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

ونَشر هذان الموقعان تفاصيل ذلك الاجتماع السري بناءً على مراسلات داخلية مؤلفة من 700 صفحة.
ومن بين أكثر ما لفت نظري في هذه الاجتماعات التي يُقال إنها عقدت في إسطنبول، أن أعضاء الوفد الإيراني كانوا من أفراد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الذي ينفذ عمليات استخباراتية - عسكرية خارج البلاد. ويجدر ذكر أن الولايات المتحدة أدرجت "الحرس الثوري" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية هذا العام.

ووفقاً لموقع "انترسبت"، ناقش الطرفان سبل إمكانية العمل المشترك بعد الإطاحة بمرسي. وذكر الموقع أن الطرفين توصلا إلى أنه "لا مراء في وجود خلافات بين إيران التي تشكل رمزاً للعالم الشيعي، وبين الإخوان المسلمين الذين هم من ممثلي العالم السني. ومع ذلك، فمن الضروري التركيز على البحث عن أرضية مشتركة للتعاون ضد الأعداء المشتركين".

ويبدو من خلال المعلومات التي سُربت أن أهم نقطة مشتركة بين وفد الإخوان المسلمين والإيرانيين هو "الكراهية" ضد "العدو المشترك": المملكة العربية السعودية، وأن بإمكان الجانبين أن يتحدا ضد الرياض وأن أنسب ساحة ملائمة لتحقيق ذلك هي اليمن.

واعترف نائب مرشد الإخوان المسلمين إبراهيم منير المقيم في لندن بحصول هذا الاجتماع في تلك الأيام. لكن ينبغي التنبيه إلى الجانب الأكثر خطورةً في هذه الاجتماعات هو أن يجتمع الإخوان بمسؤولين من منظمة استخباراتية - عسكرية تُجري عمليات في الخارج، ولعمري إن هذا مأزق كبير بالنسبة للإخوان المسلمين.
إن مجرد الاجتماع بأفراد منظمة تسخر كل طاقاتها في إثارة الفتن وتصدير الفوضى إلى الشرق الأوسط لهو خطأ فادح ربما يؤدي إلى طريق لا رجعة فيها، وإلى أخطاء يصعب تلافيها.
ولنفرض جدلاً أن اجتماعاً كهذا لم يتحقق، أو لم يتسرب، فهل هذا يعني عدم وجود مثل هذه العلاقة؟

إنني أقول بكل ثقة ووضوح: إن معظم القيادات في الحكومة الحالية بتركيا، والذين يتعاون معهم الإخوان، هم بالفعل موالون لإيران. لذلك أستطيع القول إن علاقة الإخوان مع حزب العدالة والتنمية تعني -في الوقت ذاته- علاقة غير مباشرة مع إيران. ولتجلية الموضوع بمزيد من الوضوح أريد أن ألفت النظر إلى حدث عشته في حياتي الصحافية.

ففي عام 2012 حين كنت في مصر، اتصل بي أحد الزملاء من تركيا، والتمسَ مني أن أرافق حسين بَسْلي الذي كان سيقوم برحلة سياحية إلى مصر.

وقبلتُ هذا الطلب الذي أعطاني فرصة التعرف إلى هذا الشخص الذي أصبح في ما بعد نائباً في حزب العدالة والتنمية لفترتين متواليتين، واكتشفت أنه من الموالين بقوة للنظام الإيراني. وهو في الوقت ذاته رفيق درب أردوغان منذ 40 سنة، ويشغلُ حالياً منصب مستشار الرئيس، وهو مؤلف كتاب "الزعيم" باللغة العربية حول سيرة أردوغان.

قضيت معه 3 أو 4 أيام في زيارة المواقع التاريخية في القاهرة. وفي اليوم الأخير، وأثناء تناولنا العشاء فوجئت بأشخاص حضروا إليه وقدَّموا له تقريراً شفهياً.  فلما سألتهم عن طبيعة نشاطهم في القاهرة، أخبرني أحدهم "نحن، بصفتنا فرع الشباب لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول، نساعد شباب الإخوان المسلمين في الأمور التنظيمية، وسنحقق ذلك في كل أنحاء مصر". وأضاف "ونقوم أيضاً بقراءات فكرية".

وكان هذا الشخص هو جانْ عَجون، الذي علمتُ في ما بعد أنه يعمل باحثاً في مؤسسة "سيتا" البحثية والتي تُعِدُّ تقارير لمصلحة الحزب الحاكم في تركيا. وهو الآن يُقدم نفسه على أنه خبير في شؤون الشرق الأوسط ويظهر على شاشات التلفزيون بكثرة. ومن المعروف أن "سيتا" من بين المؤسسات الأكثر تأثيراً في توجيه سياسات الحكومة في تركيا، حيث أن أعضاء بارزين كثراً منها تدرجوا في المناصب المهمة وأصبحوا في ما بعد إما نواباً في البرلمان أو مستشارين لأردوغان، ومنهم إبراهيم كالين الذي يشغل منصب كبير مستشاري الرئيس التركي.

ولا نبالغ إذا قلنا إن "سيتا" أصبحت الآن بمثابة العقل المدبر للإسلاميين السياسيين في تركيا، وجميع الذين يعملون في هذه المؤسسة كإداريين وباحثين هم مؤيدون -على حد سواء- لإيران. وإذا كان هناك مَن يدعي أنه من المهتمين بالشأن التركي ويغفل عن هذا الجانب فليعلم أن معرفته بتركيا ضحلة وضئيلة.

إن كل الإسلاميين السياسيين في تركيا تأثروا بجماعة الإخوان وهم في الوقت ذاته معجبون بالنظام الإيراني ومتعاطفون معه، وأما الإخوان فهم معجبون بأردوغان ومتعاطفون معه... فهذا التعاطف المتسلسل هو القاسم المشترك الذي جعل الإسلاميين السياسيين والإخوان أيضاً عالقين في مستنقع يصعب الانفلات منه: "المستنقع الأردوغاني". إذ إن أردوغان لن يتركهم وشأنَهم بل يوظفهم في عملياته داخل البلاد وخارجها. ولم أرَ في صفوف الإسلاميين السياسيين جماعةً سارت وراء أردوغان من دون أن تنجرف إلى التطرف والإرهاب.

ولتوضيح هذا الموضوع أرجو القارئ الكريم أن يرجع إلى مقالي الذي نشرتْه "اندبندنت عربية"، في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بعنوان "هكذا أصبحت تركيا بقيادة أردوغان "حصان طروادة" لإيران"... وكم من المؤسف أن نرى جماعة الإخوان هي أيضاً منخرطة في المتطوعين لأن يصبحوا "حصان طروادة" لإيران، بتحفيز من "حزب العدالة والتنمية" التركي. وهذا خطأ قاتل قد يكون من الصعب تفادي أضراره الجسيمة، بل سيندمون ندامة الكُسَعيِّ، ولكن بعد أن يتسع الخرق على الراقع.

المزيد من تحلیل